طبقا لهذا المنهج فإن أي نظرية تسعى إلى تفسير نمط التجارة الخارجية بين الدول يجب أن تدخل في اعتبارها الآثار الممكنة لهيكل الحماية التجارية القائم ، والمتمثل في وجود عقبات جمركية وغير جمركية . واستنادا إلى هذه النتيجة حاول الاقتصادي تريفز تفسير لغز ليونتيف بالإشارة إلى أن الرسوم الجمركية لها تأثيرها على التجارة الخارجية في سلع هكشر – أولين في الولايات المتحدة الأمريكية . ويرجع إلى ما تخضع إليه الواردات الأمريكية من السلع كثيفة العمل من حماية جمركية وغير جمركية من أجل حماية الصناعات الأمريكية الوطنية المعتمدة على عنصر العمل . وفي الوقت ذاته فإن الواردات الأمريكية الكثيفة رأس المال لا تخضع لأي من هذه القيود الحمائية ، الأمر الذي ترتب عليه زيادة الواردات من هذا النوع من المنتجات .
ولقد قام تريفز بدراسة تطبيقية تستهدف البرهنة على صحة هذه النتائج ، وقد أقام دراسته التطبيقية على أساس وجود عنصرين من عناصر الإنتاج هما العمل ورأس المال ، واعتبر عنصر العمل هو العنصر النادر نسبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ، والمستفيد من القيود الجمركية وغير الجمركية المفروضة على الواردات الأمريكية من الخارج . أما عنصر رأس المال فهو العنصر الأوفر نسبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث لا تفرض قيود حمائية على الواردات الأمريكية كثيفة رأس المال ، ووجد أن نتائج دراسته التطبيقية تؤيد الحجة القائلة بأن الولايات المتحدة الأمريكية تستورد سلعا كثيفة رأس المال بنسبة أكثر من استيرادها لسلع كثيفة العمل نتيجة لطبيعة هيكل الحمائية التجارية للواردات الأمريكية من الخارج .
ومن دراسات مماثلة تمكن الاقتصادي المشهور بلاسا من الوصول إلى نتائج شبيهة تؤيد عدم قدرة نظرية هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج على استيعاب ظاهرة الرسوم الجمركية والآثار التي تنشأ عن التجارة الخارجية بين الدول الصناعية المتقدمة نتيجة للتخفيضات الجمركية وإزالة القيود الكمية في إطار الجهود المبذولة بعد الحرب العالمية الثانية لتحرير التجارة الخارجية بين الدول . وخير مثال على ذلك أنه منذ إنشاء السوق الأوروبية المشتركة وهناك تخفيضات متتابعة للقيود الجمركية والكمية على التجارة الخارجية بين الدول الأعضاء المنتمية إلى المنظمة . ولقد أحدثت هذه التخفيضات توسعا في حجم التجارة الإقليمية بينها ، وعلى وجه خاص في المنتجات الصناعية النمطية أو ما يطلق عليها اسم سلع هكشر – أولين .
ولبيان هذه النقطة فإنه يمكن القول إن تخفيضات الرسوم الجمركية – كنتيجة لتكوين إقليم أو تكتل اقتصادي مثل السوق الأوروبية المشتركة – يدفع الدول التي تتمتع بوفرة نسبية في عنصر العمل – وبالتالي بميزة نسبية في المنتجات الصناعية كثيفة العمل لانخفاض النسبية – إلى التوسع في الإنتاج والحصول على نصيب متزايد من التجارة الخارجية داخل الإقليم الاقتصادي الذي تنتمي إليه . غير أن بلاسا أكد ضرورة التفرقة بين المنتجات النمطية والمنتجات المتنوعة من حيث أثر تخفيض الرسوم الجمركية على التجارة الخارجية في كل نوع منهما . ففي حالة النوع الأول من المنتجات فإن تخفيضات الرسوم الجمركية تؤدي إلى زيادة حجم الإنتاج الكلي للصناعة النمطية محل الدراسة في الدول التي تتمتع بوفرة نسبية في عناصر الإنتاج التي تغذي هذه الصناعة من ناحية ، وإلى تخفيض الإنتاج الكلي لنفس الصناعة النمطية في تلك الدول التي تعاني من ندرة نسبية في عناصر الإنتاج اللازمة لهذه الصناعة من ناحية أخرى .
أما في حالة المنتجات الصناعية المتنوعة فيظهر أثر التخفيضات في الرسوم الجمركية في زيادة درجة التخصص داخل الصناعة محل الدراسة ، حيث تتخصص كل دولة في إنتاج نوع أو أنواع معينة من المنتج . وبناء عليه يمكن القول بأن تخفيضات الرسوم الجمركية لا تتعدى في حالة التجارة الخارجية للمنتجات الصناعية المتنوعة إحداث تخفيض لحجم الإنتاج الكلي للصناعات محل الدراسة داخل الإقليم الاقتصادي ، وإنما تؤدي إلى قيام إحدى الدول المنتمية إلى الإقليم إلى التوسع في إنتاج أنواع أو خطوط معينة للإنتاج ، وتخفيض الإنتاج في أنواع أو خطوط أخرى ، أي زيادة درجة التخصص بين الصناعات داخل الإقليم الاقتصادي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق