التحليل
الاقتصادي التقليدي لم يعتد بالعلاقة المتبادلة بين عناصر البيئة وعناصر النمو
وأنهما يقعان في دائرة واحدة . ولا أدل على ذلك من اعتبار السلع الموفورة كالماء
والهواء سلعا حرة مجانية أو شبه مجانية تنعدم قيمتها التبادلية نظرا لوفرتها برغم
تمتعها بقيمة استعمال عالية جدا حيث تشبع حاجات ضرورية وملحة . في حين اعتبرت سلع
أخرى كالماس ذات قيمة تبادلية عالية جدا نظرا لندرته وصعوبة الحصول عليه ، بينما
يتمتع بقيمة استعمال منخفضة للغاية حيث يشبع حاجات أقل إلحاحا .
وقد كان لهذه
الفكرة أكبر الأثر سواء على المستهلكين ، من خلال زيادة استهلاكهم للموارد ذات
الثمن الزهيد، كما كان لها تأثير على سلوك الدول خاصة المتقدمة منها ؛ حيث عكفت
على إحداث تغييرات هيكلية في اقتصادياتها مستغلة ما لديها من رأس مال وتكنولوجيا ،
ومعتمدة على الإسراف في الموارد الطبيعية الموجودة لديها أو حتى لدى مستعمراتها .
ليس هذا فحسب وإنما ربطت أيضا من مستويات الاستهلاك المرتفعة وأعلى مراحل النمو
الاقتصادي كما يظهر من نظرية ( رستو ) للنمو الاقتصادي والذي اعتبر أن مرحلة
الاستهلاك الكبير ، حيث يتم خلق حاجات استهلاكية جديدة وليس الاكتفاء بإشباع ما هو
قائم منها ، هي أعلى مراحل النمو الاقتصادي .
هذا إلى جانب أن
بعض الحكومات لم تكتف بترك بعض الأصول البيئية مالا حرا وإنما طبقت سياسات كلية
تعمل في الاتجاه المضاد لحماية البيئة ومن أمثلة هذه السياسات ، سياسة دعم الطاقة
حيث بلغ حجم الدعم المقدم لها حوالي 230 مليون دولار على المستوى العالمي وهو ما
يساوي حوالي 20 – 25% من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم ، ويمثل دعم البترول
حوالي 55% من الدعم العالمي ، والفحم 23% والغاز الطبيعي 22% . كما أن هناك بعض
الدول كمصر والسنغال وإندونيسيا تدعم المبيدات الحشرية فيها بنسبة 15% رغم ما لهذه
المبيدات من آثار سيئة على البيئة .
* الفكر
التقليدي قد قصر الاهتمام على ظاهرتين هما الإنتاج والاستهلاك فقط دون ظاهرة
المخلفات مما جعل النظرية الاقتصادية تفشل في تقدير الأهمية الحقيقية للآثار
الخارجية ، فصحيح أن المدخلات تتحول إلى مخرجات وأن السلع التي تنتج تستهلك إلا
أنه أثناء عمليات الإنتاج تنتج بقايا مادية غير مرغوبة وأيضا نجد أن السلع
النهائية تنضم مع مرور الوقت إلى تيار المخلفات . وكل هذه المخلفات تتجه أساسا إلى
البيئة للتخلص منها مما يتسبب عنه ، مع مرور الوقت ، ضعف قدرة الطبيعة على استيعاب
هذه الملوثات ؛ حيث يفوق حجم الملوثات أو خصائصها حدود قدرة الطبيعة على التقنية
الذاتية مما يحدث اختلال في التوازن البيئي ويتحول التلوث من مجرد ظاهرة عرضية إلى
مشكلة بيئية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق