free counters

الشركة متعددة الجنسية .. أداة تغيير أم أداة متغيرة

| |

بين النقيضين هناك هجين ينتج من كليهما ، يحمل ملامح الأصل في البلد الأم ، وملامح من البلد المضيف ، ويختلف مع ذلك عن كل منهما. هذه أكثر وسيلة متبعة للمواءمة بين الاختلافات ، وعلى كل منشأة أن تدرس وتقرر لنفسها : هل تدفع بيئة البلد المضيف لقبول التغيير أم تتغير هي نفسها وتبدل أساليبها ؟ الشركات متعددة الجنسية هي في رأي الكثيرين ذات دور مهم في تغيير أساليب العمل في تلك البلاد ، ودفع المنافسين المحليين إلى تبني الأساليب الأكثر إنتاجية واقتصادية خاصة في مجال التقنية والإدارة الحديثة ، ويجب ألا تتخلى عن دورها ذلك ، لكن عليها وهي تستقدم أو وهي تأتي بسلعة أو أسلوب مختلف ، عليها أن تنظر في العوامل التي تسرع وتلك التي تبطئ من قبول التغيير ، وكذلك العوامل التي من شأنها أن تبقي غير فعال ، بل ربما أتت بنتائج عكسية . هناك اعتبارات كثيرة يجب مراعاتها ومعرفة رد الفعل على أي أسلوب إداري وإنتاجي . بعض هذه الاعتبارات مثل :النظام القيمي : من السهل قبول تغيير أو إبداع ، إذا كان لا يتعارض مع القيم الأساسية في المجتمع ، وحتى إذا كان يتعارض مع قيمة هامشية ، فليس من الصعب تبنيه ، أما إذا كان يتعارض مع قيمة أساسية فسيرفض . يمكننا ذكر أمثلة عديدة كمأكولات ومشروبات محرمة على الشركات الأجنبية تفادي تقديمها أو الترويج لها ، وضرورة إعطاء العاملين وقتا لأداء الشعائر الدينية .
تحليل التكاليف والمنافع : هنا يجب الموازنة بين تكلفة المواءمة والتعديل ومقارنتها بالمنفعة المتحققة من ذلك التعديل . تطوير السلعة وتعديلها لتلائم البيئة له تكاليف إضافية من بحث وتطوير وعمل تجهيزات وآليات مختلفة لخدمة سوق معين ، لكن زيادة تقبل أهل البلد للسلعة المعدلة وانعكاس ذلك في زيادة المبيعات ، قد يكون أكثر من كاف لمقابلة تكلفة التعديل الإضافية .
التدرج في استقدام التغيير : أحيانا يكون من المفيد استقدام التغيير على جرعات ، وألا يكون شاملا منذ البداية ، بل يشمل جوانب ويترك جوانب أخرى إلى حين . يساعد ذلك في قبول التغيير ، وربما يؤمن نجاحه في بعض الأحايين .
أهمية التعديل : هناك مواسم وطرق معايشة وتقاليد يجب احترامها ووضعها في برنامج الإنتاج الزمني ، وقد توجد أحيانا مواسم يأخذ فيها العمال أجازات طويلة ليعودوا لمواطنهم للقيام بالزراعة أو الحصاد ، وقد يتركون العمل بدون إنذار . في بعض البلدان هناك أوقات للدوام لها جذور عميقة ومن الصعب تغييرها . في إيطاليا مثلا يأخذ الجميع فترة راحة للغذاء طولها ساعتان يعودون بعدها للعمل ، كما أنهم يعملون نصف دوام صباح السبت . حاولت شركة أجنبية أن تختصر ساعتي الغذاء إلى ساعة واحدة وإلغاء دوام السبت . أتى ذلك بنتيجة عكسية ، علما بأن الإدارة ظنت إن العاملين سيرحبون بذلك خاصة أن العمل سيكون خمسة أيام في الأسبوع بدلا من ستة . لكن العمال قاوموا التغيير ، واضطرت الإدارة للعودة للعمل بأوقات الدوام الأولى ، عندما اكتشفت أن راحة القيلولة وتناول طعام الغذاء مع الأسرة كل يوم أهم للعمال من راحة صباح السبت .
التوقيت : التوقيت مهم حتى في إدارة الأعمال المحلية ، وكم من سلعة فشلت عند استقدامها في المرة الأولى ، لأن التوقيت لم يكن صحيحا . كذلك إذ كانت العطالة في بلد ما عالية ، سيقاوم العاملون استقدام أساليب الإنتاج التي تستخدم ميكنة متقدمة تستغني عن البشر . ينبغي أن تكون الظروف مواتية حتى ينجح الإبداع أو التعديل أو السلعة الجديدة كألا تروج لمسحوق الغسيل إذا كان الاستعمال الغسالات الآلية غير منتشر .
هناك الكثير الذي على الشركات الدولية أن تتعلمه إذا أرادت أن تكون مواطنا صالحا ، ويمكنها أيضا أن تتعلم من أخطاء الآخرين . إن شيئا صغيرا كاختيار الاسم قد يكون له ردة فعل غير مرغوبة . عندما كانت شركة إيستمان تبحث عن اسم لمنتجاتها وضعت شروطا هي أن يكون اسما سهل النطق ، وليس له معنى في أي لغة ، ولذا وقع اختيارها على "كوداك". أما شركة ستاندارد أويل أوف نيوجيرسي ، والتي كانت تسمى " إسو " فقد صرفت مبالغ كبيرة ، وأجرت بحوثا وبعد أن وجدت اسما راق لمديريها اكتشفت إن له معنى غير حميد في اليابان ، فتركت ذلك الاسم على الرغم مما أنفقته ، وبدأت البحث من جديد حتى وفقت في اختيار اسم " إكسون " . من الجانب الآخر ، هناك قصص فشل كثيرة لشركات أجنبية ، والأخطاء الإدارية التي ارتكبتها وكلفتها كثيرا ( وكل ذلك بسبب جهلها بالبيئة ) ، قام بجمعها في كتاب أحد أساتذة الإدارة ، وقد أشرنا إلى بعضها سلفا ولا بأس من ذكر أمثلة أخرى لهذه الأخطاء " الفادحة " كما سماها مؤلف الكتاب . فهناك إعلان شركة ببسودنت لتبييض الأسنان ، والذي اكتشف مروجوه أنه نفر المستهلكين في منطقة جنوب شرق آسيا ، حيث إحدى سمات الرجولة هي الأسنان المصفرة ( ربما من أثر التبغ ) . أما شركة بيبسي كولا وإعلانها " تعال حيا وانضم إلى جيل اليوم " فقد وجد أن ترجمته إلى الألمانية تقول " أخرج من القبر " . أما الشركة التي وضعت صورة تمثال بوذا في إعلان ، فقد تعرضت مكاتبها للحريق في بلد آسيوي . هذه بعض قصص الفشل ، والذي يجب ألا ينسينا أن هناك قصص نجاح كثيرة تمكنت شركات فيها من فهم البيئة الأجنبية والتعامل معها بنجاح وخلقت لنفسها صورة حسنة .
أخيرا هناك تصنيف للبشر من مختلف الجنسيات من حيث النظرة للمخاطر والنظرة نحو السلطة ومركزية القرارات وأهمية الصفات الرجولية والأسرة والمركز الاجتماعي . الخ . كأن تقول إن التركي كذا والإيطالي كذا ... الخ قام به أحد الكتاب وهو جيرت هوفستد ، ونشر كتابا عام 1983 ، ويجد القارئ في الجدول رقم 2-1 تصنيفا لـ 25 قطرا من بين 80 قطرا درسها الكاتب هوفستد 1991 .
قام هذا الكاتب باختيار عينة ووزع فيها 116 ألف استبيان ، ومن 150 سؤالا وجد 32 منها فوارق بين البلدان ، ثم اختصرها إلى أربعة أبعاد رئيسية تختلف فيها البلدان ، وهذه الأبعاد هي :
الفردية : مدى توقع الفرد للحرية الشخصية ، حيث يكون مسئولا عن نفسه فقط ، مقابل الجماعية وقبول المسئولية نحو الأسرة أو العشيرة أو الوطن .
بُعد السلطة : مدى تحمل الجماعة للفوارق في السلطة والثروة ، كما يظهر من قبول المجتمع للمركزية ، وحكم الفرد .
تفادي المخاطر : الدرجة التي يتفادى معها المجتمع العشوائية ويخلق اليقين بالتركيز على النظم والبنانات والقوانين والقواعد .
الرجولية : الدرجة التي يفرق فيها المجتمع بين دور الرجل والمرأة ، ويركز على قيم الأداء الرجولية ، والإنجازات الواضحة .
ويفترض أن لكل واحد من هذه الأبعاد مدلولات للهيكل التنظيمي ، ولسلوك الفرد في المنظمات . ويعني مؤشر السلبية العالي ، أن الفرد يهتم بنفسه وأسرته المباشرة ، ولا يشعر بحاجة شديدة إلى أن يكون جزءا ن جماعة ، كما يعني أن الفرد يميل إلى الاكتفاء الذاتي والإنجاز الفردي والنجومية ، بينما في الجماعية يذوب الفرد في الجماعة ، ويكون الإنجاز جماعيا ، والحوافز جماعية ، ولا مجال للفرد النجم .
والبلدان التي بها قبول لفوارق السلطة العالية ، يميل المديرون فيها لأن يكون أتوقراطيين ، وذوي نزعة أبوية ، ويكون التحكم والرقابة فيه شديدين ، ويميل الهرم التنظيمي لأن يكون رأسيا ، أي كثير الطبقات الإدارية ، قليل نطاق الإشراف . بينما في الدول التي فيها فوارق السلطة منخفضة لميل الأفراد الاستقلالية ، ويمي المديرون إلى التشاور والتفويض ، بينما يحو الهرم التنظيمي لأن يكون مسطحا ، قليل الطبقات ، كبير نطاق الإشراف .
وأما علو مؤشر تفادي المخاطر ، فيعني طول وكثرة الإجراءات لتفادي قيام الفرد بالتصرف من تلقاء نفسه ، كذلك هناك خوف من فقدان الوظيفة بسبب التصرف غير الرسمي غير المقنن ، وميل إلى اتخاذ القرارات بالإجماع . وعلى العكس من ذلك ، البلدان التي بها مؤشر تفادي منخفض يقبل الناس فيها القرارات غير التقليدية ، ويعتمدون على المبادرة ويرحبون بالارتجال .
أخيرا في المجتمعات التي يكون مؤشر الرجولة فيها عاليا ، تكون القيم السائدة هي النجاح والمال والمقتنيات العديدة . التركيز هنا على التشدد ، وضغط العواطف ، بينما في التوجه الأنثوي يكون التسامح والعواطف متسيدين . في الرياضة مثلا ، المهم هو الفوز في النظرة الرجولية ، بينما في التوجه الأنثوي المهم هو الروح الرياضية والاستمتاع باللعب . وفي المجتمعات الرجولية المباراة هي جمع المال والنقاط هي مقدار الثروة المكتسبة ولذا يكون التركيز على الأرباح والإنجازات ومقدار التقدم . وفي هذه المجتمعات ، يحبون المنشآت الضخمة والنمو المادي في العمل ، بينما في المجتمعات التي يكون مؤشر الرجولة فيها منخفضا نجد التركيز على التعاون والعلاقات الإنسانية ، وتقل فيها بذلك ضغوط العمل .
الجدول رقم ( 2-1 ) قيم المؤشرات في الأبعاد الاجتماعية لبعض البلدان 

البلد
متوسط فوارق السلطة
مؤشر تفادي المخاطر
مؤشر الفردية
مؤشر الرجولية
الأرجنتين
النمسا
بنما
البرازيل
تشيلي
جواتيمالا
ألمانيا
بريطانيا
اليونان
اندونيسيا
الهند
إيران
إيطاليا
اليابان
ماليزيا
هولندا
باكستان
الفلبين
المنطقة العربية
غرب أفريقيا
الولايات المتحدة
السويد
تايلاند
كوريا الجنوبية
49
11
95
69
63
95
35
35
60
78
77
58
50
54
104
38
55
94
80
77
40
31
64
60
86
70
86
76
86
101
65
35
112
48
40
59
75
92
36
53
70
44
68
54
46
29
64
85
46
55
11
38
23
6
67
89
35
14
48
41
76
46
26
80
14
32
38
20
91
71
20
18
56
79
44
49
28
37
66
66
75
46
6
43
70
95
50
14
50
64
53
46
62
5
34
39


في الجدول رقم 2-1 نجد قيمة كل مؤشر من هذه لمجموعة بلاد مختارة من دراسة هذا الكاتب . ويفترض إن كل بعد من هذه الأبعاد ينعكس في الأساليب الإدارية ، فالتقدير العالي في مؤشر الفردية ( بريطانيا وأمريكا ) يعني أن تبنى الحوافز على حقيقة أن كل فرد يهتم بمصلحته فقط . أما البلدان التي بها تقدير عال لتحمل بعد السلطة ، فذاك يعني أن المرؤوس ينتظر مبادرة الرئيس دائما . يستخدم الكاتب خلطات من هذه الأبعاد ليفسر السلوك والتنظيم في الدول المختلفة ، كأن يقول مثلا إن مؤشر الرجولية العالي مع مؤشر تفادي المخاطر المنخفض في حالة الولايات المتحدة ، يظهران بوضوح في تغلب النظرة التجارية للأمور . وفي فرنسا قبول للفوارق ، وتركيز على القواعد والإجراءات وهرمية السلطة (الشيء الذي يقال عادة عن مصر ) . أما بالنسبة للدول العربية ، فقد أظهرت العينة توسطها ( كنتم أمة وسطا ) في ثلاثة أبعاد . أم في بعد الفردية ، فقد مال المؤشر إلى الانخفاض عاكسا اهتمام الفرد العربي بالجماعة التي يعيش فيها . وعلى أي حال، هذه من أكثر الدراسات تعمقا ، لكنها تظل عرضة للخطأ والصواب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©