تمثل نظرية تشابه هيكل الدخل أو التفضيل تحديا خطيرا لنموذج هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج فلقد قدم الاقتصادي السويدي لندر نموذجا لتفسير التجارة الخارجية يختلف من ناحية المنهج والمضمون عن كل من النظرية التقليدية ونظرية هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج هذه الاختلافات يمكن إجمالها فيما يلي :
تستخدم كل من النظرية التقليدية ونظرية هكشر – أولين التحليل المقارن بحيث تقارن بين وضع التوازن في الاقتصاد القومي قبل قيام التجارة الخارجية ووضع التوازن في الاقتصاد القومي بعد قيام التجارة الخارجية . أما الاقتصادي لندر فإنه يتبع منهج التحليل الديناميكي بحيث لا يكتفي بمقارنة وضع التوازن قبل قيام التجارة الخارجية وبعدها بل يهتم أيضا بدراسة العوامل التي تؤدي إلى انتقال الاقتصاد القومي من وضع التوازن الأول إلى وضع التوازن الثاني .
يفترض كل من النظرية التقليدية ونظرية هكشر – أولين أن التجارة الخارجية تقوم بين دول متجانسة الأمر الذي يعني عدم الأخذ بالتفرقة القائمة في الاقتصاد الدولي بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية . أما نظرية لندر فترى أنه من أكثر الأخطاء التي وقعت فيها هاتان النظريتان افتراضهما قيام التجارة الخارجية بين دول متجانسة وهو أمر يخالف حقائق الواقع الاقتصادي الذي نعيشه اليوم . فالدول الصناعية المتقدمة تتميز بمرونة الجهاز الإنتاجي بها وهو ما يعطيها القدرة على إعادة تخصيص الموارد الاقتصادية تجاوبا مع أي تغيرات تحدث في هيكل الأسعار وفرص التجارة الخارجية .
وعلى النقيد من ذلك تعاني الدول النامية من عدم مرونة الجهاز الإنتاجي بها وبالتالي من عدم قدرتها على إعادة تخصيص الموارد الاقتصادية استجابة للتغيرات التي تحدث في هيكل الأسعار وفرص التجارة الخارجية . مؤدي ذلك أن قيام التجارة الخارجية وما يترتب عليها من اختلاف هيكل الأسعار النسبية لأنواع السلع المختلفة ينعكس في اختلاف النتائج المترتبة على قيامها بين الدول المتقدمة والدول النامية .
(ج) لا تفرق كل من النظرية التقليدية ونظرية هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج بين القطاعات المختلفة للتجارة الخارجية فكلاهما يسعى إلى تقديم تفسير عام لأسباب قيام التجارة الخارجية في كل من المنتجات الأولية والمنتجات الصناعية النمطية وغير النمطية . أما نظرية لندر فإنها تفرق بين التجارة الخارجية في المنتجات الأولية والتجارة الخارجية في المنتجات الصناعية . وفيما يخص التجارة الخارجية في المنتجات الأولية فإنا التفسير الذي يقدمه لندر يتطابق مع التفسير الذي تقدمه نظرية هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج أي أن اختلاف نسب عناصر الإنتاج هو العامل المفسر لقيام التجارة الخارجية في السلع الأولية أما فيما يتعلق بالمنتجات الصناعية فإن نظرية لندر ترجع أسباب قيام التجارة الخارجية إلى عامل تشابه الدخل أو التفضيل. لذلك فإن نظرية لندر تعتمد في تفسيرها لقيام التجارة الخارجية في المنتجات الصناعية على عوامل تتعلق بجانب الطلب دون جانب العرض .
ولبيان كيف يمكن الاعتماد على عامل تشابه الدخل أو التفضيل في تفسير قيام التجارة الخارجية بين الدول يقيم لندر نظريته على أن توافر الشرطين التاليين يعد أمرا ضروريا لقيام التجارة الخارجية في السلع الصناعية :
يعتبر وجود طلب داخلي شرطا ضروريا ( وإن لم يكن كافيا ) لكي تدخل أي سلع صناعية في نطاق الصادرات . نفاد ذلك أن أي سلعة لابد وأن تنتج وتستهلك في الداخل قبل أن تتحول إلى سلعة تصديرية . فصادرات أي دولة تعتبر امتدادا طبيعيا للإنتاج والاستهلاك من أجل السوق الداخلي حيث يتواجد طلب من جانب الغالبية من السكان . ويكمن هذا الشرط وراء الحقيقة القائلة بأن قرارات المنتجين من أجل تحقيق أقصى ربح ممكن تتخذ في ضوء الفرص المتاحة بالسوق الداخلي حيث يكونون على علم بها . أما في حالة الصادرات فإن المنتجين يهابون الأسواق الدولية نظريا لعدم كمال المعرفة بأحوال وتغيرات هذه الأسواق . معنى ذلك أن معرفة المنتجين بفرص الربح المتاحة تكون أكبر في حالة السوق الداخلي عنه في حالة الأسواق الخارجية . ومع الإنتاج والاستهلاك من أجل السوق الداخلية تتوالد الميزة النسبية التي تؤهل السلعة محل الدراسة إلى الدخول بعد مضي الزمن في عداد السلع التصديرية .
والشرط الثاني – هو وثيق الصلة بالشرط الأول – يتلخص في تجارب تكوين المنتج لبلد معين مع هيكل الطلب الداخلي حيث تتجه الأسعار النسبية لهذه المنتجات إلى الانخفاض .
في ضوء هذين الشرطين يمكن القول بأن نظرية لندر تتخذ من الطلب محددا أساسيا للصادرات الصناعية . ولما كان الطلب يعتمد على دخلا الفرد في المتوسط فإنه يمكن وصف الدول الصناعية المتقدمة بتشابه هيكل الطلب الداخلي بها نظرا لتقارب مستويات الدخول الفردية في هذه الدول . لذلك نستنتج هذه النظرية العلاقة الدالية بين كثافة التجارة الخارجية في المنتجات الصناعية وهيكل الطلب الداخلي في الدول الصناعية المتقدمة . فتشابه هياكل الطلب الداخلية في الدول ينعكس في صورة ارتفاع كثافة التجارة الخارجية في المنتجات الصناعية المنتمية إلى إقليم اقتصادي معين كنتيجة لتشابه مستويات الدخول الفردية بين هذه الدول . أما إذا تباينت ظروف وهياكل الطلب الداخلية فإن ذلك ينعكس في صورة انخفاض كثافة التجارة الخارجية بين الدول. ولما كانت الدول الصناعية المتقدمة المتشابهة في مستويات الدخول الفردية فإن ذلك يشجع على قيام التجارة الخارجية بين الدول الصناعية المتقدمة في المنتجات حيث تعتمد بنودا في كل من صادرات وواردات هذه الدول . وكنتيجة لتباين مستويات الدخول الفردية بين الدول الصناعية المتقدمة في جانب والدول النامية في جانبي آخر تنخفض درجة كثافة التجارة الخارجية بين هاتين المجموعتين من الدول وبناء عليه فإن نظرية لندر تقدم تفسيرين للتجارة الخارجية بين الدول : يعتمد التفسير الأول منها على التشابه في هيكل الطلب مقاسا بدخل الفرد في المتوسط ويشرح قيام التجارة الخارجية بين الدول الصناعية المتقدمة . أما التفسير الثاني فيعتمد على التباين في هيكل الطلب مقاسا بدخل الفرد في المتوسط ويقدم تفسيرا للتجارة الخارجية بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية . وهذه خطوة أخرى سلكتها نظرية لندر نحو تفسير أكثر اقترابا من حقائق الاقتصاد العالمي متمثلا في التفرقة بين مشكلات التجارة الخارجية للدول المتقدمة ومشكلات التجارة الخارجية للدول النامية .
ولقد حاول عدد من الاقتصاديين في مقدمتهم هوفباور ولينيمان اختيار علاقة الارتباط الموجبة بين كثافة التجارة الخارجية وتشابه هياكل الطلب الداخلية وهي العلاقة التي توصلت إليها نظرية لندر . غير أن هذين الكاتبين لم يتمكنا من خلال دراساتهما التطبيقية إثبات هذه العلاقة . وهو ما يفقد نظرية لندر مقدرتها على تفسير الواقع الاقتصادي رغم احتوائها على عناصر جديدة تميزها عن كل من النظرية الكلاسيكية ونظرية هكشر – أولين ويفسر كتاب النظرية التكنولوجية في التجارة الخارجية وفي مقدمتهم هيرش هذا التناقض بين نظرية لند وحقائق الواقع الاقتصادي بأن هذه النظرية الأخيرة تحتوي على عناصر يمكن الاعتماد عليها في تفسير التجارة الخارجية في سلع دورة المنتج أو السلع المتقدمة تكنولوجيا أكثر من اعتبارها نظرية تقدم بديلا كاملا لنظرية هكشر – أولين . ومن هنا يتضح أن نظرية لندر لا تقدم تفسيرا متكاملا لكافة قطاعات التجارة الخارجية وإنما إلى إحداها فقط وهي التجارة الخارجية في المنتجات الصناعية غير النمطية وعلى نحو ما سوف ترى عند دراستنا للمناهج التكنولوجية فإن هذا التفسير الذي قدمته نظرية لندر يمكن إدماجه مع عناصر هذه النظرية لتطوير وتعديل نظرية هكشر – أولين لجعلها أكثر واقعية وأكثر قدرة على تفسير ظواهر الاقتصاد العالمي .
وفي مقابل المناهج الثلاث السابق شرحها – والتي تهدف إلى هدم نظرية هكشر - أولين لنسب عناصر الإنتاج وتقديم تفسيرات نظرية بديلة لها – توجد ثلاث نظريات بديلة أخرى تسعى كل منها إلى محاولة تعديل وتطويع نظرية هكشر – أولين لجعلها أكثر ملائمة وانطباقا على ظواهر العالم الاقتصادي الواقعي من خلال إحداث تعديلات جوهرية في الفروض المقيدة بنظرية هكشر – أولين وبالتالي من تعديل النتائج التي توصلت إليها هذه النظرية وسبق بيانها من قبل .
هذه النظريات الثلاثة تتفق مع نظرية هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج في وجوب الاعتماد على تفسير أسبابي قيام التجارة الخارجية من خلال العوامل المتعلقة بجانب العرض وهي لذلك لا تذكر الدول الذي يضطلع بع عامل نسب كميات عناصر الإنتاج في اختلاف المزايا النسبية الطبيعية وبالتالي قيام التجارة الخارجية بين الدول غير أن نقطة الاختلاف الجوهرية بين نظرية هكشر – أولين هذه النظريات الثلاث تنحصر في وجود مصادر أخرى لاختلاف المزايا النسبية وبالتالي قيام التجارة الخارجية بين الدول. هذه المصادر الجديدة لاختلاف المزايا النسبية المكتسبة يمكن إجمالها فيما يلي:
عنصر رأس المال الإنساني أو البشري وهو ما يعرف أيضا بالأيدي العاملة الماهرة .
اقتصاديات الحجم أو وفورات الإنتاج الكبير .
البحوث والتطور التكنولوجي .
ويميل البعض إلى تسمية هذه النظريات الثلاث باسم نظريات هكشر – أولين الجديدة . ومن هذه النظريات ما يتفق مع نظرية هكشر – أولين في مناهج التحليل الاستاتيكي المقارن مثل نظرية نسب عناصر الإنتاج الجديدة القائمة على أي افتراض أن عنصر العمل الماهر أو رأس المال الإنساني يشكل أحد عناصر الإنتاج الرئيسية التي لا يمكن تجاهلها عند تحليل قيام التجارة الخارجية بين الدول . أما النظريتان الأخريتان فتتخذان من مناهج التحليل الديناميكي قاعدة لها وتسلط الأضواء على دور اقتصاديات الحجم والبحوث والتطور والفجوة التكنولوجية ودورة المنتج باعتبارها عناصر جديدة وهامة لا يمكن إغفالها عند محاولة تقديم وتفسير واقعي للتجارة الخارجية . فهي بذلك تحاول المزج بين العناصر الاستاتيكية التي تحتويها نظرية هكشر – أولين القديمة وبين العناصر الديناميكية التي تشكل جوهر التبادل التجاري بين الدول في عالم اليوم . هاتان النظريتان هما نظرية اقتصاديات الحجم والنظرية التكنولوجية وفيما يلي نقدم تحليلا مختصرا لمحاولات هذه النظريات الثلاث لتطعيم نظرية هكشر – أولين بفروض وعناصر أكثر واقعية وملائمة لخصائص الاقتصاد العالمي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق