اتضح أن من بين الفروض الأساسية لنظرية هكشر – أولين لنسب الإنتاج هو استبعادها لإمكانية حدوث ما نطلق عليه اسم ظاهرة تبديل أو انعكاس عناصر الإنتاج لكل من السلعتين (س) ، (ص) عند كافة مستويات الأسعار النسبية لعناصر الإنتاج . فإذا حدث ولم يصدق هذا الفرض فإنه يمكن القول إن أحد الأعمدة الرئيسية لنظرية هكشر – أولين قد تهاوت على الأرض .
فاعتبار سلعة كثيفة الهوى عند أحد مستويات الأسعار النسبية لعناصر الإنتاج واعتبارها سلعة كثيفة رأس المال عند مستوى آخر لهذه الأسعار يجعل من المستحيل تحديد نمط الصادرات والواردات لاقتصاد معين .,
ولقد قدم الاقتصادي منحاس أول تحليل مترابط لظاهرة تبديل أو انعكاس كثافة عناصر الإنتاج حيث أثارت نتائج تحليله من الشكوك ما يؤدي إلى عدم الأخذ بالنتيجة التي توصلت إليها نظرية هكشر – أولين من وجود علاقة مباشر بين مدى وفرة عناصر الإنتاج وأنماط التجارة الخارجية بين الدول .
ولكي يبرهن منحاس على تفسيره لحدوث ظاهرة تبديل أو انعكاس كثافة عناصر الإنتاج بتقدير ما أطلق عليه اسم المرونات الثابتة لدالات الإنتاج الإحلالية لمجموعة من الصناعات شملت إحدى وعشرين صناعة من مختلف الدول للبرهنة على حدوث هذه الظاهرة ودلت النتائج التي توصل إليها هذا الكاتب على أن اختلاف مرونات الإحلال بين الصناعات المختلفة تؤدي إلى حدوث ظاهرة انعكاس كثافة عناصر الإنتاج عند مستويات مختلفة للأسعار النسبية لهذه العناصر .
ومم لاشك فيه أن صحة النتائج التي توصل إليها منحاس من خلال دراسته التطبيقية لنظرية هكشر – أولين تعني عدم قدرة هذه النظرية وغيرها من نظريات التجارة الخارجية على تقديم أي دليل أو مؤشر لاختبار الصورة التي يمكن أن تكون عليها دالة الإنتاج . وطبقا لهذه النتائج يمكن القول باختلاف كثافة عناصر الإنتاج بالنسبة للسلعة الواحدة بين دول العالم المختلفة الأمر الذي يعني – على نحو ما أشار إليه سقوط الأعمدة التي ترتكز عليها نظرية هكشر – أولين في التجارة الخارجية .
ولخطورة النتائج التي توصل إليها منحاس والمتعلقة بعدم صلاحية نظريات التجارة الخارجية في تحديد شكل دوال الإنتاج للسلع المختلفة – قام كثير من الاقتصاديين لتناول دراستهم بالتحليل والتفسير لبيان إلى أي مدى تصدق النتائج التي توصلت إليها أبحاثه . وقد كانت كل من طريقة التحليل التي اتبعها منحاس والنتائج التي توصل إليها موضع النقد وشك كبير لأسباب فنية ورياضية وإحصائية .فضلا عن ذلك فلقد امتد نقد الكثير من الاقتصاديين إلى المعايير التي صاغها لاختيار الصناعات التي أقام عليها أبحاثهم وتوصل فيها إلى نتائجهم . ومن بين الاتصاديين الذين تحدوا المناهج التي أقرت ظاهرة تبديل أو انعكاس كثافة عناصر الإنتاج هو الاقتصادي بول ، الذي كان له فضل التنويه إلى النتائج السلبية لتحليل منحاس لاشتغاله على ثلاثة قطاعات من بين الصناعات الإحدى والعشرين التي اختارها منحاس ليجري عليها دراسته التطبيقية فهو يرى أن هناك ثلاث صناعات زراعية وزراعية تحويلية يجب ألا تدخل مجال الدراسات الاقتصادية لنظرية هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج . فإذا تم استبعاد هذه الصناعات الزراعية والزراعية التحويلية من نطاق التحليل فإنا معامل الارتباط بين الصناعات المتبقية يبقى ذا أهمية ودلالة كبيرة في كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية .
خلاصة القول أن هناك من الأسباب القوية التي تجعل من الصعب التسليم بالنتائج التي توصل إليها منحاس حول ظاهرة تبديل أو انعكاس كثافة عناصر الإنتاج فطريقة التحليل التي اتبعها الصناعات التي اختارها حقلا لبحوثه التطبيقية تعرضت لانتقادات شديدة من جانب كثير من الاقتصاديين لعدم صحة الأسس والمعايير التي وضعها لاختيار هذه الصناعات ومن هنا فإن الشكوك التي أراد منحاس إثارتها حول نظرية هكشر – أولين انتهت إلى إثارة شكوك أقوى حول طريقة تحليله ونتائجه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق