إن الهدف من الخصخصة ليس مجرد تحويل المشروعات العامة من إطار الملكية العامة إلى إطار الملكية الخاصة وإنما الهدف النهائي من الخصخصة هو تشغيل وإدارة مشروعات الأعمال وفقا لمعيار الربحية وبصرف النظر عن شكل الملكية. وفقا لهذا الاتجاه يميز البعض بين خصخصة الملكية وخصخصة الإدارة حيث يشير المفهوم الأول إلى تحويل الملكية وما إذا كانت عامة أو خاصة .
ويجب أن تمثل خصخصة الإدارة الخطوة الأولى في برنامج الخصخصة خاصة في الدول النامية وذلك لهذه الأسباب :
أن هذا الأسلوب في الخصخصة يعتبر أقل أساليب الخصخصة تأثيرا على المجتمع من الناحية السياسية والاجتماعية لأنه لا ينطوي على أي بيع للأصول العامة .
أن هذا الأسلوب يحقق خطوة تمهيدية ضرورية للانطلاق نحو خصخصة الملكية حيث يتم بمقتضاها رفع مستوى أداء المشروع العام مما يساعد على تحويله إلى مجال الملكية الخاصة .
أن مفهوم خصخصة الإدارة يساعد على التمييز ما بين برامج التخصيصية التي تعتمد على عملية إصلاح اقتصادي متكامل الأبعاد وما بين مفهوم إلغاء التأميم .
أن معظم برامج خصخصة الملكية تتم عن طريق بيع أسهم الملكية في أسواق الأوراق المالية بما يعني استمرار إدارة المشروع على ما كانت عليه قبل التحول إلى الملكية الخاصة .
في ضوء تحليل ما سبق يمكن القول بأن الخصخصة ليست هدفا في حد ذاتها وإنما مجرد وسيلة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية وبالتالي فإن المشكلة الرئيسية في مجال الخصخصة وبصفة خاصة في مصر ليست في تغيير شكل الملكية وإنما في تغيير شكل الإدارة أي خصخصة الإدارة بمعنى تحويل إدارة شركات قطاع الأعمال العام إلى إدارة خاصة تستند على مفاهيم وأساسيات الإدارة الخاصة وتستخدم الأدوات الإدارية المتقدمة التي تستخدم في الدول التي تتبع اقتصاديات السوق حيث تقاس كفاءة المشروع بالربح والإنتاجية .
فلقد أظهرت الدراسات الميدانية أن نسبة كبيرة من التحسن في ربحية وكفاءة المشروعات العامة يمكن الحصول عليها من خلال ما يعرف بخصخصة الإدارة أي إصلاح الهياكل الإدارية والتنظيمية وتقليل القيود وتوفير البيئة التنافسية التي تعمل المشروعات في ظلها دون الحاجة إلى تغير نمط الملكية حيث أظهر البعض أن الخصخصة التي تهدف إلى تشجيع المنافسة ورفع مستوى الأداء الإداري للمشروع العام تكون أكثر فعالية في تحقق الأهداف الرئيسية التخصيصية وبصفة خاصة في الدول النامية .
وعلى الرغم من ذلك نجد أن معظم الأبحاث التي تناولت موضوع الخصخصة ركزت اهتمامها حول المفهوم الضيق للخصخصة أي نقل الملكية العامة إلى الخاصة وذلك لاستنادها إلى ما يعرف بنظرية حقوق الملكية .
وتشير هذه النظرية إلى أن أنواع الملكية المختلفة تثير حوافز اقتصادية وبالتالي تؤدي إلى نتائج اقتصادية مختلفة .
فالمشروعات الخاصة يمتلكها أفراد لديهم حقوق نهائية على أصول هذه المشروعات ويحصل الملاك على أرباح إذا استخدمت هذه الأصول الاستخدام الأمثل بحيث يتم إنتاج السلع والخدمات بتكلفة أقل من أسعار السوق كما يتحمل الملاك خسائر إذا تجاوزت تكاليف الإنتاج أسعار البيع وبعبارة أخرى يمكن القول بأن ملاك المشروع الخاص تزداد ثرواتهم بفضل الإدارة الجيدة للأصول أي بفضل الإدارة ذات الكفاءة كما تتناقص دخولهم وثرواتهم إذا تميزت إدارة المشروع بعدم الكفاءة .
يمكن القول إذا أن حقوق الملكية تخلق حوافز للاتجاه نحو إدارة المشروع بكفاءة حيث يلجأ الملكية الخاصة إلى مراقبة أداء الإدارة التي تعمل في المقابل على اتخاذ القرارات التي تؤدي إلى تعظيم ثروة الملاك . أما في المشروعات العامة فإن أصحاب الملكية الأصليون أي الدولة وأفراد الشعب من دافعي الضرائب لا يستطيعون حقيقة التحكم في أصول المشروع أو مراقبة سلوك المديرين والموظفين والعاملين الذين لا يتحملون تكاليف قراراتهم .
معنى ذلك أن الملاك في ظل نظام الملكية العامة ليست لديهم حوافز قوية لمراقبة أداء الإدارة التي لا تتحمل في المقابل أي خسائر إذا انخفض مستوى أداؤها . لذلك فإن إدارة المشروعات العامة تسعى للحصول إلى أكبر قدر ممكن من الأجور والمزايا المادية مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج وبالتالي إلى تناقص الأرباح أي أن الآلية التي تحكم سلوك المديرين لا تعمل في ظل نظام الملكية العامة . حيث يقل الحافز لدى الإدارة على السعي نحو تحقيق الكفاءة ويزداد الاهتمام بتحقيق المنافع الخاصة بها .
ويرجع ذلك إلى أن نجاح الإدارة في مواجهة أوجه القصور الداخلي يستلزم نظاما فعالا للحافز وفي حين ويعتبر حافز الربح قويا وفعالا في القطاع الخاص فهو غير مؤثر في القطاع العام .
من التحليل السابق يظهر بوضوح أن أنصار نظرية حقوق الملكية يعتقدون أن المشروع الخاص يكون عادة أكثر كفاءة وأكثر ربحية من المشروع العام نظرا لاستحالة نقل وتحويل الملكية من الناحية العملية في المشروعات العامة مما يقلل من دافع الملاك نحو توجيه سلوك الإدارة والرقابة على القرارات التي يتم اتخاذها . وباختبار وتحليل مجموعة من الدراسات التي تناولت معدلات أداء كل من المشروعات الخاصة والعامة في العديد من الدول المتقدمة والنامية تبين أن الدلائل المتاحة عن مستويات أداء وربحية المشروع المملوك ملكية عامة غير قاطعة لقبول فرضية انخفاض الأداء نفي هذا المشروع بالمقارنة بالمشروعات المملوكة ملكية خاصة .
وبالإضافة إلى ما سبق فقد تبين أيضا تعارض وتضارب نتائج الدراسات الميدانية التي كانت تهدف إلى دراسة تأثير شكل الملكية على الأداء المالي للمشروع واختبار افتراضات مدخل حقوق الملكية . فقد توصلت بعض الدراسات إلى تفوق المشروعات المملوكة ملكية خاصة بالمقارنة بمثيلاتها من المشروعات العامة . في حين توصلت الكثير من الدراسات إلى نتائج تتعارض مع افتراضات نظرية حقوق الملكية . ففي دراسة لعينة تشمل 17 شركة عامة بريطانية تعمل في خمسة صناعات مختلفة تمت مقارنتها بمجموعة من الشركات الخاصة المماثلة ثم التوصل إلى نتائج اقتصادية اختلفت باختلاف الصناعة التي تنتمي إليها الشركة وباختلاف فعالية تقييم الأداء لذلك انتهت إلى أن التغير في شكل الملكية لم يكن له تأثيرا معنويا على عينة الدراسة . وبتحليل نتائج ست دراسات تتعلق بقياس كفاءة الأداء في ظل كل من الملكية العامة والخاصة في مرافق المياه والكهرباء بالولايات المتحدة والتي اعتمدت على عدة نماذج قياسية مختلفة تبين عدم وجود اتجاه عام للقبول بأن الملكية الخاصة أكثر كفاءة وإنتاجية حيث تناقضت نتائج المؤشرات المستخدمة مع الفرض القاتل بأن المشروعات الخالصة تعمل بكفاءة أكثر من نظيرتها ذات الملكية العامة بل أن المشروعات العامة أظهرت تفوقا ملحوظا في بعض الحالات .
وبتحليل الاتجاه العام لنتائج الدراسات التي حاولت اختبار نظرية حقوق الملكية واستنادا إلى المؤشرات الميدانية يلاحظ أنها لا تقدم دليلا قطيعا على اختلاف مستويات أداء المشروعات العامة بالمقارنة بالمشروعات الخاصة مما يعني أن التغير في شكل الملكية لا يؤدي بالضرورة إلى تغيرات إيجابية في الكفاءة أي أن الافتراضات الرئيسية التي تقوم عليها نظرية حقوق الملكية لم يتم إثباتها تجريبيا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق