يعتمد هذا الأسلوب الذي اقترحه صندوق النقد الدولي عام 1949 على التفرقة بين طائفة المعاملات الاقتصادية المستقلة وطائفة المعاملات الاقتصادية أو التعويضية وبالتالي التفرقة بين ميزان المعاملات الاقتصادية المستقلة وميزان المعاملات الاقتصادية التابعة أو التعويضية أو الموازنة
ويقصد بالمعاملات الاقتصادية المستقلة أو الذاتية :
تلك المعاملات الخاصة أو العامة التي تتم بصرف النظر عن حالة ميزان المدفوعات أي دون العمل على توجيه ميزان المدفوعات في اتجاه معين .
وترجع أسباب إتمام هذه المعاملات إلى الاختلاف في مستويات الأسعار والدخول وأسعار الفائدة بين الدول .
ولذلك كانت هذه المعاملات اختيارية لأنها تتم بقصد تحقيق أرباح أو إشباع رغبة اقتصادية لدى المقيمين داخل الدولة
تشمل هذه الطائفة من المعاملات الاقتصادية المستقلة أو الذاتية على البنود التالية :
جميع أنواع الصادرات والواردات المنظورة وغير المنظورة
مصدرين والمستوردين يقومون بعمليات التصدير والاستيراد ليس بقصد تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات وإنما نتيجة للفروق في الأسعار الدولية ولتحقيق رغبات المستهلكين .
التحويلات من جانب واحد
التي تهدف غالبا إلى التقليل من التفاوت في مستويات الدخول بين الدول المختلفة أو المقيمين فيها .
حركات رؤوس الأموال الخاصة طويلة الأجل
نظرا لأنها تتم سعيا للاستفادة من الاختلافات الدولية في أسعار الفائدة أو بهدف تحقيق ربح من خلال الدخول في شركات ومشروعات مشتركة أو ملكية كاملة للمشروعات في الخارج
بعض رؤوس الأموال قصيرة الأجل التي تتحرك بهدف المضاربة أو هربا من عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية الداخلية
فهذه المعاملات لا تتم سعيا وراء تحقيق توازن ميزان المدفوعات وإنما تتم هربا من الأوضاع القائمة أو بهدف الاستفادة من فروق العملات .
وفيما يتعلق بطائفة المعاملات الاقتصادية التابعة أو التعويضية أو الموازنة فإنها تتم في ضوء موقف وحالة ميزان المدفوعات فهي تتم عندما يحدث اختلاف بين الجانب الدائن والجانب المدين
غير أن المعاملات الاقتصادية المستقلة تهدف إلى تحقيق التوازن بين هذين الجانبين وبالتالي تحقيق التعادل الحسابي لميزان المدفوعات .
في ضوء هذه التعريفات فإن المعاملات الاقتصادية المستقلة توضع فوق الخط الفاصل والمعاملات الاقتصادية التابعة توضع تحت الخط الفاصل
وكقاعدة عامة يمكن القول أن ميزان المدفوعات به فائض إذا كان مجموع المعاملات الاقتصادية المستقلة الدائنة ( المتحصلات المستقلة ) أكبر من مجموع المعاملات الاقتصادية المستقلة المدينة ( المدفوعات المستقلة )
وبطريقة مماثلة يمكن القول أن الدولة تعاني من عجز ميزان مدفوعاتها إذا كانت المعاملات الاقتصادية المستقلة المدينة أكبر من المعاملات الاقتصادية المستقلة الدائنة .
غير أنه على الرغم من أن الفصل بين المعاملات الاقتصادية المستقلة والمعاملات الاقتصادية التابعة يشد انتباه كثير من الكتاب – وفي مقدمتهم هابرلار ميد – كمعيار لتحديد مقدار العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات ، إلا أن هذا المعيار يصطدم بكثير من العقبات التطبيقية عند تحديد تلك المعاملات الاقتصادية المستقلة وتلك المعادلات الاقتصادية التابعة . هذه العقبات التطبيقية تعود في المقام الأول إلى اتخاذ الدافع أو الحافز وراء المعاملة الاقتصادية باعتباره الفيصل في مجال التفرقة بين المعاملات المستقلة والمعاملات التابعة ، فعلى سبيل المثال فإن حصول الدولة على قرض من العالم الخارجي قد يكون بهدف سد العجز في ميزانية الدولة ( في هذه الحالة يعتبر معاملة مستقلة ) أو قد يكون الهدف من ورائه زيادة الاحتياطي المركزي من الذهب والصرف الأجنبي ( وفي هذه الحالة يعتبر معاملة تابعة ) أو قد يكن لتحقيق كلا الهدفين . ولقد كانت هذه الصعوبات التطبيقية هي التي دفعت لجنة بيرنستين في بحثها الذي أجرته حول المناهج الإحصائية لميزان المدفوعات الأمريكي إلى التوصية بالتخلي عن الدافع أو الحافز من وراء إتمام المعاملة الاقتصادية كمعيار للفصل بين المعاملات الاقتصادية المستقلة والمعاملات الاقتصادية التابعة . ولما كانت السلطات النقدية والمالية في رأي هذه اللجنة هي المسئولة عن معالجة الخلل في ميزان المدفوعات ، فلقد اقترحت لذلك قصر طائفة المعاملات الاقتصادية التابعة على المعاملات الاقتصادية الخاصة بالاحتياطيات النقدية وفي مقدمتها الاحتياطي المركزي من الذهب والصرف الأجنبي ، ومركز الدولة الصافي لدى صندوق النقد الدولي . وغني عن البيان فإن هذا الاقتراح يعيدنا إلى الأخذ بمعيار الميزان الصافي للسيولة حيث تعتبر المعاملات الاقتصادية التابعة هي تلك المعاملات الواردة في الميزان الصافي للسيولة .
ومن الانتقادات التي وجهت إلى هذا المعيار أيضا ما لفت إليه الأنظار الاقتصادي ميد من أنه من المتوقع أن تزداد المعاملات الاقتصادية المستقلة المدينة عن المعاملات الاقتصادية المستقلة الدائنة ( عجز في ميزان المدفوعات ) . ومع ذلك تلجأ الدولة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الهادفة إلى تقييد الواردات لسد العجز في ميزان المدفوعات . وقد تلجأ إلى اتخاذ إجراءات للرقابة على الصرف الأجنبي فتحول دون ظهور العجز في ميزان المدفوعات ، وبالتالي فإن التوازن الحادث لميزان المدفوعات هو توازن مصطنع يزول بزوال الإجراءات النقيدية التي فرضتها الدولة على عدد من البنود التي يضمها ميزان المدفوعات ، من هنا فإن وجود هذه الإجراءات الحمائية علامة واضحة على وجود خلل في ميزان المدفوعات . لذلك يقترح الاقتصادي ميد ضرورة التفرقة بين نوعين من العجز الاقتصادي في ميزان المدفوعات :
العجز الكامن في ميزان المدفوعات وهو يعادل رصيد ميزان المعاملات الاقتصادية التابعة في خلال فترة زمنية معينة لا تقترن بوجود إجراءات تقيدية على الواردات أو على الصادرات من رؤوس الأموال . هذه الإجراءات تهدف إلى القضاء على العجز في ميزان المدفوعات .
العجز الفعلي وهو العجز الظاهر في ميزان المدفوعات والذي يعادل رصيد ميزان المعاملات الاقتصادية التابعة في حالة قيام الدولة بفرض إجراءات تقيدية للواردات أو التأثير على الصادرات من رؤوس الأموال خلال فترة زمنية معينة .
غير أن هذه التفرقة بين العجز الكامن والعجز الفعلي تفقد أهميتها في حالة إتباع دول العالم المختلفة لسياسات حرية التجارة الخارجية والسماح لعملاتها الوطنية بالقابلية للتحويل بعملات الدول الأخرى . ففي هذه الحالة يتطابق العجز الكامن مع العجز الفعلي لميزان المدفوعات .
التوازن السوقي لميزان المدفوعات :
اتضح لنا من التحليل المتقدم لمعايير التوازن الاقتصادي لميزان المدفوعات أن هذه المعايير تستخدم اصطلاحا العجز أو الفائض للدلالة على اختلال ميزان المدفوعات على أن ميزان المدفوعات متوازن اقتصاديا . غير أن هذه النتيجة تعرضت للهجوم من جانب عدد من الاقتصاديين في مقدمتهم ماخلوب وشنايدر على أساس أن تفسير اصطلاح التوازن الاقتصادي لميزان المدفوعات لم يخرج عن دائرة المفاهيم الحسابية . أو بتعبير متكافئ أن شرط التوازن الاقتصادي لميزان المدفوعات ترجم في النهاية إلى معادلة حسابية مفادها أن التوازن الاقتصادي يتحقق عندما يصبح رصيد ميزان المعاملات المستقلة مساويا للصفر .
يقترح هؤلاء الكتاب كبديل للمعايير الأربعة السابقة ضرورة ربط التوازن الاقتصادي لميزان المدفوعات بمفاهيم قوى السوق الممثلة في قوى الطلب على الصرف الأجنبي وعرض الصرف الأجنبي . ومن هنا يمكن القول أن ميزان المدفوعات يتوازن اقتصاديا حينما يتطابق عرض الصرف الأجنبي مع الطلب على الصرف الأجنبي خلال الفترة محل الدراسة ، أي أن توازن ميزان المدفوعات يناظره توازنا بين العرض والطلب في سوق الصرف الأجنبي ، وهذا هو شرط التوازن السوقي لميزان المدفوعات ، ويمكن التعبير عن هذا الشرط بصورة أكثر تفصيلا على الوجه التالي :
قيمة الصادرات + قيمة واردات رؤوس الأموال + قيمة التحويلات من الخارج ( مصادر عرض الصرف الأجنبي ) = قيمة الواردات + قيمة صادرات رؤوس الأموال + قيمة التحويلات إلى الخارج ( مصادر الطلب على الصرف الأجنبي ) .
أو بصياغة أخرى :
( قيمة الصادرات + قيمة واردات رؤوس الأموال + قيمة التحويلات من الخارج ) – قيمة الواردات + قيمة صادرات رؤوس الأموال + قيمة التحويلات إلى الخارج ) = صفر .
وسوف نتناول هذا الشرط بصورة أكثر تفصيلا عند استعراضنا لنظرية الصرف الأجنبي في الفصل القادم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق