تدافع هذه الدراسة عن قدرة المناهج التكنولوجية على تفسير نمط التجارة الخارجية بين الدول في السلع كثيفة التكنولوجية نظرا لما تتضمنه هذه المناهج المفسرة لنمط التجارة الدولية على كثير من العناصر والأفكار التي اشتملت عليها غيرها من النظريات الأخرى ، وفي مقدمتها نظرية ليندر في تشابه الدخل أو التفضيل ، نظرية رأس المال البشري أو الإنساني ، ونظرية اقتصاديات الحجم . ويمكن البرهنة على صحة هذا الرأي بالرجوع إلى النقاط التالية :
تؤكد كل من المناهج التكنولوجية ومنهج رأس المال البشري على الدور الهام الذي يلعبه عنصر العمل الماهر في الصناعات المتقدمة تكنولوجيا . فالخلاف بين هذين الفكرين لا يتعلق بحجم الدور الهام الذي يلعبه هذا العنصر ، وإنما ينحصر أساسا في مدى تقديرها للدور الذي يمكن أن يلعبه رأس المال المادي في التأثير على نمط التجارة الخارجية بين الدول .
فالمناهج التكنولوجية تؤكد على أهمية رأس المال البشري ، وتتجاهل الدور الذي يمكن أن يلعبه رأس المال المادي وهي بصدد بحث العوامل المفسرة لنمط التجارة الخارجية بين الدول ، وتعتمد في تفسيرها على قدرة رأس المال المادي على التنقل دوليا ، وبالتالي إمكانية حصول كافة أطراف التبادل الدولي عليه . وعلى النقيض من ذلك تركز نظرية رأس المال البشري على الدور الهام الذي يلعبه كل من رأس المال المادي ورأس المال البشري كعناصر إنتاجية ومحددات أساسية للتخصص والتبادل الدوليين . يضاف إلى ذلك تباين أنواع التحليل الاقتصادي الذي يستخدمه كل من هذين المنهجين . فمذهب رأس المال البشري يتخذ من التحليل الاستاتيكي منهاجا له ، في حين تعتمد المناهج التكنولوجية على منهج التحليل الديناميكي باعتباره محورا متكاملا . فهذه المناهج الأخيرة تجعل من التغيرات التكنولوجية ووفورات الإنتاج الكبيرة الأعمدة الرئيسية لاختلاف المزايا النسبية المكتسبة وقيام التجارة الخارجية بين الدول خلال الفترة الزمنية للفجوة التكنولوجية .
تحتوي كل من المناهج التكنولوجية ونظرية ليندر في تشابه الدخل أو التفضيل ونظرية اقتصاديات الحجم على عناصر مشتركة تتمثل في التأكيد على ضرورة توافر سوق داخلي كاف كشرط ضروري لقيام الصناعات التصديرية والاستفادة من مزايا اقتصاديات الحجم في الدول الصناعية المتقدمة ، ولقد كان ذلك دافعا لهيرش وهو أحد مفكري المناهج التكنولوجية في التجارة الدولية – إلى القول بأن التفسير الذي قدمه ليندر لنمط التجارة الخارجية بين الدول يجد مجالا خصيا له في تحليل التجارة الخارجية في المنتجات الصناعية كثيفة التكنولوجيا . ويرجع ذلك إلى أن هذه السلع تصمم في ضوء ظروف الطلب الخاصة باقتصاديات الدول الصناعية المتقدمة .
كذلك لم يكن غريبا أن جمع هاري جنسون كلا من نموذج دورة المنتج ، ونموذج الفجوة التكنولوجية، ونموذج اقتصاديات الحجم تحت اسم ( حساب أو نظرية التكنولوجيا الجديدة في التجارة الخارجية ) .
وتتضمن خطتنا القادمة لدراسة المناهج التكنولوجية في التجارة الدولية إلى استعراض الفروض الأساسية للمناهج التكنولوجية مقارنة بالفروض الأساسية لنظرية هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج . ثم ننتقل بعد ذلك إلى تحليل هذه المناهج وكيفية تفسيرها لنمط التجارة الخارجية لهذه الدول. ثم ندعم تحليلنا لهذه الدراسة بتقييم هذه المذاهب في ضوء النتائج التي توصلت إليها الدراسات التطبيقية ، وعلى أساس إدخالها لكثير من ظواهر العالم الواقعي في التحليل الاقتصادي ، مثل التطورات التكنولوجية ، اقتصاديات الحجم والتفرقة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية ، وظاهرة الاستثمارات الأجنبية ودور الشركات متعددة الجنسية في تنمية التجارة الخارجية بين الدول ، ثم أخيرا دراسة العلاقة بين المناهج التكنولوجية والدول النامية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق