التفاوض هو الاتفاق على تضييق الخلافات ، والوصول إلى نتيجة يرضاها الطرفان المتفاوضان من خلال الحوار والأخذ والرد . والتفاوض يقوم به الجميع حتى في الحياة العادية من المفاصلة مع البائعين ، إلى محاولة إقناع صديق بمشاهدة مباراة في التلفاز بدلا من الاستاد ، في دنيا الأعمال هناك التفاوض مع العاملين حول شروط الخدمة ، أو مع المزودين حول أسعار المواد ، إضافة إلى التفاوض حول شروط الصفقات مع العملاء أو مفاوضة الشركاء والحلفاء . الخ . وفي الأعمال الدولية ، نتعرض إلى مثل هذه المواقف وأكثر . غير أن ما يميزها عن الأعمال المحلية هنا ، هو أننا كثيرا ما نجد أنفسنا نتفاوض مع أناس من ثقافات مختلفة , حقيقة التفاوض مجال احتكاك بشري وجها لوجه ، يحاول كل طرف فيه أن يعطي الآخر رسالة معينة ، ويتواصل معه أو ربما يحاول أن يخفي منه شيئا بل يجاهد لكي لا يكشف كل أوراقه بإيماءة أو حركة لا إرادية . هذا الاحتكاك يستوجب أن نفهم ماذا يعني الآخرون بسلوكهم أو قولهم ، حتى نصل إلى اتفاق مرضي للطرفين ، وعلينا أن نعرف ونفهم رد فعلهم ليس فقط لما نعرض عليهم ، بل للطريقة التي نعرضه بها .للتفاوض عدة مراحل ، تبدأ بالإعداد للتفاوض ، ثم العملية التفاوضية نفسها ، ثم الاتفاق ، ثم التنفيذ . والإعداد والتخطيط للتفاوض يعنيان دراسة وضعك وإمكاناتك وأهمية الموضوع لك ، ولمنشآتك ، كما تدرس وضع الطرف الآخر ، وأهمية الأمر له ، ثم تحدد الحد الأدنى الذي ستقبله ، والحد الأقصى الذي ستسعى للاقتراب منه ، وبعد ذلك تحدد استراتيجيتك التفاوضية ، هجومية كانت أم تعاونية أم دفاعية وأخيرا تختار فريقك . كل هذا ضروري على المستوى المحلي ، وعند التفاوض مع جنسيات مختلفة يتطلب الأمر منك جهدا إضافيا . وفيما يختص بمدى الاهتمام بالإعداد والتخطيط للتفاوض بين الجنسيات المختلفة فقد وجدت بعض الدراسات التي استعرضها أحمد والعالي (1996م) أن نصف المفاوضين المكسيكيين لا يعدون للتفاوض ، وأن المفاوض البريطاني في هذا المجال لا يبذل الجهد الكافي بينما المفاوض الأمريكي ، هو صاحب أكثر الأساليب فعالية . وقد بحثت الدراسة الأخيرة الفروقات في الأهمية التي يوليها المدير السعودي ، والمدير العربي غير السعودي في السعودية للإعداد للتفاوض ، فلم تجد فروقات تذكر ، وكلاهما يرى أن الإعداد جد مهم .
وفيما يختص بالعملية التفاوضية نفسها ، فقد لاحظ بعض الدارسين أن الجنسيات تختلف في سلوكها خلال العملية ، وفي هذا الصدد كتب أحدهم أن أسلوب المفاوض الأمريكي مقارنة بالمفاوض العربي يتسم بالتركيز على النهج المنطقي ، بينما يميل المفاوض العربي إلى أن استخدام الخطاب العاطفي وأن الأخير ينظر إلى المواعيد على إنها مجرد مؤشرات عامة ، وأنه يميل إلى اتخاذ موقف متطرف ، لكنه يؤمن بالتنازل ويتوقع ذلك من الطرف الآخر . كذلك يسعى المفاوض العربي إلى بناء علاقات طويلة الأجل مع الطرف الآخر ، ولهذه الأسباب يجد المفاوض الأمريكي أن التفاوض مع العربي مريح أكثر من التفاوض مع جنسيات أخرى عديدة . أما بعد الفروق الثقافية الأخرى ، فهي في حجم السلطة الممنوحة للمفاوض ، حيث لدى المفاوض الأنجلو ـ ساكسوني عادة سلطة لعقد الاتفاق أكثر مما لدى المفاوض الشرقي الذي كثيرا ما يتوقف طالبا مراجعة رئيسه في الوطن ، الشيء الذي يتضايق منه المفاوض العربي ، ويراه مضيعة للوقت . كذلك يهتم المفاوض الغربي بالجانب العملي ، ويود أن ينهي العملية في أسرع وقت ، بينما يهتم المفاوض الشرقي بالإكراميات ومعرفة الطرف الآخر ونظرته طويلة المدى . وعلى ذكر الإكراميات ، في بعض الثقافات حمل الهدايا للمفاوض ضرورة أساسية . أما من حيث اللغة ، فهي تمثل إشكالية خاصة إذا كانت هناك حاجة لمترجم مما قد يخلق سوء فهم . وبينما يميل الغربيون إلى التوثيق وتفصيل كل شيء يفضل الشرقيون اتفاقا عاما دون تفاصيل .
التفاوض أصبح علما يدرس في الجامعات والمعاهد ويتم التدريب عليه وعلى خطواته المختلفة لكن يظل التفاوض بين الجنسيات المختلفة في حاجة إلى مزيد من الدراسات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق