برغم من حداثة اهتما الاقتصاديين بالاستثمار الأجنبي ، فإن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت موجة من الدراسات عنه ، 0خاصة مسببات ودوافع الشركات الأجنبية في الاستثمار . وقد رصدت دراسة مسحية حديثة قام بها مركز الأمم المتحدة للشركات عبر الوطنية تلك الدراسات . وتشير نتائج الدراسات عموما إلى خمسة عوامل أساسية في هذا المجال هي :
(أ) حجم ونمو التسوق :
وجدت معظم الدراسات أن وجود السوق من أهم الاعتبارات في الدول النامية والمتقدم ة على السواء . وكمؤشر لذلك ، تتخذ معظم الدراسات مقاييس الناتج المحلي الإجمالي أو الدخل ، وبينما يركز المستثمرون على المؤشر الكلي في تقييمهم لأسواق الدول المتقدمة ، نجدهم يركزون على متوسط نصيب الفرد ، ومعدل نمو الدخل في نظرتهم لأسواق الدول النامية ، وذلك لأن كثافة السكان في كثير من الدول النامية تضخم الحجم الكلي للدخل ، وقد تعطي صورة مضللة لحجم السوق .
(ب) البني الهيكلية :
رغم التأكيد النظري على أهمية هذا العامل ، لكن الدراسات عن الاستثمار في الدول المتقدمة لم تجد أن هذا العامل يميز بين الدول الجاذبة والدول غير الجاذبة للاستثمار ، لكن الدراسات المتعلقة بالدول النامية ، كشفت أن لوجود البني الهيكلية الملائمة صلة بحجم الاستثمار في تلك الدول . ونرى أن الدول الفنية متساوية إلى حد كبير في وجود الحد الأدنى من تلك البني ، وأن المستثمرين يفترضون ضمنا وجود بني هيكلية مناسبة فيها ، ولذا لا يأخذون هذا الأمر في الاعتبار عند اختيارهم بين بلدين متقدمين ، بينما يكون هذا الأمر على رأس اهتمامات من يستثمرون في الدول النامية ، ولذا يفضلون الاستثمار في الدول الأفضل من حيث البني الهيكلية ما بين الدول النامية .
(ج) الاستقرار السياسي :
هنا أيضا وجدت الدراسة ، أن هذا العامل أكثر تأثيرا في قرار المستثمر الأجنبي عند المفاضلة بين دولة نامية وأخرى منه عند المفاضلة بين دولة متقدمة وأخرى غير متقدمة . وهذا أمر مفهوم ، فالاستقرار السياسي شيء يفترضه المستثمرون ضمنا في الدول المتقدمة ، لكنهم لا يستطيعون ذلك عند التفكير في الاستثمار في الدول النامية . ولذا وجدت معظم الدراسات أن لهذا العامل قوة تمييزية بين الدول النامية الجاذبة . والدول النامية للاستثمار .
(د) متغيرات السياسات :
ترمز هذه المتغيرات إلى السياسات الاقتصادية ، ومدى تدخل الدولة في الاقتصاد والقيود التي تضعها مثل : مدى السماح بملكية الأجانب للأعمال ، حجم الضرائب والدعم ، تحويل الأموال ، التحكم في الأسعار والقيود عموما . هنا تفاوتت نتائج الدراسات إذ وجدت بعضها أهمية لها ولم تجد الأخرى أهمية بالنسبة لبعض المتغيرات . غير أن معظم الدراسات ، وجدت أن الضرائب والسماح للأجانب بالملكية عاملان مهمان في التمييز بين الدول من حيث مدى جاذبيتها للاستثمار .
عموما ، نتائج أي دراسة تعتمد على تكوين العينة ، وطريقة قياس المتغيرات ، والفترة الزمنية للدراسة ، ولهذا تختلف الدراسات . ربما إذا نظرنا إلى السياسات المختلفة من خلال مؤشر واحد ، لوجدنا نتائج مغايرة ، كذلك هناك عوامل إضافية ركزت عليها بعض الدراسات وأهملتها أخرى ، مثل التضخم والاستقرار الاقتصادي .
وفيما يختص بالدول العربية ، فهي قد درست ضمن الدول النامية من حيث جاذبيتها للاستثمار ، لكن هناك دراسة حديثة اقتصرت على الدول العربية ، وفرقت بين محددات الاستثمار الأجنبي فيها ، ومحددات الاستثمار البيني ( العربي – العربي) . وجدت الدراسة أن العوامل التي تجذب المستثمر هموما إلى البلاد العربية هي نفس العوامل التي يفكر فيها عند النظر إلى أي بلد آخر عربي أم غير عربي . بالإضافة إلى ذلك ، وجدت الدراسة تشابها في دوافع المستثمر العربي والمستثمر الأجنبي عند التفكير في الاستثمار في بلد عربي .
كيفية اتخاذ القرار :
القرار بالاستثمار في منشآت في دولة أخرى ، أو تنفيذ أعمال دولية من أي نوع ، ليس قرارا سهلا ، ويشمل ذلك الاستثمار المباشر وغير المباشر ، والتراخيص ، والأعمال الدولية المختلفة . وهو ليس في بساطة الاستثمار المحلي ، حيث يكون القرار مجرد موازنات مالية ، وتدفقات نقدية ، لأن العوامل المتعلقة به في الخارج تتعدى ذلك كثيرا . وقد أوضحت الدراسات الخاصة أن الشركات العالمية لا تتخذ قرارها النهائي بمؤشر واحد أو اثنين كما يحدث محليا ، بل إن عملية صنع القرار عملية طويلة ومتواصلة ، تبدأ أول ما تبدأ حينما يثار اهتمام الشركة بالتفكير في الاستثمار لأي سبب من الأسباب المباشرة التي ذكرناها . تبدأ الشركة في دراسة التدخل المحتمل بين شيئين مهمين هما : قدرات الشركة الإنتاجية من جهة ، والأوضاع في البلد المضيف من جهة أخرى .
ما يهم الشركة عادة ثلاثة أشياء هي :
القدرة على الإنتاج في البلد المضيف .
وجود السوق الكافي لمنتجاتها في البلد المضيف أو البلدان المجاورة المستقرة سياسيا .
القدرة على الاحتفاظ بالأرباح وتحويلها .
أما من أين تبدأ عملية التقييم ليس مهما ، فهي قد تبدأ بالنظر في أي من هذه الثلث ، وقد يكفي ضعف إحداها لأن تترك الشركة التفكير في الموضوع من أساسه ، كصعوبة تحويل الأرباح للخارج ، أو عدم وجود المادة الخام ، أو وجود قوانين مثبطة ومانعة .
لتقييم القدرة على الإنتاج في البلد المضيف ، تدرس الشركة وجود المواد الخام والعمالة ، وحالتها الفنية وتكلفتها والبني الهيكلية في البلد المضيف ، كالمواصلات والاتصالات لتصل إلى إمكانية الإنتاج وتكلفته . كذلك تدرس الشركة الدخل الكلي في البلد ، ومتوسط دخل الفرد ، وعادات المستهلكين ، والمنافسة الموجودة ، إلى غير ذلك مثل قوانين الأسعار .. الخ .
يهم الشركة أيضا معرفة ميزان مدفوعات ذلك البلد ، ومدى تداول عملته عالميا وقابليتها للتحويل والقيود المفروضة على ذلك .
وسوى الأوضاع الاقتصادية ، هناك الاستقرار السياسي في البلد ، وهل هناك شعور معاد ضد الشركات الأجنبية ، واحتمالات التأميم والمصادرة ومصداقية القوانين .
بالإضافة إلى ذلك ، هناك الأوضاع الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على عمليات الشركة ، وقائمة طويلة من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية كلها تخضع للتقييم والمراجعة قبل اتخاذ القرار النهائي .
كل هذه أشياء توضح تعقيدات القرار في الأعمال الدولية – كما أكدنا من البداية – وسنتعرض لها لاحقا بعد إكمال تغطية الخلفية الاقتصادية التي نحن بصددها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق