زادت في الفترات الأخيرة الضغوط النظرية والعملية نحو
منح البنوك المركزية مزيد من الايتقلال في وضع وتنفيذ السياسة النقدية . فقد صدرت
العديد من التشريعات لتقرير استقلالية البنوك المركزية في العديد من الدول مثل
فرنسا ونيوزيلندا والمكسيك وشيلى وفنزويلا
بالإضافة إلى ما نصت عليه معاهدة " ماسترخت " بشأن البنك المركزي
الأوروبي بل وانتشر هذا الاتجاه في العديد من الدول الأقل تطورا ونتيجة لذلك فهناك
العديد من الدول تراجع التشريعات الخاصة ببنوكها المركزية لمنحها المزيد من الاستقلالية
مثل دول وسط شرق أوروبا والدول التي اانفصلت عن الاتحاد السوفيتي سابقا والصين
والعديد من دول أمريكا اللاتينية وباكستان والهند .
ومن هنا فإن الاستقلال الذي تسعى إليه البنوك المركزية
الآن يرتكز على إعطاءها حرية التصرف الكاملة في وضع وتنفيذ السياسة النقدية
واختيار الأدوات المناسبة واللازمة لتحقيق أهدافها وخاصة وأن من أهم أهداف السياسة
النقدية هو ضرورة تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة على قيمة العملة .
ونظرا للسلطة الضخمة التي يمكن أن تصبح في يد البنك
المركزي وبشكل مطلق في وضع وتنفيذ السياسة النقدية بمقتضى حصوله على الاستقلالية
يثور التساؤل عن كيفية محاسبة ومساءلة البنك المركزي عن تصرفاته المقابلة لمنح
البنك المركزي استقلاليته .
والواقع إن اعطاء البنك المركزي استقلاليته لا تلغى
الحاجة لضرورة أن يكون مسئولا تجاه جهة معينة سواء كانت تلك الجهة تنفيذية أو تشريعية
أو قضائية أو أية جهة أخرى مشتركة فيما بينهم وتستلزم فكرة المساءلة في حدها
الأدنى ضرورة قيامن البنك المركزي بشرح وتبرير تصرفاته وسياساته وما ترتب أو
سيترتب عليها من نتائج سواء في مواجهة الرأي العام بصفة عامة من خلال التقارير
المنشورة والأحاديث الصحفية المنتظمة او سواء في مواجهة المؤسسات البرلمانية من
خلال المثول أمام لجانها المتخصصة وسواء تعلق الأمر بالسياسات ونتائجها المتبعة في
فترة سابقة أو تلك التي ستتبع في فترة لاحقة وخير مثال على ذلك ما يجري عليه العمل
في ألمانيا .
فالبنك المركزي الألماني لا يعتبر مسئولا أمام أية جهة
ولكن يوجه عناية خاصة لكسب الرأي العام إلى جانبه ويكثر من عقد المؤتمرات الصحفية
وينشر تقريرا شهريا على قدر عال من التفصيل والدقة ومع ذلك فإن المخاطر الاجتماعية
للسياسة النقدية التي تتبعه لا تخلوه من مخاطر نظرا لعدم وجود آلية لمساءلته منصوص
عليها قانونا
ونظرا لأن أهداف السياسة النقدية وإن كانت تتركز حول
ضرورة المحافظة على استقرار الأسعار إلا أنها غير محددة بشكل قاطع وحاسم بحيث يمكن
مساءلته عن فشله في تحقيقها ولو من خلال الرأي العام على الأقل . من ثم فإنه لا
يمكن فعل الشيء الكثير لمنع استمرارية سياسة نقدية انكماشية لمكافحة التضخم رغم أن
آثارها الاجتماعية ربما تكون قد جاوزت كل الحدود .
وخير مثال على ذلك ما قام به البنك المركزي الألمانى في
عام 1991 حيث أنه كان يدرك أنه يواجه موجات تضخمية متزايدة وكان بإمكانه أن يقلص
الكتلة النقدية ويزيد أسعار الفائدة قصيرة الأجل حتى يتمكن من ايقاف زحف موجات
التضخم الأمر الذي كا سيتم على حساب الانتاج والعمالة ولكنه رغم ذلك اختار مواجهة
التضخم بشكل تدريجي بهدف الحفاظ على مستويات الناتج والعمالة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق