بجانب الانتقادات النظرية التي وجهت إلى الفكر الكلاسيكي – والمتمثلة في عدم واقعية الفرض التي بني عليها – فلقد تعرض هذا الفكر لاختبار آخر أكثر صعوبة يتمثل في المجالات العديدة والدراسات التطبيقية التي أجريت لاختبار مدى واقعية الفروض التي بني عليها نموذج هكشر – أولين ومدى قدرته على تفسير ظواهر العالم الحقيقي . ولعل أهم الدراسات التطبيقية لنظرية هكشر – أولين في التجارة الدولية هما الدراستان اللتان قام بهما الاقتصادي المشهور ليونتيف عن التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية واستخدم فيهما أسلوبا جديدا في التحليل الاقتصادي عرف باسم جدول المدخلات والمخرجات .
ولقد استهل ليونتيف دراساته التطبيقية مؤكدا على الاقتناع بالنتائج والتوصيات التي انتهت إليها الدراسة التحليلية لنموذج هكشر – أولين والتي تتلخص في قيام كل بلد بإنتاج وتصدير السلع التي تعتمد في انتاجها على عنصر الانتاج الأوفر نسبيا وتستورد تلك السلع التي تعتمد في إنتاجها على عنصر الإنتاج النادر نسبيا .
ولما كانت هذه الدراسات التطبيقية تركز على الولايات المتحدة الأمريكية وكانت هذه الدولة أكثر دول العالم وفرة في عنصر رأس المال فلقد توقع ليونتيف وغيره من الاقتصاديين المؤيدين لنظرية هكشر أولين أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإنتاج وتصدير السلع كثيفة رأس المال وتستورد تلك السلع كثيفة العمل .
غير أن ليونتيف قد أذهل نفسه وباقي الاقتصاديين لاكتشافه أن صادرات الولايات المتحدة الأمريكية تتكون أساسا من سلع كثيفة العمل وأن وارداتها تتكون أساسا من سلع كثيفة رأس المال .
وبتعبير متكافىء تتجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تصدير سلع كثيفة العمل وتستورد سلعا كثيفة رأس المال وهي نتائج تخالف ما تنطق به نظرية هكشر – أولين في نسب عناصر الإنتاج فلقد عرفت تلك النتائج في الأدب الاقتصادي المتخصص في التجارة الخارجية بإسم ( لغز ليونتيف ) حيث أثارت هذه النتائج كثيرا من المناقشات الأكاديمية خلال الثلاثين سنة الماضية فلقد حاولت كثير من الدراسات النظرية والتطبيقية حل هذا اللغز وفي الوقت نفسه أثرت هذه الدراسات نظرية التجارة الخارجية بالعديد من المناهج الجديدة التي ساهمت في تطويرها وجعلها أكثر ملاءمة للواقع الاقتصادي لعالم اليوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق