اتضح لنا أن المناهج التكنولوجية في التجارة الدولية تعطي ثقلا كبيرا للدور الهام الذي يلعبه الإنفاق على البحوث والتطور باعتباره العامل الهام في تحديد نمط التجارة الخارجية بين الدول في سلع دورة المنتج . وعلى أساس هذا المنهج تمكنت المناهج التكنولوجية في تقديم تفسير للغز ليونتيف استنادا إلى أن صادرات الولايات المتحدة الأمريكية بها نسبة عالية من سلع دورة المنتج . ولما كان رأس المال البشري مماثلا في الخبراء والعلماء والفنيين والعمال المتخصصين والمهندسين أمرا لا غنى عنه لإنتاج سلع دورة المنتج فإن ذلك يعد دلالة واضحة على أن الصادرات الصناعية كثيفة رأس المال البشري تشكل نسبة عالية من إجمالي الصادرات الأمريكية وهو ما يتفق مع ما توصلت إليه رأس المال الإنساني للغز ليونتيف . فضلا عن ذلك فلقد قدمت المذاهب التكنولوجية في التجارة الدولية تفسيرا لكثير من ظواهر الاقتصاد العالمي ، بحيث عالجت أوجه القصور التي عانت منه النظرية الكلاسيكية والمتمثلة في عدم واقعية الفروض التي قامت عليها ، وبالتالي محدودية النتائج التي توصلت إليها ، وإهمالها لكثير من العناصر الهامة للاقتصاد العالمي . ومن بين هذه الظواهر الهامة ما انتهت إليه هذه المناهج التكنولوجية من اعتبار كل من اقتصاديات الحجم ، رأس المال البشري ، الإنفاق على البحوث والتطور مصادر أساسية لاختلاف المزايا النسبية المكتسبة وقيام التجارة الخارجية بين الدول . من بين هذه الظواهر أيضا تلك المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية والشركات متعددة الجنسية وعلاقتها بالتجارة الدولية . يضاف إلى ذلك أن النظرية التكنولوجية قد راعت الفروق القائمة بين الدول الصناعية الأكثر تقدما والدول الصناعية الأقل تقدما والدول النامية ، وهي بصدد تفسير نمط التجارة الخارجية بين الدول .
باختصار ، فإن المناهج التكنولوجية تتفوق على النظريات الكلاسيكية السابقة عليها من حيث كونها أكثر النظريات اقترابا من واقع الاقتصاد العالمي . فهذه المناهج رغم أنها بدأت كمحاولة لتطعيم نظرية هكشر – أولين في نسب عناصر الإنتاج بكثير من حقائق الاقتصاد الدولي وجعل فروضها أكثر واقعية ، إلا أنها سجلت تفوقا واضحا هكشر – أولين لاحتوائها على كثير من العناصر الديناميكية الهامة مثل اقتصاديات الحجم ، والعمل الماهر ، دور البحوث والتطور ، الاستثمارات الأجنبية ، الشركات متعددة الجنسية .
ولقد لاقت النتائج التي توصلت إليها المناهج التكنولوجية في الاقتصاد الدولي تأييدا واضحا من جانب الكثير من الدراسات التطبيقية التي أجريت لبيان أهمية دور البحوث والتطور وتأثرهما على نمط التجارة الخارجية بين الدول ابتداء من النصف الثاني من الستينات من هذا القرن .
ولقد طبقت هذه الدراسات بصفة أساسية على الولايات المتحدة الأمريكية ، وفي نطاق محدود على ألمانيا الغربية واليابان باعتبارهما الدول القائدة في مجال البحوث والتطور التكنولوجي . وكان في طليعة هذه الدراسات التطبيقية ما قام به كل من كيسنج وجروبر وميتها وفيرنون وويلز ولجنة التعريفات الأجنبية لدراسة دور البحوث والتطور وتأثيرها على هيكل وتكوين الصادرات الأمريكية .
كذلك من بين الدراسات الهامة في هذا المجال دراسة قام بها هورن لإجراء دراسة على دور عامل البحوث والتطور وتأثيره على هيكل التجارة الخارجية الألمانية الغربية ومقارنة هذه النتائج بالوضع في الولايات المتحدة الأمريكية . بل ومن الدراسات تلك التي قام بها الباحث لهيكل التجارة الخارجية للدول الأعضاء في منظمة الجماعة الأوروبية . ولقد أظهرت الدراسات التطبيقية بوجه عام تأثير الصادرات الصناعية الأمريكية واليابانية ودول السوق الأوروبية المشتركة بشكل واضح بكثافة الأبحاث العلمية والتكنولوجية وارتفاع نسبة الصادرات من سلع دورة المنتج إلى إجمالي الصادرات الصناعية لهذه الدول .
وبإجماع القول فإن الدراسات التطبيقية قد انتهت إلى تأييد النتائج التي توصلت إليها المناهج التكنولوجية من أن التغييرات التكنولوجية تعتبر مصدرا رئيسيا لاختلاف المزايا المكتسبة وقيام التجارة الخارجية بين الدول الصناعية المتقدمة في سلع دورة المنتج .
وحول قدرة نظريات التجارة الدولية على تقديم تفسير مقنع لنمط وشروط التبادل الدولي فإنه يمكن القول بأن الدراسات التطبيقية سالفة الذكر قد أيدت القدرة الجزئية لكل نظرية من هذه النظريات على تفسير التبادل الدولي في إحدى طوائف السلع المتبادلة دوليا وليس جميعها . وتمشيا مع هذه الدراسات التطبيقية فإنه يمكن صياغة النتائج التالية :
قدرة النظريات الكلاسيكية بجيليها الأول والثاني على تقديم تفسير مقنع للتجارة الدولية في سلع ريكاردو ، أي في قطاع المنتجات الأولية دون غيرها من المجموعات السلعية .
صلاحية نظرية هكشر – أولين في نسب عناصر الإنتاج لتفسير نمط وشروط التجارة الخارجية في المنتجات الصناعية النمطية ودون غيرها من المجموعات السلعية .
قدرة المناهج التكنولوجية في التجارة الدولية على تقديم تفسير مقنع لنمط التجارة الخارجية بين الدول في المنتجات الصناعية كثيفة التكنولوجيا – وهي المعروفة أيضا بسلع دورة المنتج .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق