الآن ، وقد أدركنا ضخامة حجم الأعمال الدولية ، واستوعبنا أهمية الاهتمام بها ، والالتفات إليها ، يتبادر إلى الذهن سؤال مشروع هو : لماذا إدارة أعمال دولية ؟ حسبنا إدارة أعمال وكفى ! ألا نستطيع أن نعالجها كما نعالج إدارة الأعمال المحلية بنفس الوسائل والأساليب الإدارية ؟ وماذا فيها على وجه الخصوص الذي يستدعي معالجة خاصة ومختلفة ؟!
إدارة الأعمال الدولية هي جزء من علم إدارة الأعمال ، كما أنها تستخدم إلى درجة كبيرة نفس المنهجية ، وتطبق كثيرا من نظم وقواعد إدارة الأعمال عموما . حقيقة الأمر أنه من الصعب دراستها لمن لم يدرس إدارة الأعمال ، وفوق ذلك ، إن فيها بعدا إضافيا يستدعي معالجة خاصة . فبما أنها دولية ، فهي ذات بعد خارجي وتتطرق بالضرورة إلى الوضع الداخلي في كل دولة ، وأساليب الأعمال والتجارة في أكثر من دولة ، الشيء الذي إذا لم نأخذه في الحسبان سيعني تحييد قراراتنا الاستثمارية ، وفشلها في تحقيق أهداف المنشأة التي ندير أو نعمل لها .
دعونا ننظر إلى بيئة العمل أو الأعمال داخل كل قطر كمنظومة ، تتكون من مجموعة وحدات مرتبطة ومتفاعلة مع بعض . تتكون هذه المنظومة القطرية من شركات ومؤسسات محلية ، والتي بدورها لكل منها منظومة فرعية داخلية . هذه الشركات والمؤسسات تنضوي أيضا تحت مجموعات فرعية مختلفة : غرف تجارية ، مجالس تخطيط ، جماعات مهنيين .. الخ . هناك أيضا المستهلكون وتجمعاتهم ، والمنظمات الثقافية والاجتماعية التي تحكم سلوكهم . تحيط وتتخلخل هذه الوحدات والمنظومات ، نظم قانونية وسياسية واجتماعية وحضارية .
عندما تخرج من المنظومة القطرية تتماس هذه المنظومة وتتلاحم وتتداخل مع منظومات قطرية أخرى أو فروع منها لتكون بيئة الأعمال الدولية التي تحيط بالمنظومة القطرية . في البيئة العالمية ، نجد أشياء عديدة ونلخص مكونات البيئة فيما يلي :
داخل كل قطر ، هناك مجتمع له تقاليده وعاداته التي تصبغ ممارسة الأعمال فيه بصبغتها .
وسطاء مؤسسون : مصدرون وموردون وخدمات متخصصة وتمويلية .
أجهزة الدولة الأم ونظمها ومؤسساتها .
المنظمات العالمية المختلفة والاتفاقيات .
المجموعات الاقتصادية .
الشركات متعددة الجنسية .
المجموعات الثلاث الأولى متصلة بإدارة الأعمال الدولية ، بل إن الأخيرة لن توجد بدونها . وعموما الاختلافات التي تميز إدارة الأعمال المحلية عن إدارة الأعمال الدولية ، تنشأ من كون العلاقات الاقتصادية الدولية تتميز عن العلاقات الاقتصادية داخل البلد الواحد ، ويمكن أن تعزى أسباب ذلك التمايز إلى الحقائق التالية :
تباين واختلاف الوحدات السياسية فيما بين الدول :
العلاقات الداخلية بين أفراد ومؤسسات تضمهم حدود دولة واحدة ، تخضع لقانون واحد ولوائح وإجراءات ونظم تجارية واحدة. في حين أن الأفراد والمؤسسات المتعاملين في الأعمال الدولية ، ينتمون لدول مختلفة لكل منها قانونها ودستورها ونظمها الاقتصادية والتشريعية والسياسية . الفرد العادي والمنشأة العادية في ممارستهما للنشاط الاقتصادي داخل قطر ما ، يخضعان لمجموعة من القوانين والنظم التي تنظم النشاط الاقتصادي من حيث أسلوب الممارسة ، ومن حيث نوعية ومواصفات السلع التي يسمح بتداولها ، ومن حيث الطريقة التي تسوي بها المنازعات التي يمكن أن تنشأ من المعاملات ، وعادة تكيف المنشأة نفسها على كل ذلك . إلا أن تلك المنشأة عندما تكون لها أعمال في بلد آخر ، تجد نفسها مواجهة بنظم وقوانين وممارسات غير مألوفة لديها ، وعليها أن تتكيف معها ، وهو الأمر الذي يتطلب ترتيبات ومعالجات وتكيفا خاصا يختلف عما اعتادت عليه المنشأة في موطنها ، وهذا أحد أسباب التمايز بين إدارة الأعمال محليا ودوليا .
اختلاف العادات والتقاليد والأعراف :
تؤثر القيم والمعتقدات والتقاليد في النظرة إلى العمل ، والسلطة الإدارية ، وطرق تنظيم العمل / كما تؤثر على الأذواق ، ونظرة المستهلكين إلى السلع وقوة الطلب . كذلك تؤثر اللغة على أساليب الاتصالات ، وكيفية كسب ثقة الناس . وقد يكون لسلوك معين مدلولات مختلفة في البلدان المختلفة . هذه أشياء مهمة جدا لفهم المستهلك في كل قطر ، والتنبؤ بسلوكه وكيفية التأثير عليه ، والوصول إلى إشباع حاجاته المشروعة , كل ذلك يعني تصميم سياسات تسويقية وإنتاجية مختلفة لتلائم سوق البلد الذي نحن بصدد تزويده .
لهذه الاختلافات أيضا تأثير على سياسة اختيار وتدريب وإدارة الموارد البشرية وتوزيعها بين منشآت الشركة الدولية ، مما يستدعي أخذها في الاعتبار عند الانتقال من المحلي إلى الدولي .
تنوع السياسات الوطنية والنزعات القومية :
الشعور بالائتمان والولاء للوحدات السياسية ، يعتبر عاملا آخر لتعميق هذا التمايز . لكل دولة سياسات تهدف إلى تحقيق أهداف قومية محددة ، تسعى لتحقيق الرفاهية لمواطنيها ولذا لا تفرق بين شخص وآخر بين مواطنيها ، أو بين منشأة وطنية ومنشأة وطنية أخرى ، لكن تحرص كل دولة عادة على معاملة الأجانب بأسلوب مختلف عن معاملة الوطنيين ، وذلك أمر مشروع تمارسه كل الدول . وكما قال " فردريك لست " الاقتصادي الألماني الشهير : " التجارة الداخلية تتم فيما بيننا ، أما التجارة الخارجية فتتم بيننا وبينهم " .
هناك الأفضلية في التعيين ، وهناك الولاء للسلع المحلية مثلما نشهد اليوم بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ، حيث بدأ بعض السياسيين يدعو إلى " اشتر السلعة الأمريكية فقط " . النزعة الوطنية شعور طبيعي مشروع ، لكنه يختلف في شدته بين الدول المختلفة ، وبالتالي يختلف أثره على أعمال الشركات الأجنبية . هذه اعتبارات يجب أن تؤخذ في الحسبان في العمليات الدولية ، مما يجعل الشركات تسعى إلى تحسين صورتها العامة . وعموما ، نلاحظ اليوم إن النصف الثاني من القرن المنتهي ، شهد تحسينا وتوسعا ملحوظا في العلاقات بين الدول التي كان يفصل بينها عداء تقليدي ، وبالتالي ، قد تجد الشركات اليوم فيما بين الدول ترحيبا فيما كانت تجد عداء . لكن مازال للنزعة الوطنية أثر كبير على أعمال الشركات من خارج القطر .
4- اختلاف النظم التقليدية والمصرفية :
لكل بلد عملته الخاصة في التجارة والاستثمار ، وعندما يتم التبادل بين مواطني دول مختلفة ، يبرز موضوع سعر العملة المحلية مقابل العملة الأخرى ، حيث إن العملات معرضة للارتفاع والهبوط مقابل بعضها البعض . قد يبيع التاجر أو يستثمر في بلد آخر ، وعندما يأتي وقت التحويل لعملته الأصلية ، يجد أن سعر العملة التي بيده قد انخفض مقابل عملته ، مما قد يلغي أي أرباح حققها من عملياته الاستثمارية ، بل ربما لحقت به خسائر . ليس ذلك فحسب ، فقد يتشدد البنك المحلي مع الشركة الأجنبية أكثر من تشدده مع شركة محلية فيما يختص بالتمويل . وفوق ذلك الوجود في نظام مصرفي مختلف له أهداف خاصة به ، قد يعني تنفيذ سياسات ذات أثر سلبي على أعمال الشركات الدولية ، كرفع تكلفة التمويل بواسطة البنك المركزي لبلد ما ، مما يحتم على الشركة الأجنبية أن تراجع خططها الإنتاجية والتمويلية .
5- اختلاف الأسواق بين البلدان :
بالإضافة إلى اختلاف الأسواق ، هناك الحواجز الطبيعية والجغرافية والإجراءات الإدارية والقوانين والمواصفات التي تحكم السلع ، والهادات الصحية والجمركية . تختلف الأسواق من حيث مستوى الدخل حدة المنافسة والبدائل . والمنافسة عادة أكثر حدة في الأسواق الأجنبية منها في الأسواق المحلية التي يلقي فيها المنتج المحلي حماية من دولته .
كذلك تختلف الأسواق في كيفية تحديد الأسعار ، ومدى تدخل الدولة فيها ومرونة الطلب دخول سوق أجنبية إذن قد يتطلب استراتيجية مختلفة عن تلك التي تتبعها الشركة في سوقها المحلية أو أسواقها الأخرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق