اليوم يواجه العالم أزمة جديدة لم يسلم بلد منها ، وقد فجرت أزمة الرهون العقارية الوضع رغم أنه له أسبابا عديدة . هذه الأزمة تتمثل في إفلاس عدد من المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا وآيسلاند ودول أخرى عديدة . الأزمة تتمثل أيضا في انهيار البورصات ، وفقدان كثير من الأفراد والشركات لمبالغ طائلة . من جانب تجد البنوك نفسها عاجزة عن أداء مهمتها الرئيسية وهي الإقراض ، وكذلك يقل الاستهلاك لهبوط قيمة ثروة الأفراد ، ويبدأ الاقتصاد في الانكماش ، وتزيد العطالة ، ويظل الوضع يسوء وهذا ما حدث ، إذ حققت الشركات والأفراد خسائر بعدة تريليونات دولار . ليس ذلك فحسب ، بل إن النمو الاقتصادي صار سالبا في أغلب الدول مما يفاقم المشكلة . هذه الأزمة لم تأت من فراغ ، بل بسبب التغيرات في البيئة المالية ، ونوجز أسبابها فيما يلي ( 2008 ) :
تضخم السيولة عالميا : وهذه أتت من الازدهار الاقتصادي العالمي في عقد التسعينيات وما بعدها ، فالزيادة في الأرباح هيأت مبالغ طائلة بأيدي المستثمرين ، وأصبحت هذه الأموال تنتقل بسهولة بين الدول ، تبحث عن فرص استثمارية ، في حين أنه لم تكن هناك فرص كافية .
رفع القيود عن المؤسسات المالية التي أصبحت تدخل بحرية بلادا ومجالات كانت مقفولة أمامها من ناحية . ومن الناحية الأخرى ، قالت الرقابة على هذه المؤسسات ، فصارت أقل صرامة في منح التسهيلات والأموال . بل جشع هذه المؤسسات المالية جعلها تتساهل في منح القروض . وأكثر ما يتضح هذا كان في الرهون العقارية ، ففي سعيها للربح قدمت البنوك قروضا لكثيرين ، اتضح عجزهم عن السداد لاحقا .
استقدام أدوات مالية جديدة مثل التوريق ، والذي فيه تقوم البنوك ببيع ديونها المستحقة لها في شكل أدوات جديدة تبيعها لمؤسسات مالية أخرى ، ظانة أنها بذلك تتخلص من المخاطر . كذلك هناك المشتقات ، والتي بها تصدر المؤسسات المالية أدوات مالية جديدة مشتقة من أدوات مالية أخرى . كذلك ابتدعت البنوك وسائل لإخفاء الخصوم بعمل ميزانيات خارج الحسابات الختامية تحيل إليها كثيرا من الأصول المشكوك فيها . هذا التوريق أدخل هذه الأصول المشكوكة في ميزانيات بنوك بعيدة عنها .
ظهور لاعبين جدد مثل الصناديق السيادية التي تجمعت لديها مبالغ طائلة ، مما جعلها أيضا تبحث عن فرص استثمارية ، وكذلك هناك صناديق التحوط التي تجمع ثروات الكثيرين ، وتبحث لهم عن فرص استثمارية .
تهاون السلطات النقدية في الدول المتقدمة وتركها للأسواق بدون رقابة ، إيمانا منها بأن السوق المالية ستصحح نفسها بناء على فلسفة الحرية الاقتصادية . عدم وجود قيود عليها جعل المؤسسات المالية تتساهل في منح القروض ، حتى تزيد أرباحها وتقدم المكافآت الضخمة لمديريها ، حتى فاقت مكافآت المديرين البلايين من الدولارات ، وللحصول على مكافآت أكثر كان المديرون يزدادون مغامرة .
وكانت أزمة الرهون العقارية هي " القشة التي قصمت ظهر البعير " عندما عجز الكثيرون ممن اشتروا مساكن عن دفع أقساطهم الشهرية ومن خلال عمليات التوريق ، تسللت هذه الأصول المشكوك في قيمتها إلى ميزانيات مؤسسات مالية بعيدة عنها وأصبحت كالسم الزعاف .
حاليا تقوم الدول بتقديم العون لمصارفها ومؤسساتها المالية ، واعتمدت لذلك مئات البلايين من الدولارات في أمريكا وأوروبا والعديد من الدول حتى تمنع تلك المؤسسات من الانهيار ، وحتى تتمكن تلك المؤسسات من القيام بمهمتها الأصلية ، وهي تقديم التمويل للشركات ، بل إن بعض الدول أممت تلك المؤسسات المالية بشرائها لأسهمها المتداعية ، كما نجد في بريطانيا .
حاليا ( 2009 ) يعيش العالم كله حالة من الركود الاقتصادي لم يحدث مثله منذ الانهيار العظيم الذي حدث في عام 1930 . ولا ندري بعد ، إلى أي مدى ستنجح الحكومات في جعل مؤسساتها واقتصادها تستعيد العافية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق