تنسب هذه النظرية إلى آدم سيمث الاقتصادي البريطاني الشهير ، ومؤسس علم الاقتصاد الحديث ، والذي كان قد أكد على مزايا التخصص بين الأفراد والصنائع ، كما أكد كذلك على ميزة المنافسة الحرة داخل القطر . حمل سميث هذا المنطق وطبقه على مستوى الدول قائلا إن بعض البلدان تنتج بعض السلع بطريقة أكفأ من بلدان أخرى ، أي إن لها فيها ميزة مطلقة ، ولكل بلد ميزة مطلقة في سلعة ما ، وإذا ما تخصص كل بلد في إنتاج السلعة التي له فيها ميزة مطلقة ، وإذا كانت التجارة حرة بين البلدان ، فسيستطيع ذلك البلد الحصول عن طريق الاستيراد على السلعة أو السلع التي ليست له فيها ميزة مطلقة ، عن طريق مبادلتها بالسلع التي له فيها ميزة مطلقة . ليس ذلك فحسب ، بل إنه سيتحصل عليها بتكلفة أقل مما سيكلفه إنتاجها بنفسه ، وسيزيد الإنتاج العالمي من السلعتين ، وتزيد الرفاهية .
كمثال لذلك ، لنفترض أن هناك بلدين هما الولايات المتحدة وبريطانيا ، وأن هناك سلعتين هما القمح والنسيج فقط .
بالإضافة لذلك ، اشترط أو افترض آدم سميث عدة فرضيات تقوم عليها نظريته ، وذلك جزئيا بهدف التبسيط والتأكيد على النقاط التي يسعى لتفسيرها ، وذلك منهج علمي مقبول . الافتراضات الإضافية هي :
( أ ) مقايضة السلع مع بعضها ( بدلا من استعمال النقود الذي يأتي لاحقا ) .
(ب) ثبات تكلفة الوحدة مهما كان حجم الإنتاج .
(ج) انتقال عناصر الإنتاج بين الصناعات داخل الدولة بسهولة .
(د ) استحالة انتقال عناصر الإنتاج بين البلدان .
(هـ) منافسة تامة .
( و ) عمالة كاملة .
( ز ) عدم وجود تكاليف نقل أو موصلات .
يستطيع كل البلدين أن ينتج كلتا السلعتين ولكن بكفاءة فالولايات المتحدة مثلا أكفأ من بريطانيا في إنتاج القمح ، أي أن لها ميزة مطلقة في إنتاج القمح . وعلى النقيض من ذلك ، تنتج بريطانيا النسيج بكفاءة أكثر مما تستطيع الولايات المتحدة . دعنا نفترض أن الإنتاجية تحسب على أساس الزمن الذي يستغرقه الإنتاج ، وأن أرقام الإنتاجية كانت في البلدين كالتالي :
عشرة أيام عمل
قمح بالأطنان نسيج بالطاقة
الولايات المتحدة 90 أو 20
بريطانيا 30 أو 60
يوضح المثال أعلاه ، أن للولايات المتحدة ميزة مطلقة في إنتاج القمح ، حيث أن عشرة أيام من وقت المزارع الأمريكي تنتج قمحا مقداره ثلاثة أضعاف ما يستطيع المزارع البريطاني أن ينتجه في نفس المدة . من الجانب الآخر ، يتفوق العامل البريطاني على العامل الأمريكي في إنتاج النسيج بنسبة مماثلة ، ولذلك تكون لبريطانيا ميزة مطلقة في إنتاج النسيج .
السؤال هو : كيف تبدأ التجارة بين البلدين ؟ إذ إن المزارع الأمريكي قد لا يدري عن أرقام الإنتاج ، ولا يدخل في مقارنة كهذه إذا كان يريد أن يستبدل بعض قمحه بالنسيج الذي يحتاجه . كذلك صاحب المصنع الإنجليزي الذي يرغب في مقايضة جزء من إنتاجه من النسيج بالقمح ، يجهل أرقام الإنتاجية المقارنة . ما يدركه هذان هو الأسعار أو معدلات التبادل بين السلع داخل القطر وفي البلد الآخر . يرصد الطرفان في كل بلد الأسعار في بلديهما ، ويفاضلان قبل أن يدخلا في التبادل . أما كيف تتحدد أسعار التبادل ، فإن النظرية مبنية على نظرية " العمل أساس القيمة " التي تقول إن قيمة أي سلعة من قيمة العمل المبذول فيها ، قياسا بحجم الزمن الذي يتطلبه صنعها . فالسلعة التي يستغرق صنعها يومين ، تكون قيمتها ضعف قيمة السلعة التي يستغرق صنعها يوما واحدا . على هذا الأساس ، تكون أسعار ما قبل التجارة في البلدين كالآتي :
- السعر في الولايات المتحدة : 1طن قمح = 2 طاقة نسيج
9
أي 2/1 طن قمح = 1 طاقة نسيج
أسعار التبادل هذه نتجت من حجم الوقت الذي تستغرقه إنتاج السلع في البلدين ، وبما أن عشرة أيام في الولايات المتحدة نتج 90 طنا قمح إذا ما استغلت في صناعة القمح ، كما نتج 20 طاقة نسيجا إذا ما استغلت في صناعة النسيج ، تصبح قيمة 90 طنا قمحا معادلة أو مساوية لقيمة 20 طاقة نسيج ، نسبة لتساويها في حجم العمل المبذول فيهما ، وهكذا دواليك تتحدد الأسعار في كل بلد . ومع هذه الأسعار ، سيجد البلدان أن من الأفضل لهما التخصص كل في السلعة التي له فيها ميزة مطلقة . سيجد المزارع الأمريكي أنه يستطيع الحصول على أكثر من 9/2 طاقة مقابل كل طن قمح ، إذا ما بادله مع الصانع البريطاني بدلا من مبادلة قمحه مع الصانع الأمريكي ، من الجانب الآخر ، سيجد الصانع البريطاني أنه يستطيع أن أي يحصل على أكثر من 2/1 طن قمح مبادلة الطاقة الواحدة مع المزارع الأمريكي بدلا من المزارع البريطاني . المزارع الأمريكي على استعداد لأي يقبل أي سعر لقمحه يزيد على 9/2 طاقة للطن ، بينما الصانع البريطاني على استعداد لأي يقبل أي ثمن لنسيجه يزيد على 2/1 طن قمح مقابل كل طاقة نسيج يقدمها وهكذا يجب الإثنان أنه من الأفضل لهما الدخول في التجارة عبر الحدود ، وسيتحدد السعر النهائي ليكون بين هذين السعرين . سيكون سعر القمح للطن الواحد منه ما بين 2 طاقة ( سعره في بريطانية ) و9/2 طاقة ( سعره في الولايات المتحدة ) .
السعر بعد التجارة : 2 طاقة نسيج > سعر طن القمح > 9/2 طاقة نسيج
كذلك سيزيد الإنتاج العالمي مع التخصص ، ولإثبات ذلك دعنا نفترض أيضا أن كل موارد الولايات المتحدة وطاقتها عادلة 2000 يوم عمل ، وأن كل موارد بريطاني تعادل 1000 يوم عمل ، ماذا سيكون حجم الإنتاج في كل بلد وفي المجموع لو أن كل بلد لم يتخصص ولم يتاجر أنتج سلعتين بتفريغ 2/1 عمالة لإنتاج كل سلعة ؟ أي أن الولايات المتحدة تخصص 1000 يوم عمل لإنتاج القمح ، و1000 الآخر في إنتاج النسيج ، كما تفرغ بريطانيا نصف عمالها للعمل في زراعة القمح والنصف الآخر لصناعة النسيج أي 500 يوم عمل في كل منهما . على ذلك يكون الإنتاج كما يلي :
في الولايات المتحدة : 1.000 يوم في إنتاج القمح تنتج : 9.000 = 90 × 100 طن قمح
: 1000 يوم في إنتاج النسيج تنتج : 2.000 = 20 × 100 طاقة
في بريطانيا : 500 يوم في إنتاج القمح نتج : 1.500 = 30 × 50 طن قمح
: 500 يوم في إنتاج النسيج نتج : 3.000 = 60 × 50 طاقة نسيج
إجمالي إنتاج الدولتين : 1.500 = 1.500 + 9000 طن قمح
: 5.000 = 3.000 + 2.000 طاقة نسيج
الإنتاج مع التخصص : الآن افترض أن كل بلد سيتخصص في السلعة التي له قيها ميزة مطلقة ، وأن الولايات المتحدة ستركز كل طاقتها أي 2.000 يوم عمل في إنتاج القمح ، بينما تركز بريطانيا كل مواردها ، أي 1000 يوم عمل لديها في إنتاج النسيج ، كم سيكون حجم الإنتاج الكلي
إنتاج القمح في ( الولايات المتحدة ) : 18.000 = 90 × 200 طن قمح
أنتاج النسيج في ( بريطانيا ) : 6.000 = 60 × 100 طاقة نسيج
وبمقارنة الإنتاج في الحالتين ، نجد أن إنتاج كلتا السلعتين أكثر في حالة التخصص .
وليس من الضروري أن يكون التخصص تاما كما في هذه الحالة ، فقد تختلف أرقام الإنتاجية وتجد الولايات المتحدة أن من الخير لها أن تنتج كلتا السلعتين بالتركيز على القمح مع استخدام الفائض عن حاجتها منه لاستيراد مزيد من النسيج . بينما تتخصص بريطانيا كلية في إنتاج النسيج . وسيزيد الإنتاج العالمي من السلعتين حتى في حالة التخصص الجزئي هذه . لذلك تزيد التجارة من الكمية المتوافرة من السلعتين في كل بلد وتنخفض الأسعار عما كانت ستكون عليه بدون تجارة بين البلدين وبدون تخصص .
مع التجارة الخارجية ، سيتخصص كل بلد في إنتاج السلعة التي له فيها ميزة مطلقة ، ويتحصل على حاجته من السلع التي ليست له فيها ميزة مطلقة بالتجارة مع البلدان التي لها فيها ميزة مطلقة ، أما مصدر هذه الميزة المطلقة ، فقد يكون المناخ أو الموقع أو الموارد الطبيعية فوق الأرض أو تحتها من هبا الله الكريم . كذلك قد يكون مصدر الميزة شيئا يكتسب بالتجربة والممارسة والتعلم وتطوير التقنية مثل إيطاليا التي تتخصص في المصنوعات الجلدية ، بينما تستورد الجلود ، وتتخصص سويسرا في الساعات بمجرد أنها حذقت تقنيتها ، وتلك هبة إلهية أيضا .
تلك هي نظرية الميزة المطلقة . لقد توسعنا بعض الشيء في شرحها ، لتنتقل من ذلك الأساس إلى نظريات أخرى ، نحاول أن نفسر وضعا مغايرا للافتراضات هنا . في نظرية الميزة المطلقة للدولة الواحدة ، ميزة مطلقة في سلعة واحدة على الأقل لا في إنتاج كل السلع . هذه النظرية إذن لا تفسر الأوضاع التي تكون فيها لدولة ميزة مطلقة في إنتاج أكثر من سلعة ، ولا تكون للبلد الآخر ميزة مطلقة في أيهما أعلاه ، ومع ذلك تقوم التجارة بين هذين البلدين ، وتتخصص كل دولة في سلعة تنتجها وتتحصل على ما تحتاجه من السلع الأخرى بمقايضة فائض إنتاجها من السلع الأخرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق