free counters

عناصر البيئة الثقافية للأنشطة التجارية الدولية

| |

تنقسم العناصر الرئيسية التي سنركز عليها إلى ثلاثة عناصر ذات أثر محسوس على القرارات والممارسات ، وهي عناصر فيزيقية ( طبيعية ) ، ثم عناصر ديمغرافية ، وأخيرا العناصر السلوكية . وسنناقش كل مجموعة بمفردها ، ثم نستعرض بعض أساليب المواءمة بينها وبين الممارسات الإدارية .
العناصر الفيزيقية :
وهذه بدورها تتعلق بمجموعتين رئيسيتين هما :
عناصر الطقس والمناخ : من حر وبرد وأمطار وجفاف ، وهذه أثر واضح في تحديد الحاجات الإنسانية ، ونوع السلع المطلوبة . وهي تشمل أشياء ظاهرة مثل عدم جدوى الترويج للملابس الصوفية الثقيلة في المناطق الحارة، إلى ضرورة تصميم السيارات والمكيفات لتلائم الطقس السائد في منطقة السوق الذي تستهدفه . هناك أيضا نظريات عن أثر الطقس والمناخ على المزاج ، مثلما نجد عند ابن خلدون ، من أن المناخ دائم الحرارة يولد الطيش والانبساط بينما يدعو الطقس البارد للكآبة والتأمل . وإذا صح ذلك ، فالمناخ يؤثر على المزيج التسويقي المختار في كل بلد بدون شك ، علما بأن انتشار تكييف الهواء يقلل من الفوارق بين المناخات المختلفة ، ومن ثم في السلوك البشري .
الخصائص الجسدية والمظهر الخارجي : يدرس علماء الأجناس المقاييس الجسدية في كل مجموعة بشرية ، حيثما تختلف الجماعات البشرية في أشياء مثل الطول والوزن واللون وأشكال الجسم وفصيلة الدم ودرجة مقاومة الأمراض ، وقد تكون أسباب الاختلاف وراثية أو غير وراثية . ولا تستطيع منشأة أن تتجاهل هذه الفروق والتي تنعكس في تصميم السلع مثل الملابس والأثاث والأحذية والماكينات والسيارات ، من حيث بعد المقود من المقعد ، ووضع الأزرار والمقابض والكابح بالنسبة لطول الفرد ومتوسط عرض الصدر وذلك في حالة السيارة . وقد فقدت شركات أسواقا لأنها نسيت أن تكييف منتجاتها من الملابس مع مقاييس مواطني السوق الذي أرادت أن تغزوه . وهنالك علم حديث يبحث في تصميم السلع لتلائم الخصائص الجسدية للبشر في كل بلد هو علم الهندسة البشرية يمكن الاستفادة منه داخليا وخارجيا . كذلك يجب ملاحظة أن هذه الخصائص ليست ثابتة . فقد لوحظ أن طول الفرد في الدول الصناعية مثلا ، يزداد عبر السنين ، خاصة في اليابان كما ينبغي ألا نعامل المجموعات البشرية وكأنما هي متطابقة ، كالقول بأن الآسيويين كلهم متشابهون ، أو إن الأفارقة كلهم طوال ، فهناك فروقات ما بين الكوري والتايلاندي ، وما بين الغاني والكيني .
الثقافة المادية : وتشمل هذه كل شيء من صنع الإنسان من السكين إلى الأهرام . ما هي الأدوات والعدد والآليات التي يستخدمونها وما مدى تنوعها ، كيف يصنعونها ( أي تقنية يستخدمون ) ؟ ولماذا يصنعونها ؟ وما النشاط الاقتصادي الذي تستخدم فيه ؟ وتشمل الثقافة المادية البني الهيكلية الموجودة في المجتمع ومع إنها من صنع الإنسان لكنها تشكل سلوكه .  وإذا أخذنا أداة بسيطة كالسكين فإن أنواع استخدامها في الأكل ، في تحضير الطعام ، في الصناعة ( ونوعها كهربائي – عادي ) تعكس لنا أشياء كثيرة عن ثقافة أهل البلد ومستوى التقنية فيه ومدى تحكمهم في بيئتهم كما تعكس قيمهم والاهتمام بالمعمار والفنون التشكيلية وأشكال المباني وحجمها وطولها ، كلها لها مدلولات مختلفة كما أن البني الهيكلية الموجودة تحدد نوعية السلع التي تستخدم في القطر وبالتالي تحدد أسلوب الحياة فيه . 
العناصر الديمغرافية : 
تصنف العناصر الديمغرافية السكان في كل بلد بخصائص معينة لها أثر ليس بالهين على الأسواق والممارسات في كل بلد . أهم هذه الخصائص هي : 
(أ) معدل السكان : 
يؤثر معدل النمو ليس فقط على حجم السكان مستقبلا ولكنه يؤثر أيضا على تركيبة السكان الحالية . معدل النمو العالي يعني وجود نسبة كبيرة من السكان في الأعمار الدنيا أي وجود نسبة كبيرة من الأطفال والمراهقين مما يقود إلى ازدياد الطلب على السلع التي تستخدمها تلك الفئات . والبلدان النامية عادة ذات معدلات نمو مرتفعة ، أما البلدان الصناعية ففيها معدلات نمو منخفضة مما قاد إلى تقلص أسواق السلع التي تستخدمها فئات الأطفال والمراهقين كالحفاظات ولبن الأطفال وأغذية الأطفال الشيء الذي جعل الشركات في تلك المجالات تبحث عن أسواق لها في الدول النامية كذلك وجدت تلك الدول أن أعداد التلاميذ في المدارس في انخفاض وتتهيأ كثير من الجامعات في الدول الغربية إلى النقص في أعداد الطلاب في الجامعات  بل بدأت تسعى إلى استقطاب الطلاب الأجانب وفتح فروع لها في الدول الأخرى وفي نفس الوقت تنشط شركات الكتب المدرسية والأثاثات التعليمية في البحث عن أسواق جديدة في الدول النامية أو التحول لسلع أخرى . في غضون ذلك تجد تلك المجتمعات الغربية نفسها قد غدت مجتمعات أناس متقدمين في الأعمار ، الشيء الذي يؤثر على الذوق العام فيها وعلى أساليب العمل والإنتاج ويجعلها تميل إلى استخدام التقنيات الحديثة بدرجة متزايدة لتعويض النقص في الأيدي العاملة الشابة . 
(ب) حجم الأسرة : 
يختلف حجم الأسرة بين البلدان فبينما تعني الأسرة في البلدان الغربية الأسرة ( النواة ) أو الأسرة المباشرة ( الأب والأم والأطفال ) نجد الأسرة الممتدة في الدول النامية تشمل ( الجد والجدة والأعمام والخالات وأبناء العمومة ) ليس ذلك فحسب واعتمادا على معدل النمو السكاني نجد حجم الأسرة النواة نفسها في البلدان الصناعية ذات معدل النمو المنخفض نجد متوسط ذلك الحجم صغيرا بينما نجد متوسط الحجم كبيرا في الدول النامية . وتختلف الدول الصناعية نفسها فيما بينها من حيث متوسط الحجم فحجم الأسرة الايطالية أكبر منه في الأمريكية مثلما يختلف ذلك المتوسط بين الدول النامية يؤثر حجم الأسرة على حجم البيوت والأثاث المطلوب كما يؤثر على حجم العبوة المرغوب في تصميم السلع من ناحية إدارية من السهل نقل الموظف ذي الأسرة الصغيرة إلى موقع آخر في بلد آخر أو داخل نفس البلد بينما يصعب ذلك في البلدان ذات الأسر الكبيرة الحجم وحتى قيمة الحوافز المالية لها وقع مختلف إذا كانت ستوزع على أفراد الأسرة الكبيرة مما لو كانت ستوزع في أسرة صغيرة وبذا يختلف فعالية الحوافز وكذلك الحجم الأسري له دور فيمن يتخذ قرارات الشراء داخل الأسرة . 
(ج) التعليم : 
يؤثر مستوى التعليم في البلد على الذوق العام وبالتالي على النمط الاستهلاكي ، ونوعية السلع المرغوبة مثلما يؤثر على فاعلية الوسائل الترويجية المختلفة والقنوات المستخدمة ونوعية الرسالة الإعلانية وذلك من النواحي التسويقية أما من ناحية الإنتاج والتدريب فمستوى الأمية مهم جدا كذلك مستوى التعليم العام ووجود المعاهد التدريبية إذ تتطلب الصناعة الحديثة القدرة على التعامل مع آليات معقدة نوعا ما وقراءة الارشادات الخاصة بها كما تتطلب أن تكون العمالة سهلة التدريب الشيء الذي يحققه حد أدنى من التعليم . في مجال الإدارة يصبح التعليم العالي ومعاهد الإدارة وبرامج التطوير الإداري مصادر مهمة للكوادر الإدارية المحلية كما للنظرة نحو التعليم الفني أثر على توفر الكوادر الفنية المطلوبة .
(د) الحضر والريف : 
وجود مجتمعين داخل البلد أحدهما متأخر والآخر متقدم ومنفصلان بحيث ينحصر التقدم في واحد ويبقى الآخر غير متأثر ولا تصله الأساليب الحديثة ، أمر نجده في كثير من البلاد وقد لاحظ الكثيرون ومن بينهم معد هذه المذكرات في دراسة سابقة أن الشركات الأجنبية تجذبها المراكز الحضرية في البلدان النامية كمواقع لمنشآتها الصناعية إذ تكون فيها العمالة المتدربة 
متوفرة نسبيا ولأن الخدمات المساعدة تتركز في هذه المراكز وتبتعد الشركات عن المناطق النائية الأكثر تخلفا الشيء الذي يسهم بدوره في تعميق الفوارق بين المناطق المختلفة في القطر من أجل ذلك تسعى الحكومات في تلك البلاد إلى توجيه الشركات نحو المناطق المتخلفة إما بالحوافز أو فرض ذلك قانونيا ولا تحبذ الشركات أن تجد نفسها مضطرة لأن تعمل في موقع لا تفضله . 
العناصر السلوكية : 
هناك قواعد للسلوك في أي مجتمع تقوم على أساس القيم والمعتقدات والنظرة العامة للأشياء وهي تختلف من بلد إلى بلد ومنها اختلافات يلاحظها العابر ويكتب عنها الخبراء بينما يجد من يتعاملون معها أن التحليلات الاقتصادية وحدها لا تكفي لتفسيرها ويختلف الدارسون حول ماهية هذه الاختلافات وكيف تقاس ؟ فالقياس صعب جدا لأنك لا تستطيع أن تفصل هذه القواعد أو تعزلها عن المتغيرات الأخرى أو أن تعزل مفعولها عن مفعول المتغيرات السياسية والاقتصادية الأخرى وتلك مشكلة منهجية دراسة العلوم الاجتماعية بشكل عام . ومع ذلك تمت دراسات عديدة لمعرفة الفروقات بين الأقطار في هذه العناصر والدراسات المقارنة مجال خصب يشمل حاليا البلدان الصناعية وهي مجال علم الأجناس الثقافي الذي بدأ بعد الحرب العالمية وحاليا يأخذ مادته من مقارنة عينات ثنائية للنظرات المختلفة والممارسات التنظيمية ما بين بلدين أو أكثر 
أهم الدراسات المتعلقة بالتنظيم والإدارة : 
(أ) بنية المجتمع ( فرد أم مجموعة ) : 
في بعض المجتمعات من الطبيعي أن ينتمي الفرد إلى جماعة ما عرقية أو دينية أو جغرافية وينظر المجتمع إلى أعضائه لا كأفراد وإنما كواحد من عشيرة أو قبيلة معينة أو مجموعة عرقية ويعاملهم على ذلك الأساس والإنتماء إلى جماعة يؤثر على أداء العمل في المنظمات من حيث بث الجماعة في العمل والتكاتف مع الإدارة وأحيانا ضدها فالياباني يشعر بأنه جزء من مجموعة قد تتخذ الشركة هوية لها والجماعات داخل المنظمات لها دور في تشكيل التنظيم غير الرسمي الذي قد يكون عاملا مساعدا لانجاز العمل أو محيطا به من الجانب الآخر بعض المجتمعات تركز على الفردية ولا تنظر إلى الفرد من حيث أصله وجماعته في المجتمعات الغربية الفرد هو أساس بنية المجتمع وما إن يبلغ الفرد عمرا معينا إلا ويستقل في سكنه وماله بينما نجد العكس في المجتمعات الشرقية الفردية تتشجع على المخاطرة والريادة في الأعمال بينما الجماعة تقود إلى التعاون والعمل كفريق . 
هذه الاعتبارات مهمة جدا في إدارة الأعمال الدولية خاصة في مجال التعيين والترفيه والتخديم والنقل فمن المهم جدا معرفة المفاهيم السائدة والتقاليد المقبولة .
(ب) الحراك الاجتماعي : 
ينقسم المجتمع عادة إلى طبقات ولكنها تختلف في حدة الفوارق بين الطبقات وسهولة الانتقال من طبقة إلى أخرى . في المجتمع الأمريكي مثلا الفوارق ليست حادة في الأكل والمظهر والانتقال إلى طبقة أعلى متاح وعلى النقيض من ذلك نجد المجتمع الهندي حيث الفوارق واضحة والفصل بين الطبقات حاد والانتقال من طبقة على أخرى مستحيل وطبقا للديانة الهندوسية الطبقات هي : الحكام – العلماء – التجار – الحرفيون – ثم المنبوذين والكل يولد ويموت في طبقته ولا يحدث اختلاط أو تزاوج أما المجتمع الانجليزي وسط بين الاثنين وحينما يكون الحراك الاجتماعي صعبا فإن ذلك لا يشجع روح الريادة والرأسمالية والتجارة لأن المنبوذ مثلا لن يسعى إلى جمع الثروة ليرفع قدره ولن يستطيع ذلك حتى وإن أراد . 

(ج) الدين والنظرة إلى العمل : 
لماذا يعمل الناس ؟ وما الذي يدفعهم لذلك ؟ خاصة بعد إشباع الحاجات الأساسية ؟ يختلف البشر في دوافعهم وفي مستوى نشاطهم ويشكل التفاعل بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية نظرة أهل كل بلد وثقافتهم إلى العمل مما يؤثر بدوره على الأسلوب الإداري المتبع والطلب على السلع ومستوى التنمية الاقتصادية . 
هناك على سبيل المثال نظرية ماكس فيبر عالم الاجتماع الألماني في القرن التاسع عشر ومؤسس نظرية البيروقراطية لاحظ فيبر حينها أن البلدان التي أكثريتها من البروتستانت متقدمة اقتصاديا أكثر من البلدان التي أكثريتها من الكاثوليك . استخلص فيبر من ذلك أن هناك أخلاقيات عمل بروتستانتية نشأت من حركة الإصلاح الديني في أوروبا في القرون الوسطى وترى في العمل وسيلة للخلاص البشري وبموجبها يفضل الناس العمل وزيادة الإنتاج على زيادة وقت الفراغ طبقا لهذه النظرية فإن الاقتصاد والتوفير والتدبير الذي يقود إلى جمع الثروة فيه مرضاة لله . هذه النظرية لا تخلو من عيوب لكنها طغت على تفاسير أخرى كثيرة ، خاصة عند مقارنة أمريكا الشمالية ( بروتستانت ) بالجنوبية ( الكاثوليك ) أو شمال أوروبا البروتستانت بجنوب أوروبا الكاثوليك لكن حتما هناك عوامل أخرى أهملتها النظرية وليست هناك بلدان تعكسها بحذافيرها فوقت الفراغ في تزايد في الدول البروتستانتية بالرغم من النظرية لكنهم فعلا في تلك الدول لا يبخسون جمع المال والثروة بل هي دليل النجاح لديهم .
أما الديانة الهندوسية فهي تمنع الحراك الاجتماعي وبالتالي لا تشجع على جمع الثروة وإعمار الأرض وهي ضد الماديات وترى أن مهمة الإنسان في الحياة هي تحقيق السمو الروحي عبر الزهد والمسالمة أما البوذية فقد تفرعت من الهندوسية لكنها تساوي بين الناس حيث أنها أيضا تدعو إلى الزهد وترى أن الحياة تعب كلها فلم الاستزادة من التعب ؟ وبذا تثني عن جمع الثروة وإعمار الأرض . 
أما ديننا الحنيف فيقول سبحانه وتعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ( الذاريات 56 ) والعمل عندنا عبادة حيث أمرنا الله تعالى فقال : ( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) ( التوبة 105 ) وهنا نذكر قصة الرجل الذي كان يلتزم بالمسجد أياما وشهورا بحالها ولا عمل له وعندما سأله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمن يعوله وعلم منه أن أخاه يعوله قال له ما معناه : أخوك أعبد منك وأكثر منك ورعا وكذلك يحثنا ديننا على التدبير والاقتصاد وقد قال سبحانه وتعالى : ( الذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) ( الفرقان 67 ) في وصف عباد الرحمن . 
يدعو الدين الإسلامي إلى الاعتماد على النفس ففي الحديث الشريف : " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من عمل يده ، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " بالإضافة على أن كل إنسان مسئول عن فعله . وبالرغم من إيمان المسلمين بالقضاء والقدر فذلك لا يعني السلبية في التعامل مع الأمور وترك كل شيء للأحداث وكلنا يذكر نصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي أراد أن يترك نوقه طليقة في توكله على الله فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اعقلها وتوكل ) وكون أن بعضنا سلبي في توكله فذلك لا يرجع لتعاليم الدين وإنما لأسباب أخرى لا شك أن في ديننا وبالتالي في ثقافتنا وحضارتنا الكثير الذي يحث على العمل والاعتماد على النفس وحسن التدبير لمواردنا الاقتصادية وإن لم تحقق بعض البلدان الإسلامية النمو الاقتصادي الذي تنشده فقد حققته في السابق ليس ذلك فحسب فهناك بلدان إسلامية تنهض وتتقدم كل يوم حاليا وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وماليزيا ومصر . 
هناك عوامل عديدة تؤثر في دافعية الناس للعمل نذكر من ضمنها ربط العمل بالنتيجة المطلوبة أي أن من ( كد وجد ) حينما يرى الإنسان أن العمل يقود إلى النتيجة بدرجة احتمال كبير فهو سيعمل حتما لكنه إذا وجد أنه يعمل من غير تحقيق شيء يذكر فسيقل دافعه وفي المناطق ذات المناخ القاسي تكون نتيجة العمل فيه ضعيفة رغم مشقة العمل يُنظر إلى العمل كشر لابد منه . ربط العمل بالنتائج مهم جدا من وجهة النظر الإدارية حيث يجب أن يقنع العاملون أن مثابرتهم تلقى الاعتراف إذا كان لهم أن يثابروا . 
هناك اعتبار مهم في المبادلة بين قضاء الوقت في العمل أو في الفراغ حيث أن تزجية الفراغ نفسها تحتاج إلى تعلم بالإضافة إلى وجود دخل كاف .  في اليابان مثلا يعمل العامل الياباني ساعات وأياما أكثر من رصيفه الغربي ومع ذلك لا يطالب بتخفيض ساعات العمل مثلما يطالب قرينه الألماني فالياباني قد لا يرى ماذا يفعل بوقت الفراغ الإضافي . 
الاعتبار الآخر الذي نظر إليه الدارسون هو ما اقترحته نظرية الحاجة إلى الانجاز حيث أوضحت بعض الدراسات وجود فروقات في الحاجة إلى الانجاز بين المديرين والعاملين في البلدان المختلفة . وخلاصة هذه النظرية أن لبعض الأفراد حاجة ودافعا للإنجاز وإن أولئك الأفراد يتميزون بثلاث خصال فهم يبحثون أولا عن المجالات والأعمال التي بها مخاطر معقولة أو تحد كما إنهم يضعون لأنفسهم أهدافا ممكنة التحقيق بالرغم من مخاطرها وهم تواقون لمعرفة مدى تقدمهم في أثناء العمل . وصلت بعض تلك الدراسات إلى القول بأن للمدير الأمريكي والبولوني حاجة عالية للإنجاز وللمدير الإيطالي والتركي حاجة عالية للإنتماء ويفترض أن النوع الأول يهتم بخفض التكاليف والأرباح في المقام الأول بينما يعطي النوع الثاني أسبقية لتكوين علاقات ودية مع الممونين أغلب هذه الدراسات تؤكد على النظرة المادية للإنجاز لكن قد يكون الإنجاز في ثقافات يتمثل في جمع الثروة بينما في ثقافات أخرى الانجاز هو تبؤ منصب حكومي كبير أو مركز علمي مرموق . 
كذلك هناك نظرية هرم الحاجات الخاصة بالدافعية 
والتي تقول أن الإنسان يسعى إلى اشباع حاجاته الفسيولوجية كالمأكل والملبس والمأوى أولا ثم تأتي السلامة ثم الحاجة إلى الانتماء ثم الحاجة إلى التقدير ثم تحقيق الذات . يفيد هذا النموذج في اختيار المحفزات في البلدان التي تعمل فيها المنشأة حيث أشارات دراسات عديدة إلى أن الناس تختلف في كل بلد من حيث وضعها في هرم الحاجات فقد وجدت دراسة معينة أن العاملين في شركة عالمية معينة في بلدان اسكندنافيا وهولندا يعطون أهمية أكبر للحاجة إلى الانتماء مما يعطون لتحقيق الذات ودلالة ذلك أن تطبيق أساليب التحفيز الجماعية ستكون له فاعلية أكبر من تطبيق الأساليب الفردية . عموما أوضحت الدراسات ان البلدان تختلف من حيث اهداف واحتياجات العاملين وأن توقعات العاملين تختلف ففي اليابان مثلا يتوقع الموظف أو العامل أنه سيبقى مع الشركة التي ينضم إليها منذ دخوله سوق العمل إلى أن يتقاعد . 
العمل عند الغربيين له وظيفة اقتصادية للفرد والمجتمع فالناس تعمل من أجل المال ومن أجل إنتاج شيء مفيد للمجتمع بينما في بلدان أخرى العمل هو وسيلة لتحقيق الذات والمركز والصلات الاجتماعية وللعمل قيمة في حد ذاته حيث أن التعطل مبغوض والفراغ مربوط بالسفه . 
(د) أهمية نوع المهنة : 
كل حضارة وكل بلد يعطي أهمية معينة ومركزا معينا لمهن معينة إذا نظرنا في تفضيل الطلاب عند إكمال الدراسة الثانوية نجد مهنة الطب تمثل الرغبة العارمة لأكبر نسبة من الطلاب ولذا فالمنافسة على دخول كليات الطب شديدة يعطي المجتمع مكانة مرموقة للطبيب كما يكافئه بمردود مالي كبير مقارنة بالمهن الأخرى ومازلت أتذكر كيف استغرب الأهل والأصدقاء ولم يتفهموا كيف يختار طالب متفوق دراسة الإدارة والتجارة – وهم يتساءلون : هل تحتاج التجارة إلى دراسة ؟ لكن تلك النظرة تغيرت حاليا واليوم نجد تنافسا شديدا في دخول كليات الاقتصاد والإدارة في البلاد العربية وفي اليابان وجد في استقصاء أن طلاب المدارس الثانوية وضعوا وظيفة الاستاذ الجامعي أول قائمة المهن التي يسعون إليها بينما اختار الطلاب الأمريكيون 
الطب في أول القائمة . 
للتجارة مقام كبير في ارثنا الثقافي وهناك أقوال كثيرة توحي بذلك مثل ( تسعة أعشار الرزق في التجارة ) أو ( بيع واشتري ولا تنكري ) في مثل من بلد عربي . إلا أن هذه النظرة ليست بالضرورة ثابتة بدون تغير حيث يكتسب العمل العام أهمية متزايدة وسط الشباب ويسعى الكثيرون منهم إلى خدمة بلادهم في الوظائف القيادية في مجالات الإدارة والدفاع والتخطيط والطب والصحة وغيرها وتتجه خيرة الكفاءات والقدرات إلى العمل في القطاع الحكومي فبالإضافة إلى المركز الذي يهيئه العمل العام هناك فرص التدريب والميزات الأخرى التي يقدمها من تأمين وخدمة مستديمة . 
أما العمل الخاص فليست له نفس المكانة الاجتماعية في بلادنا ولا سلطة تنبع منه كما أن به مخاطر ولذا يحرم القطاع الخاص من كفاءات كثيرة بسبب تلك النظرة . 
ومن البديهي أن النظرة إلى العمل الخاص والعمل العام تؤثر على مقدرة المنشأة المحلية والخارجية في العثور على الكفاءات المطلوبة وتواجه الشركة الأجنبية عبئا إضافيا في النظرة إليها من حيث بقاء الشركة في البلد المضيف لأن ذلك غير مضمون وتعمل الشركات الدولية لكي تواجه تلك النظرة بتقديم الحوافز والاغراءات . 
وفي الولايات المتحدة ينظر إلى المليونير على أنه لابد أن يكون شخصا ذكيا ومن جمع ثروة يظن أنه لابد فعل الشيء الصحيح أما في فرنسا مثلا فالغني مصدر شك ولابد أن صاحبه فعل أشياء غير سليمة . 
(هـ) النظم الاجتماعية : 
تختص بهذه القواعد الموجهة لسلوك الأفراد داخل مجتمعم بدءا من العرف والعادات مرورا بالتقاليد وصولا إلى القوانين فكل مجتمع يضع قواعد تحدد السلوك المقبول والمتوقع فيه من خلال نظم معينة تختلف في مدى إلزاميتها وهل يصير المجتمع على تقيد أفراده بها أم لا وتختلف هذه النظم من حيث أهميتها وبالتالي إن كانت مخالفتها تقود على معاقبة المخالف أم لا . فالأعراف مثلا هي ما تعارف عليه الناس في مناسبات معينة وليس هنالك إلزام بإتباعها ولذا لا يعاقب المجتمع من يخالفها كإقامة حفل الزواج في ( صالة / قصر أفراح ) أما العادات والتقاليد فكل ما يفعله المجتمع يصر على التقيد بها ومن ينتهكها يتعرض لعقوبة من مجتمعه قد تشمل المقاطعة أو تجنبه ورفض مصاهرته والتعامل معه . أما القوانين فهي تمثل النظم التي يصر المجتمع على اتباعها ويعاقب من يخالفها ماديا بحرمانه من وقته ( الحبس ) أو ماله ( الغرامة ) أو أكثر من ذلك ولذا على الشركات الأجنبية والمحلية أن تراعي هذه القيم . 
(و) اللغة والاتصالات : 
هذا جانب مهم من كل ثقافة فلكل لغة خاصيتها ومرجعيتها ولذا تكتسب معرفة لغة البلد التي تعمل فيها المنشأة الدولية أهمية خاصة وتنتشر بعض اللغات في بلدان كثيرة مما يسهل الأداء وتحقيق الأهداف ويشعر أهل تلك اللغة بميزة حتى أصبح الإلمام بتلك اللغات أمرا اساسيا في كثير من الأقطار مثل الانجليزية والأسبانية وإلى حد ما اللغة العربية . لكن ذلك لا يكفي فالفعالية المطلوبة تجعل من الضروري معرفة لغة البلد الذي تعمل فيه الشركة أو على الأقل أن تعتمد على من يجيدون لغة البلد وتتفاوت الشركات في ذلك فبعضها يقدم حوافز لموظفيها الدوليين ليتعلموا أكثر من لغة .
معرفة اللغة وحدها لا تكفي فحتى اللغة الواحدة يتكلمها الناس وهم يعنون أشياء مختلفة فلبعض الكلمات الإنجليزية مثلا معنى مختلف في انجلترا عن معناها في الولايات المتحدة وقد تجد اختلافات مماثلة في اللغة العربية بين بلد وبلد من البلدان العربية كذلك قد نجد معاني بعض اللغات لا نجدها في لغات أخرى لعدم وجود المفهوم الذي ترمي إليه في السابق كان يقال أنه ليست لكلمة Privacy الانجليزية مرادف في اللغة العربية لأنه من غير المفهوم تفضيل الشخص للخلو إلى نفسه أو للبقاء بمفرده في المجتمع العربي علما بأن كلمة ( خصوصية ) بدأت تكتسب ذلك المعنى كما يقال أنه ليست هناك كلمة في الأسبانية للإشارة إلى جميع العاملين بدون تفصيل ويجب أن تقول ( العمال ) ( الموظفين ) وأحد الأمثلة على ما يمكن أن يؤدي إليه الجهل بخصائص اللغة هو أن إحدى الشركات العالمية نقلت إعلانها عن مسحوق غسيل الملابس المستعملة في الغرب إلى إحدى الدول العربية بدون تعديل . في الإعلان صورة ملابس متسخة موضوعة على اليسار ونفس الملابس وهي نظيفة على يمين الصورة وبينهما في الوسط مسحوق الغسيل وبما أن اللغتين العربية والعبرية تقرآن من اليمين أتت نتيجة الإعلان عكسية حيث يرى الناظر ملابس نظيفة لكنها اتسخت في نهاية الصورة . 
بالإضافة إلى اللغة المسموعة : 
هناك ما يسمى باللغة الصامتة وهي لغة الاشارات والايماءات والحركات الجسدية وتعابير الوجه التي قد تعني شيئا مختلفا في كل ثقافة كهز الرأس يمينا ويسارا الذي قد يعني الموافقة في ثقافة ما والرفض في أخرى أو وضع الأرجل على المكتب في وجود الآخرين الشيء الذي لا يرى الأمريكي فيه شيئا بينما يعتبره الشرقي اساءة . معنى الألوان يختلف من بلد لبلد فالأبيض لون الحداد للمرأة السودانية بينما هو الأسود عند المرأة المصرية في حين أن الأسود لون الاحتشام عند المرأة الخليجية وفي مخاطبة الآخرين يحتفظ الأمريكي في اقتراب الاتيني من متحدثه الأمريكي رفعا للكلفة غير مبرر . 
النظرة إلى الوقت تختلف أيضا بين الأمم 
فالغربيون ينظرون إلى العالم وكأنه مقسم بطريقة ميكانيكية إلى أيام وساعات ودقائق فهم يأتون في الموعد الدقيق ويخطط الفرد منهم لآماد بعيدة لرحلة أو سفر كما تضع بعض الشركات خططا تشمل أكثر من عقد من الزمان . 
في ثقافات أخرى يرون أنه إذا فات اليوم فهناك الغد وإذا فات الغد فهناك ما بعد الغد ولا بعتبر الفرد نفسه متأخرا عن موعد إذا حضر بعد نصف ساعة منه كما عند اللاتينيين والشرقيين بينما عشر دقائق تأخير في موعد كافية لإثارة بعض الغربيين . 
هناك اختلافات عديدة في معنى السلوك والاشارات التي يتلقاها الإنسان اعتمادا على البيئة التي هو فيها وهي تؤثر على الأعمال الدولية فتفسير سؤال بسيط من رئيس أجنبي لمرؤوس من أهل البلد قد يختلف مما قد يكون السائل رمى إليه واحتمال حدوثه ( تشويش ) في الاصتالات كبير عبر الاتفاقيات . 
المواءمة بين الثقافات : 
يزداد الحديث عن التقارب المتزايد في أساليب الحياة في دول العالم المختلفة وإن تحولا يحدث بإستمرار حتى وصف الكاتب المشهور مارسال ماكلوهن فيلسوف ثورة الاتصالات العالم بالقرية نسبة لتقارب المسافات الزمنية وزيادة معرفتنا بالبلدان والثقافات الأخرى .
يشير آخرون إلى التشابه المتزايد في الأذواق والمأكل والملبس والمعمار ونظم السكن والعمل والترقية ويقولون أن الثقافات تتلاقى وتتلاقح وتتداخل كل يوم ولا يخلو هذا القول من حقيقة فأماكن الوجبات السريعة توجد في كل مكان ومراكز المدن ومجمعات الأسواق تتشابه في عمرانها وفي داخل أماكن السكن يتشابه الأثاث والمنافع ووسائل الحياة الحديثة أما أساليب الترفيه فتتقارب فالعالم كله مغرم بكرة القدم والملاكمة يذهب أولئك إلى أبعد من ذلك ويشيرون إلى كون المؤسسات والأشكال التنظيمية تزداد تشابها 
من الجانب الآخر يقول آخرون نعم عن المؤسسات والنظم تتشابه وربما أشكال العمران لكن من بداخلها مختلفون جدا ومازالوا متمسكين بعاداتهم وأساليبهم ونظرتهم إلى العالم تظل مختلفة أي أن التشابه مظهري فقط يضيف أولئك أنه حتى في الدول الكبرى بدأت الفروق المستترة تظهر على السطح وتؤكد وجودها فالمجموعات العرقية في الدول الغربية صارت تفخر 
بأصولها وتركز على أسلوبها في الحياة سواء كانت إيطالية في أمريكا أو مغربية في فرنسا . 
تظل الفوارق في الثقافة وأسلوب الحياة والقيم باقية ومؤثرة والمهم معرفة الدرجة التي تؤثر بها الرؤى المختلفة على أداء المنشآت وإلى أي مدى علينا التكيف معها وذلك ليس سهلا فمعرفة تلك الفوارق في حد ذاتها ليس بالهينة وحتى داخل الدولة الواحدة وفي وضعها المحلي هناك أشياء إدراكها صعب نعم هناك ما هو ظاهر منها ولكن هناك أيضا المستتر الذي لا يقفز إلى السطح إلا إذا استقر وهناك أشياء خفية تكون قد تعلمناها صغارا تبقى في اللاوعي علينا إذن الابتعاد عن ( القولبة ) المبنية على معرفة عارضة أو تجربة محدودة كالقول أن الافاريقة كذا والغربيون كذا وإذا أردنا التعميم علينا بناء ذلك على الإنسان العادي السوي وعلى أكثر من فرد أو عينة . 
مخاطر البوليسنترزم و الاثنوسنترزم : 
الأولى أو ما يعرف بالبوليسنترزم : هي وجهة النظر التعددية التي لا ترى إلا الفوارق وتركز عليها وتعامل كل وضع وكل شخص أجنبي وكأنه مختلف تماما . يطغى الشعور بالاختلاف على هذه الرؤية وهي ترى أن كل موقف محلي في البلد المضيف هو موقف فريد لا تنطبق عليه الأساليب الإدارية والتعليمات الصادرة من الرئاسة في المقر . تطلب الإدارة المحلية في فرع الشركة في البلد المضيف أن تُمنح سلطات وتفويضا واسعا لاتخاذ القرارات على حسب ما ترى او قد تقوم الرئاسة من تلقاء نفسها بترك قدر كبير من القرارات لإدارة الفرع قد يكون سبب فشل بعض الشركات الأجنبية في البلاد الأخرى هو إغراقها في ذلك فهناك بعض الأوضاع التي ليست بالضرورة محكومة بالبيئة ويمكن أن ينطبق على بيئات أخرى أو تنجح فيها ابداعات نجحت في بيئات اخرى مختلفة التركيز على الفروقات إذن قد يحرم الشركة من استقدام ايداعات تفيدها تنافسيا . 
من الجانب الآخر هناك التفكير الضيق ( الرؤية الأحادية ) التي تتمركز حول أصلها القومي او العرقي وتصر على تطبيق نفس الأساليب المتبعة في البلد الأم على اعتبار أنها الأمثل وأنها التي يجب أن تراعي في الإدارة وفي تصميم المزيج التسويقي وإدارة الموارد البشرية وغير البشرية . تجاهل هذه الفروقات مضر كما رأينا وقد يؤدي إلى القرار الخاطىء يدرك بعض أصحاب هذه النظرة وجود الاختلافات لكنه يصر على كون التغيير مهما أما البعض الآخر فمغمور برؤياه الضيقة ولا يرى سواها .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©