free counters

ميزان المدفوعات

| |

اتضح للقارئ من دراسته للنظريات البحتة في التجارة الخارجية أن العلاقات الاقتصادية الخارجية التي تربط بين اقتصاد ما واقتصاديات العالم الخارجي حقيقة واقعة . واتضح له أيضا أن هذه العلاقات تعكس قرارات المقيمين ومن مستهلكين ومنتجين . فهي تعكس قرارات المستهلكين من حيث طلبهم على السلع المحلية أو طلبهم الأجنبي على السلع المنتجة في اقتصاديات العالم الخارجي . كما أنها أيضا تعكس قرارات المنتجين من حيث طلبهم على عناصر الإنتاج المختلفة وعرضهم للسلع المنتجة محليا أو المنتجة في الخارج بما يتناسب مع حجم ورغبات السوقيين المحلي والعالمي . كذلك فهذه العلاقات تعكس قرارات غير المقيمين من مستهلكين ومنتجين من حيث طلبهم وعرضهم للسلع التي تتناسب مع حجم السوق المحلي وتأثيرهم على هيكل الاستثمار القومي من خلال اشتراكهم مباشرة في إقامة مشاريع مشتركة أو كاملة داخل الاقتصاد القومي . يضاف إلى ذلك أن هذه العلاقات الاقتصادية الخارجية تعكس قرارات ودور الدولة في سعيها لتحقيق تقدم الاقتصاد القومي وما تتبعه من سياسات اقتصادية تؤثر وتحدد من خلالها حجم ونوع التبادل الاقتصادي مع العالم الخارجي .
ولأهمية هذه العلاقات الاقتصادية الخارجية تلجأ الدول المختلفة إلى تسجيلها في شكل حسابات خاصة تعرف باسم حسابات ميزان المدفوعات .
تعريف ميزان المدفوعات :
يعرف ميزان المدفوعات لدولة ما بأنه عبارة عن سجل لكافة المعاملات الاقتصادية الخارجية التي تتم بين المقيمين في دولة معينة والمقيمين في الخارج خلال فترة زمنية معينة عادة سنة واحدة ويطرح التعريف المتقدم عددا من التساؤلات تدور حول ما تضمنه المصطلحات التي يشتمل عليها وفي مقدمتها :
المعاملات الاقتصادية :
المعاملات الاقتصادية التي تقيد في ميزان المدفوعات ليست من طبيعة واحدة فمن هذه المعاملات ما يجب للبلد محل الدراسة إيرادا خارجيا ومنها ما يلزم البلد بمدفوعات للعالم الخارجي . وعليها فإن ميزان المدفوعات هو سجل لكافة التحصيلات والمدفوعات التي تؤدي حاليا أو مستقبلا إلى تسوية نقدية سواء كانت هذه التسوية تتم نقدا أو عن طريق الائتمان كذلك يتسع مضمون هذا الاصطلاح ليشمل أيضا تلك المعاملات التي ليس لها مقابل مادي مثل الهبات والتعويضات .
تحديد مفهوم الدولة :
يتسع مفهوم الدولة ليشمل كافة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين ( الشركات والمؤسسات التجارية والمالية والوكالات التجارية ) الذين يزاولون نشاطهم داخل إقليم الدولة بما في ذلك مياهها الإقليمية ومجالها الجوي يضاف إلى ذلك السفن والقطارات التي تحمل علم الدولة وأساطيل الصيد في المياه الدولية التي تدار عن طريق رعاياها . والأصل في ذلك هو خضوع الأفراد والشركات لتوجيهات وقوانين الدولة وتمتعهم بحمايتها عند الضرورة .
تحديد المقصود بالمقيم :
طبقا للمفاهيم العلمية المعمول بها في إحصاءات موازين المدفوعات فإن المقيم هو أي شخص طبيعي أو معنوي تربطه علاقات قوية بإقليم الدولة ويخضع لقوانينها ويتمتع بحمايتها وقت اللزوم ولا يشترط لكي يكون الشخص مقيما بالنسبة لبلد معين أن يقطن هذا البلد بصفة دائمة . فالمسافرين والسائحين القادمين من بلاد أخرى يعتبرون في حكم ( غير المقيمين ) لأن موطن إقامتهم الأصلي والدائم ليس في الدولة محل الدراسة وإنما محل إقامتهم هو موطنهم الأصلي . كذلك الحال بالنسبة لأعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي والقوات الأجنبية المرابطة داخل حدود الدولة يعتبرون في حكم غير المقيمين . وبناء عليه فإن المعاملات الاقتصادية التي تتم بين هذه الوحدات الاقتصادية والمقيمين تعتبر معاملات اقتصادية تتم بين الداخل والخارج وتسجل على هذا النحو في ميزان المدفوعات .
خلاصة ما تقدم هو أنه لا يشترط لمي يكون الشخص مقيما بالنسبة لبلد معين أن يقطن هذا البلد بصفة دائمة كما أنه لا يجوز أن يفهم من ذلك أن المقيم هو المتمتع بجنسية البلد حتى وإن ابتعد عنه فالشركات الأجنبية التي تزاول نشاطا في بلاد غير تلك التي تتبعها تعتبر مقيمة من وجهة نظر ميزان المدفوعات لتلك البلاد وغير مقيمة من وجهة نظر ميزان مدفوعات البلاد التي تتبعها .
الفترة الزمنية التي يغطيها الميزان :
يغطي ميزان المدفوعات فترة زمنية معينة هي في المعتاد سنة واحدة . وهنا لا توجد قاعدة محددة لبداية هذه السنة أو نهايتها ، فمن الدول من يتبع التقويم الميلادي بأن تبدأ فترة الحساب في أول يناير وتنتهي في نهاية شهر ديسمبر . بينما تتبع دول أخرى مثل اليابان ومصر تقويما يبدأ من خلال السنة الميلادية ، بالإضافة إلى ذلك تقوم الجهات المختصة في الكثير من الدول بإعداد تقديرات ربع سنوية أو نصف سنوية ، أو كل خمسة أو عشرة سنوات تستخدم كمؤشرات لتوجيه دقة السياسات الاقتصادية لهذه الدول .
الوظائف التي يؤديها ميزان المدفوعات :
يؤدي ميزان المدفوعات طبقا للتعريف المتقدم عددا من الوظائف الاقتصادية الهامة يمكن إيجازها فيما يلي :
تقديم معلومات هامة عن الدرجة التي يرتبط بها الاقتصاد القومي محل الدراسة واقتصاديات العالم الخارجي . فإذا توافرت البيانات الخاصة بسلسلة زمنية لأعطتنا مزيدا من التفصيلات عن التطور الزمني والتحولات الهيكلية للمعاملات الاقتصادية الدولية التي مر بها الاقتصاد القومي محل الدراسة .
معاونة واضعي السياسة الاقتصادية في توجيه دفه الأمور بالبلاد نظرا لأنه في كثير من الأحيان ترتبط الإجراءات المالية والنقدية بحالة ميزان المدفوعات لتلك الدولة .
تعتبر البيانات الواردة في ميزان المدفوعات أداة للتقييم والتفسير العلمي لكثير من الظواهر الاقتصادية المرتبطة بالاقتصاد العالمي .
عناصر ميزان المدفوعات :
ذكرنا حالا أن ميزان المدفوعات عبارة عن حصر دقيق لكافة العلاقات الاقتصادية ، التي تتم خلال فترة زمنية معينة – عادة سنة – بين المقيمين في بلد معين وغير المقيمين في هذا البلد ، وهو بهذه الصفة حصر شامل للعديد من العمليات الاقتصادية بعضها عمليات بيع وبعضها عمليات شراء وبعضها تحويلات رأسمالية في اتجاه أو في آخر . لذلك يقتضي الأمر معرفة أهم العناصر التي يتكون منها ميزان المدفوعات ، وفي هذا الصدد ينقسم ميزان المدفوعات إلى عنصرين رئيسيين هما : التجارة المنظورة وغير المنظورة ، والتحويلات الرأسمالية .
وفيما يلي عرض تفصيلي لهذين العنصرين :
التجارة المنظورة وغير المنظورة :
يفرق المنظرون بين التجارة الخارجية في السلع من ناحية ، والتجارة الخارجية في الخدمات من ناحية أخرى . ويطلق على الأولى التجارة المنظورة أو الميزان التجاري المنظور ويطلق على الثانية التجارة غير المنظورة أو التجارة غير المرئية .
وتضم التجارة المنظورة كلا من الصادرات والواردات السلعية . فالصادرات هي السلع التي يبيعها المقيمون في بلد ما إلى غير المقيمين والتي تنتقل إليهم عبر الحدود الدولية . كما أن الواردات هي السلع التي يشتريها المقيمون في بلد ما من غير القيمين وتأتي إليهم عبر الحدود الدولية . وفي النهاية فهي سلع مادية محسوسة تمر تحت نظر السلطات الجمركية عند انتقالها من بلد إلى آخر .
أما التجارة غير المنظورة فتضم كلا من الصادرات والواردات غير المنظورة .
فقد يؤدي المقيمون في دولة ما خدمات إلى غير المقيمين يترتب عليها انتقال النقود عبر الحدود الدولية ثمنا لهذه الخدمات . وقد يؤدي أيضا غير المقيمين خدمات إلى المقيمين ويترتب عليها انتقال النقود عبر الحدود الدولية ثمنا لهذه الخدمات . هذه الخدمات تسمى بالنسبة للبلد التي تتلقاها واردات غير منظورة ، فهي صادرات أو واردات لأن ثمة ثمن لها ينتقل عبر الحدود الدولية ، لكنها غير منظورة لأنها تقع تحت بصر رجال الجمارك ولا يحصونها في سجلاتهم . وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الصادرات والواردات غير المنظورة تشمل طائفة كبيرة من المعاملات الاقتصادية غير المتجانسة والتي تحمل أسماء متباينة يصعب وضعها في مكان آخر بين التقسيمات المختلفة لميزان المدفوعات على نحو ما يتضح من الأمثلة التالية :
خدمات النقل : من هذا القبيل الخدمات التي تؤديها الهيئة العامة لقناة السويس عندما تسمح للسفن المملوكة لغير المقيمين بالمرور في القناة ، والخدمات التي تؤديها شركات الملاحة والطيران المصرية عندما تقوم بنقل الأشخاص الذين يقيمون بالخارج أو بنقل السلع لحسابهم.
خدمات السياحة : وهذا ينقل أشخاص إقامتهم المعتادة أو المستقرة في الخارج إلى داخل بلد معين للإقامة المؤقتة فيه وينفقون خلال هذه الإقامة المؤقتة نقودا حملوها معهم من الخارج على شراء مختلف السلع والخدمات التي يحتاجون إليها . ومن قبيل الخدمات السياحية الخدمات التي يتلقاها من يأتون من الخارج للإقامة بصفة مؤقتة لأغراض التعليم أو العلاج أو التمثيل الدبلوماسي لبلادهم وما إلى ذلك .
التأمين : قد تقوم شركات التأمين المقيمة في بلد ما بعمليات لصالح غير المقيمين ، هذه العمليات هي نوع من المعاملات الاقتصادية الدولية حيث يترتب عليها انتقال أقساط التأمين من البلد الأجنبي إلى البلد القائم بالتأمين . وقد ترتب عليها في الاتجاه المقابل انتقال النقود من البلد القائم بالتأمين إلى البلد الأجنبي إذا تحقق السبب الموجب لدفع المبلغ المؤمن به .
دخول العمل : قد ينتقل المقيمون في بلد ما إلى بلد أجنبي بصفة مؤقتة للعمل به أو لأداء خدمات مهنية فنية دون أن تنقطع صلتهم بالبلد الذي قدموا منه ويكتسبون في البلد الذي انتقلوا إليه دخولا مختلفة يحولون جانبا منها إلى البلد الذي قدموا منه ، عندئذ فإن هذه العملية كلها ممثلة في العمل الذي تحقق في البلد الأجنبي ، والدخول التي حولت منها تكتسب صفة المعاملات الاقتصادية الدولية إذ يترتب عليها انتقال النقود عبر الحدود الدولية من بلد إلى آخر .
عوائد رأس المال : يترتب على ممارسة رأس المال المملوك للمقيمين في بلد ما نشاط اقتصادي في بلد آخر ، وحصوله على عوائد مختلفة قد تأخذ شكل أرباح أو فوائد أو ريع يتم رصدها لحساب رأس المال الأجنبي وتعبر الحدود الدولية التي اكتسبت فيه إلى البلد الذي يقيم فيه أصحاب رأس المال .
ومن أمثلة على ذلك الأرباح التي تحققها شركات البترول التي تمارس نشاطها في الوطن العربي والفوائد عن القروض التي تقدمها مصر إلى الدول المقرضة لها وريع الأراضي الزراعية أو العقارات المبنية التي كان يملكها غير المقيمين في مصر .
أما من حيث القيد في ميزان المدفوعات فإنه يمكن القول بصفة عامة أن الصادرات السلعية تقيد في جانب الأصول أو الجانب الدائن لأنها تؤدي إلى حصول البلد على متحصلات . وبطريقة مماثلة فإن الواردات السلعية تقيد في جانب الخصوم أو الجانب الدائن لميزان المدفوعات ، لأنها تلزم البلد القيام بمدفوعات للعالم الخارجي . ومع ذلك فإن العبرة هنا في حالة القيد في ميزان المدفوعات بعمليات التصدير والاستيراد سواء ترتب عليها حصول البلد على متحصلات أو قيامها بمدفوعات إلى العالم الخارجي خلال الفترة محل الدراسة أو خلال فترات مستقبلية .
وفي ضوء هذا التحليل يمكن صياغة القاعدة العامة التالية والمتعلقة بكيفية القيد في ميزان المدفوعات :
كل عملية يترتب عليها زيادة دائنية الدولة قبل الخارج أو نقص مديونية الدولة للخارج تدرج في جانب الأصول أو الجانب الدائن . وبطريقة مماثلة فإن كل عملية يترتب عليها زيادة مديونية الدولة للخارج أو نقص دائنيتها قبل الخارج تدرج في جانب الخصوم أو الجانب المدين .
وتصدق هذه القاعدة بالنسبة لكافة البنود التي يتضمنها القيد في ميزان المدفوعات . وبتعبير متكافئ يمكن القول إن كل عملية يترتب عليها طلب عملة البلد وعرض عملة بلد آخر تقيد في الجانب الدائن أو في جانب الأصول ، وكل عملية يترتب عليها عرض العملة الوطنية وطلب العملة الأجنبية تقيد في جانب الخصوم أو الجانب المدين .
وتعتبر هذه القاعدة تطبيقا للقواعد المعمول بها في نظرية القيد المزدوج . ومضمون هذه النظرية أن كل عملية تقيد في الجانب الدائن لميزان المدفوعات تقيد في نفس الوقت في الجانب المدين لهذا الميزان ، فالصادرات والواردات غير المنظورة المقيدة في ميزان المدفوعات تؤدي إلى قيود مضادة في الأجزاء الأخرى من هذا الميزان 
ويطلق على كل من ميزان التجارة المنظورة وميزان التجارة غير المنظورة معا اصطلاح ميزان المعاملات الجارية . وهو بهذه الصفة يشتمل على كافة المعاملات الاقتصادية التي تتم بين الدولة والعالم الخارجي والمترتبة على الإنتاج الجاري في نفس الفترة أو التي تؤثر في هذا الإنتاج . لذلك فهذه البنود عادة ما تكون لها صفة الدورية والتكرار نظرا لأن صادرات السلع والخدمات تعتبر مصدرا من مصادر الدخل الجاري . فالدخل القومي المصري في أية سنة من السنوات يتمثل فيما تنتجه مصر من سلع وخدمات . بعض هذه السلع والخدمات تباع محليا وبعضها يصدر إلى الخارج والدخل الناشئ عن الصادرات مثل الدخل الناشئ عما يباع محليا من حيث تدفقه سنة بعد أخرى ، فهو عنصر من عناصر الدخل الجاري .
كذلك الحال بالنسبة لواردات السلع والخدمات ، فالدخل القومي المصري ينفق على السلع والخدمات المختلفة سواء أكانت منتجة محليا أو مستوردة من الخارج . وما ينفق على واردات السلع والخدمات يعتبر عنصرا من عناصر الإنفاق الجاري . بعبارة متكافئة فإن البنود المختلفة في ميزان المعاملات الجارية تتميز بالدورية والتكرار سنة ابعد أخرى ، فهي في جانب المتحصلات تمثل دخلا دوريا متكررا ، وفي جانب المدفوعات تمثل وجها من وجوه الإنفاق الدورية المتكررة .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك تفرقة شائعة بين ميزان المعاملات الجارية بمعناه الضيق وميزان المعاملات الجارية بمعناه الواسع . ويشمل ميزان المعاملات الجارية بمعناه الضيق كلا من ميزان التجارة المنظورة + ميزان التجارة غير المنظورة ، أما الحساب الجاري بمعناه الواسع فيشمل كلا من :
الميزان الجاري بمعناه الضيق : " ميزان التجارة المنظورة + ميزان التجارة غير المنظورة " . وهو ما سبق بيانه .
ميزان التحويلات من جانب واحد : كافة المعاملات الاقتصادية الدولية التي تنتقل بمقتضاها النقود عبر الحدود الدولية دون مقابل . ومن أمثلة هذه المعاملات الهدايا التي يرسلها المقيمون إلى غير المقيمين أو العكس . ومن أمثلتها أيضا التعويضات طبقا للاتفاقيات الدولية المعقودة بين دولتين كما حدث بين ألمانيا الغربية وإسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية ومنها أيضا المنح التي تمنحها الدول المتقدمة والمنظمات الدولية إلى الدول النامية والدعم العربي للاقتصاد المصري في أعقاب مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الخرطوم عام 1969 .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن دول العالم قد اختلفت في تحديد مضمون الحساب الجاري فهناك من الدول من يفهم الحساب الجاري بمعناه الضيق ويقصره فقط على كل من ميزان التجارة المنظورة وميزان التجارة غير المنظورة وميزان التحويلات بلا مقابل في حساب واحد يطلق عليه اسم الحساب الجاري بمعناه الواسع  وفي هذه الدراسة إذا لم ينص صراحة على أن المقصود هو ميزان المعاملات الجارية بمعناه الواسع فإن معنى ذلك أن التعريف الضيق لميزان المعاملات التجارية هو التعريف محل الاعتبار .
ومن الموضوعات بالغة الأهمية والمرتبطة بتحديد البنود الواردة في الحساب الجاري تلك المتعلقة بكيفية تقييم الصادرات والواردات بعبارة أخرى افترض التحليل المتقدم أنه لا توجد صعوبات عملية عند تقييم البنود الواردة في ميزان المعاملات الجارية وفي حقيقة الأمر فإن الواقع العملي يثير مشكلتين رئيسيتين عند تقييم بنود ميزان المعاملات الجارية هما :
كيفية إضافة نفقات النقل والشحن والتأمين إلى قيمة كل من الصادرات والواردات والوقت الذي يجب أن تقيد على أساسه تيارات التجارة الخارجية . ونتناول هاتين المشكلتين تباعا على الوجه التالي :
ولتوضيح المشكلة الأولى نأخذ المثال التالي :
لنفترض أن سلعة ما قيمتها خمسين جنيها ( خمسون جنيها مصريا ) تحتسب كنفقات نقل ، شحن ، تأمين من ميناء التصدير إلى ميناء الاستيراد . معنى ذلك أن قيمة هذه السلعة تصبح ستين جنيها عند وصولها إلى ميناء الاستيراد ومن هنا يطرح السؤال التالي نفسه : ما هي القيمة التي يجب أن تحتسب على أساسها قيمة الواردات ؟ هل هي مبلغ خمسون جنيها مصريا أم مبلغ ستون جنيها مصريا ؟
في حقيقة الأمر فإن هاتين القيمتين يمكن الاعتماد عليهما ونحن بصدد تسجيل البنود الخاصة بالصادرات والواردات السلعية . فإذا أخذنا قيمة السلعة على أنها تعادل خمسين جنيها مصريا وقيل إن هذه القيمة هي قيمة السلعة في ميناء التصدير أي قيمتها مستبعدا منها نفقات النقل ، التأمين والشحن ويطلق على أساس التقييم هذا اسم " فوب " حيث :
F = Free
O = On
B = Board
أي قيمة السلعة على المركب عند خروجها من ميناء التصدير قبل أن يضاف إليها نفقات النقل ، التأمين والشحن من ميناء التصدير إلى ميناء الاستيراد .
أما إذا أخذنا القيمة الثانية للسلعة وهي ستون جنيها مصريا قيل أن هذه القيمة هي قيمة السلعة في ميناء الاستيراد أي قيمتها بعد إضافة نفقات النقل والتأمين والشحن من ميناء التصدير إلى ميناء الاستيراد ويطلق على هذه القيمة اسم " سيف " حيث :
C = Cost
I = Insurance
F = Freight
وفي ضوء هذه التعريفات يمكن القول أن تقييم السلعة على أساس نظام " فوب " يعني قيمة هذه السلعة قبل اختراقها لحدود الدولية للدولة التي أنتجتها وبالنسبة للدولة محل الاهتمام فإن تقييم الصادرات على أساس نظام " فوب " يعني أن هذه القيمة تعادل قيمة الصادرات في ميناء التصدير أي قبل اختراقها لحدود الدولة المعنية . تم تقييم الواردات على أساس نظام " فوب " إنما يعني أن هذه القيمة تعادل قيمة الواردات مستبعدا منها نفقات النقل ، التأمين والشحن من ميناء تصديرها إلى ميناء استيرادها من الدول محل الاهتمام . أما إذا أعيد تقييم كل من الصادرات والواردات على أساس نظام " سيف " فإن معنى ذلك أن هذا النظام يأخذ في حسابه نفقات النقل التأمين والشحن من ميناء التصدير إلى ميناء الاستيراد .
غير أنه من المتعارف عليه دوليا عند تقييم الصادرات فإنه يتبع نظام " فوب " وعند تقييم الواردات يتبع نظام " سيف " وهو يعادل نظام فوب + نفقات النقل والتأمين والشحن .
غير أن هناك طريقة ثالثة للتقييم تعرف باسم فاس حيث :
F = Free
A = Alongside
S = Ship
وتعتبر هذه الطريقة نظاما وسطا بين نظام " فوب " ونظام " سيف " ، فهي تستبعد نفقات الشحن عند احتساب قيمة التيارات السلعية ، إلا أنها تضم قيمة كل من نفقات التأمين والنقل .
ورغم أنه من المتعارف عليه دوليا أن الصادرات يتم تقييمها على أساس نظام " فوب " ، وأحيانا أخرى تلجأ بعض الدول إلى توحيد الأساس الذي يتم على أساسه تقييم كل من الصادرات والواردات عن طريق احتساب قيمتها على أساسا نظام " فوب " وفي ضوء هذا التوحيد فإن ميزان المدفوعات يصبح له وجه آخر كما يتضح من المثال الحسابي التالي :
نفترض في هذا المثال أن كلا من الصادرات والواردات تخضع في تقييمها تارة لنظام " فوب " وتخضع الواردات تارة أخرى لنظام " سيف " مع إبقاء الصادرات خاضعة لنظام " فوب " لكي نرى الفارق بين هذين النظامين ويتضح هذا الفارق بإلقاء النظر على كل من الجدولين رقمي (3) ، (5) : 
جدول رقم (3)
تقييم بنود الحساب الجاري على أساس نظام " فوب "
دائن
مدين
الصادرات على أساس نظام " فوب " 
500
الرصيد                             260
الواردات مقومة على أساس " فوب "
700
نفقات النقل                          60
المجموع                          760
المجموع                             760

وفي هذا الجدول يتضح لنا أن كلا الصادرات والواردات مقومة على أساس نظام " فوب " آخذة القيم التالية :
500 جنيه مصري قيمة الصادرات ، 700 جنيه مصري قيمة الواردات .
يضاف إلى ذلك أنه في حالة الواردات تقوم الدولة بإنفاق 100 جنيه مصري على نفقات النقل منها 60 جنيه مصريا على مشروعات النقل الخارجي ، 40 جنيه مصريا على مشروعات النقل الداخلي . لذلك وطبقا لهذا المعيار يصبح الرصيد المدين للميزان الجاري هو 260 جنيه مصريا .
أما إذا تم احتساب قيمة الواردات على أساس نظام " سيف " فإن البيانات السابقة تأخذ الصورة الموضحة في الجدول رقم (4) .
جدول رقم (4)
بنود الحساب الجاري المقومة على أساس 
نظام فوب للصادرات ونظام سيف للواردات
دائن
مدين
الصادرات مقومة على أساس " فوب "
500
نفقات نقل داخلية                  40
الرصيد                             260
الواردات على نظام " سيف "
800
المجموع                            800
800

فالواردات طبقا لتقييمها على أساس نظام " سيف " تزداد كما هو مبين في الجدول رقم (4) بمقدار 100 جنيه مصري أي بقيمة نفقات النقل الداخلية والخارجية . ونتيجة لذلك فإن قيمة الواردات لا ترتفع في هذه المرة بمقدار 60 جنيه مصريا كما هو الحال في جدول (3) استنادا إلى أن تقييم الواردات على أساس نظام " سيف " يتضامن هذه القيمة تلقائيا . أما القيمة المتبقية وهي 40 جنيها فإنها تمثل عائدا لمشروعات النقل الداخلي تستخدم لتنشيط عملية استيراد السلع الأجنبية داخل الدولة . ولما كان هذا الرقم تضمنته قيمة الواردات فإنه ينظر إليه على أنه صادرات غير منظورة يجب إضافتها إلى جانب الأصول أو الجانب الدائن .
أما المشكلة الثانية – كما ذكرنا من قبل – فإنها تدور حول مسألة الوقت الذي يجب على أساسه فيد البنود الواردة فيه ( ميزان المعاملات الجارية ) وفي هذا الخصوص فإنه يمكن القول أن هناك ثلاثة طرق يمكن على أساسها قيد المعاملات الاقتصادية الجارية :
عبور السلع المصدرة أو المستوردة للحدود  القومية للدولة محل الدراسة .
عند أداء المدفوعات .
توقيع الاتفاق الخاص بتسليم السلع المصدرة أو المستوردة .
ولا تنشأ مشاكل تتعلق باختلاف قيم ميزان المدفوعات نتيجة لاختلاف طرق التقييد إذا تحقق الشرطان التاليان :
ثبات حجم التيار السلعي مع مرور الزمن .
تساوي الفترات الزمنية بين وقت إتمام التعاقد ووقت التسليم ووقت الدفع .
فإذا تحقق هذان الشرطان في الحياة العملية فإن قيم ميزان المدفوعات لا تتغير نتيجة لإتباع إحدى الطرق الثلاثة السابقة دون الأخرى أما إذا حدث ولم يتصادف تطبيق هذه الشروط في الواقع العملي فإن النتيجة الحتمية هي تفاوت قيم ميزان المدفوعات تفاوتا كبيرا من طريقة إلى أخرى ويصبح موضوع البحث هنا عن أفضل الطرق التي يمكن إتباعها من بين الطرق الثلاث السابق الإشارة إليها. وتأتي أهمية هذه النقطة في ضوء ما تعانيه كل طريقة من هذه الطرق الثلاث من قصور مما يوجه إليها من نقض فإذا حدثت زيادة كبيرة في الواردات ولم تتم المدفوعات في الفترة التي شهدت هذه الزيادة وإنما يتم الدفع في فترة تالية ثم تم القيد طبقا للطرية الثانية على أساسي الدفع فطبقا لهذه الطريقة لن يتم تقييد الزيادة الكبيرة التي حدثت في الفترة التي شهدتها وإنما في فترة أخرى وهو ما لا يتسم مع الواقع حيث أن فترة أداء الدفع غير الفترة التي شهدت زيادة الواردات . كذلك إذا تم إتباع الطريقة الثالثة وتم التعاقد على شراء كميات كبيرة من السلع من الخارج على أن يتم السليم في العام القادم فهذه الطريقة تعطي صورة غير واقعية حيث أن فترة التعاقد ليست هي فترة التسليم مما تعطي صورة خاطئة عن حجم الاستيراد في الفترة التي أجرى التعاقد بشأنها . وفي ضوء هذه الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى الطريقتين الثانية والثالثة وما يترتب على الأخذ بهما من إعطاء صورة غير واقعية عن البنود التي يتم قيدها في الحساب الجاري يصبح من الأفضل تقييد الواردات والصادرات في نفس السنة التي تعبر فيها الحدود القومية ( الطريقة الأولى ) وليس في نفس العام الذي يتم فيه الدفع أو يتم فيه إجراء التعاقدات الخاصة بالتسليم في سنوات لاحقة .
التحويلات الرأسمالية :
يقصد بالتحويلات الرأسمالية كافة المعاملات الرأسمالية التي تؤثر على دائنية البند دون أن يكون لها علاقة بالإنتاج في الفترة الجارية ولا تؤثر عليه رغم أن لها علاقة بالإنتاج في فترة ماضية أو التأثير على الإنتاج في فترة مستقبلية .
ومن هنا أيضا نستطيع أن ندرك وجه التفرقة بين ميزان المعاملات الجارية وميزان رأس المال . فالأول يتضمن كما أشرنا من قبل على تلك البنود التي تتكرر سنة بعد أخرى بحيث يمكن التعويل عليها كمصدر من مصادر الإيرادات ويتعين مراعاتها كموجه من وجوه الإنفاق . أما التحويلات الرأسمالية فإنها لا تتميز بالدورية أو التكرار فإذا حصلت مصر في سنة معينة على إيراد عن طريق الاقتراض من الخارج فإنها لا تستطيع التعويل على تكراره في السنة التالية فالإيراد هنا لا يعتبر مصدرا من مصادر الدخل القومي كذلك إذا أقرضت الحكومة المصرية مبلغا لحكومة أجنبية فليس معنى ذلك قيام الحكومة المصرية بهذا النوع من المدفوعات سنة بعد أخرى .
وكما هو الحال بالنسبة لميزان المعاملات الجارية يتم التفرقة أيضا بين ميزان رأس المال بمعناه الضيق وميزان رأس المال بمعناه الواسع ويشمل حساب رأس المال بمعناه الضيق جميع حركات رؤوس الأموال قصيرة وطويلة الأجل بمعنى جميع المعاملات الرأسمالية التي يترتب عليها إحداث تغيير في دائنية البلد محل الدراسة قبل اقتصاديات العالم الخارجي . وتمثل دائنية البلد جميع الحقوق الاقتصادية لهذا البلد قبل الثروات القومية لبلاد العالم الخارجي أما مديونية البلد فتشمل جميع الالتزامات التي للدولة على العالم الخارجي . أو بتعديل متكافئ حقوق العالم الخارجي على الثروة الوطنية للبلد محل الدراسة . ويمثل الرصيد الناشئ عن الفروق بين حقوق والتزامات الدولة قبل العالم الخارجي المركز الصافي الخارجي للدولة أو ثروتها الأجنبية الصافية ويأخذ المركز الصافي الخارجي لاقتصاد ما في التزايد حينما تكون حقوق الدولة من خلال شركات رؤوس الأموال أكبر وتكون الالتزامات الناشئة عن حركات رؤوس الأموال أقل .
وتتمثل حركات رؤوس الأموال قصيرة الأجل في التعامل في الأصول أو الخصوم المالية خارج حدود دولة الإقامة لمدة تقل عن سنة .
ومن بين أهم بنود حركات رؤوس الأموال قصير ة الأجل تلك التي ترد بقصد الاستثمار في أذونات الخزانة أو سندات الحكومة أو للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة المحلية مقارنة بأسعار الفائدة العالمية . وقد ترد رؤوس الأموال القصيرة الأجل أيضا بدافع المضاربة للاستفادة من فروض الأسعار الخاصة بالعملات ويعرف هذا البند باسم رؤوس الأموال الساخنة وقد يكون الباعث وراء حركات رؤوس الأموال قصيرة الأجل وجود أحداث سياسية أو تغيرات اجتماعية حيث لا تجد الأمان بسبب هذه الأحداث ويمكن لهذه الأموال أن تعود إلى المكان الذي أتت منه أو إلى مكان آخر عندما تجد الاطمئنان والفرص المناسبة للاستثمار .
أما رؤوس الأموال طويلة الأجل فتشمل التعامل في الأصول أو الحصون المالية خارج حدود دولة الإقامة لمدة تزيد عن سنة . ومن بين أهم بنود حركات رؤوس الأموال طويلة الأجل الاستثمار في محفظة الأوراق المالية مثل شراء أو بيع الأسهم والسندات التي تصدر في سوق المال في الدول المختلفة أو في الدولة نفسها بالنسبة لغير المقيمين . ومن هذه البنود أيضا الاستثمارات المباشرة من خلال استثمار رؤوس الأموال في مشاريع خارج حدود دولة الإقامة بصفة دائمة وقد يأخذ هذا الاستثمار المباشر تملك شركة أو مؤسسة بالكامل في بلد آخر أو تكون شركة وطنية في الأسواق الخارجية . كذلك تعتبر القروض التي يعقدها الأفراد أو الحكومات مع غير المقيمين من أفراد وحكومات حركات رؤوس أموال طويلة الأجل .
أما ميزان رأس المال بمعناه الواسع فيشتمل على كل من :
حساب رأس المال بمعناه الضيق كما سبق بيانه .
ميزان الذهب النقدي والصرف الأجنبي . ويشتمل هذا الميزان على البنود التالية :
الذهب النقدي 
الاحتياطي من العملات الأجنبية القابلة للتحويل .
صافي مركز الدولة لدى صندوق النقد الدولي وحقوق السحب الخاصة .
ويحدد رصد هذا الميزان قدرة الدفع للاقتصاد القومي قبل العالم الخارجي وتعتبر الوظيفة الرئيسية لتحركات الذهب للأغراض النقدية والعملات الأجنبية في مواجهة الخلل في ميزان المدفوعات سواء أكان هذا الخلل في صوره عجز في ميزان المعاملات الجارية وميزان تحركات رؤوس الأموال طويلة الأجل أو في صورة فائض في هذين الحسابين 
يتبقى أن نعرف أن جميع المعاملات الرأسمالية التي تؤدي إلى زيادة مديونية البلد أو إنقاص دائنيتها قبل العالم الخارجي تدر إيرادا للدولة محل الدراسة وتقيد في جانب المتحصلات أو القصور . أما المعاملات الرأسمالية التي تؤدي إلى زيادة دائنية البند أو إلى إنقاص مديونيتها للعالم الخارجي فتلزم البلد بالقيام بمدفوعات إلى الخارج وتقيد في جانب المدفوعات أو جانب الخصوم . أو حتى يزول الغموض الذي قد يحيط لهذه القاعدة فإننا نسوق الأمثلة التالية للقارئ بهدف الإيضاح :
مقيم في الخارج يساهم في شركة مصرية نظرا لأن الربح الذي يتوقعه من هذه الشركة يفوق ما يمكن الحصول عليه في بلده والواضح أن هذه العملة تنطوي على مدفوعات من وجهة نظر البلد الأجنبي ومتحصلات ( ثمن السهم أو السند ) من وجهة نظر مصر ومن ثم فهي تقيد في جانب المتحصلات من ميزان مدفوعات مصر ( وهي البلد المستورد لرأس المال ) وفي جانب المدفوعات من ميزان المدفوعات البلد الأجنبي ( وهي البلد المصدر لرأس المال ) .
مقيم في الخارج يشتري عقارا في مصر ثم العقار يدخل بطبيعة الحال في جانب المتحصلات من ميزان المدفوعات المصري وفي جانب المدفوعات من ميزان المدفوعات الأجنبي .
مقيم في الخارج يجد أن الفائدة التي تدفعها البنوك التجارية المصرية على القروض قصيرة الأجل تجاوز الفائدة التي يمكن الحصول عليها في بلده ومن ثم فإنه يعمل على إيداع أعماله في مصر أي يشتري وديعة في أحد البنوك التجارية المصرية . هنا أيضا يقيد مبلغ الوديعة في جانب المتحصلات من ميزان المدفوعات المصري وفي جانب المدفوعات من ميزان المدفوعات الأجنبي .
حكومة أجنبية تقرض الحكومة المصرية مبلغا معينا وفي العام الذي يتم فيه القرض يعتبر المبلغ من قبيل المتحصلات للحكومة المصرية ومن قبيل المدفوعات للحكومة الأجنبية .
وفي كل حالة من هذه الحالات الأربع استوردت مصر رأس المال الأجنبي . صحيح أنه يترتب على استيراد رأس المال أن مصر أصبحت مدينة للعالم الخارجي ولكن في السنة التي تم فيها استيراد رأس المال حققت مصر حصيلة تقيد في جانب المتحصلات من ميزان المدفوعات المصري أما الدولة الأجنبية فقد صدرت رأس المال إلى مصر وبذلك أصبحت دائنة لها ولكن في السنة التي صدرت فيها رأس المال قامت بمدفوعات تقيد في جانب المدفوعات من ميزان المدفوعات الأجنبي .
ومعنى ذلك أن واردات رأس المال مثل صادرات السلع من حيث أن كليهما تقتضي القيام بمدفوعات للعالم الخارجي . وفي هذه الحالات الأربع حصلت مصر على إيراد من هذه العمليات الرأسمالية الأربع عن طريق زيادة مديونيتها للعالم الخارجي . كذلك فمن الممكن أن يتحقق هذا الإيراد ويتقيد في جانب المتحصلات عن طريق قيام مصر بإنقاص دائنيتها ( أي إنقاص أصولها ) قبل العالم الخارجي .
ومن الأمثلة على ذلك العماليات الرأسمالية الأربعة التالية :
مصريون يمتلكون أسهما أو سندات في شركة أجنبية في الخارج فإذا باعوا هذه الأسهم أو السندات فإن ثمن البيع يعتبر حصيلة تدخل في المتحصلات من ميزان المدفوعات المصري .
مصريون يمتلكون عقارات في بلاد أجنبية يترتب على بيع هذه العقارات تحقيق حصيلة تدخل في جانب المتحصلات من ميزان المدفوعات المصري .
مصريون يمتلكون حسابات دائنة في بنوك أجنبية في الخارج ويترتب على تصفية هذه الحسابات ( أو نقصان رصيدها ) تحقيق حصيلة تدخل في المتحصلات من ميزان المدفوعات المصري .
الأرصدة الإسترلينية التي كانت تمتلكها الحكومة المصرية في لندن دينا لمصر على بريطانيا ترتب لها خلال الحرب العالمية الثانية وتصفية هذه الأرصدة ( أو إنقاصها ) يحقق حصيلة تدخل في جانب المتحصلات من ميزان المدفوعات المصري .
في كل هذه الحالات الأربع استوردت مصر رأس المال من الخارج ويترتب على ذلك تحقيق حصيلة لها والفرق بين أسعار استيراد رأس المال في هذه الحالات واستيراد رأس المال في الحالات الأربع الأولى هو أنه في الحالات السابقة أدت إلى زيادة مديونية مصر للعالم الخارجي وفي هذه الحالات الأربع الأخيرة أدى إلى إنقاص دائنية مصر على العالم الخارجي .
وإذا نظرنا إلى الحالات السابقة جميعها من وجهة نظر البلد الأجنبي لا من وجهة نظر مصر لوجدنا أن البلد الأجنبي قد قام بعمليات تصدير لرأس المال إلى مصر وفي العام الذي قام فيه بتصدير رأس المال قام بمدفوعات تقيد في جانب المدفوعات من ميزان مدفوعاته . ويترتب على هذه المدفوعات أن البلد الأجنبي أصبح دائنا لمصر ( للحالات الأربع الأخيرة ) بعبارة أخرى فإن المدفوعات الرأسمالية التي يقوم بها بلد من البلاد قد تؤدي إلى زيادة دائنيتها أو إنقاص مديونيتها للعالم الخارجي . ويلخص الجدول رقم (5) الحالات السابقة في ميزان المعاملات مديونيتها الرأسمالية :
ملخص ما تقدم أن صادرات رؤوس الأموال قصيرة وطويلة الأجل تقيد في الجانب الدائن أو جانب الأصول لميزان المدفوعات ولعل هذه النتيجة من شأنها أن تسبب صعوبات في الفهم خاصة للدارسين المبتدئين في هذا المجال غير أن هذه الصعوبات يمكن إزالتها إذا ما لوحظ أن صادرات رؤوس الأموال – كإعطاء قرض على سبيل المثال للعالم الخارجي -  هي من حيث الأثر على ميزان المدفوعات مماثلة للواردات السلعية حيث يترتب على كل منها قيام البلد بمدفوعات إلى العالم الخارجي . وعلى العكس من ذلك فإن واردات رؤوس الأموال مثل الحصول على قرض من العالم الخارجي – هي من حيث الأثر على ميزان المدفوعات مماثلة للصادرات حيث تحصل البلد في كلتا الحالتين على إيرادات من العالم الخارجي . وعلى خلاف ذلك فإن صادرات الذهب للأغراض النقدية تقيد في الجانب الدائن لميزان المدفوعات حكمها في ذلك حكم الصادرات السلعية أما واردات الذهب للأغراض النقدية فإنها تقيد في الجانب المدين لميزان المدفوعات شأنها في ذلك شأن الواردات السلعية . ويرجع ذلك إلى أن كلا من صادرات الذهب للأغراض النقدية والصادرات السلعية تؤدي إلى  حصول البلد على إيرادات من العالم الخارجي . وبنفس الطريقة فإن كلا من واردات الذهب والواردات السلعية تلزم البلد بالقيام بمدفوعات إلى العالم الخارجي .
ميزان المعاملات الرأسمالية
جدول رقم (5)
المتحصلات (+)
المدفوعات (-)
أولا : متحصلات عن طريق زيادة مديونية البلد العالم الخارجي :
1- شراء الأجانب لأسهم وسندات وطنية .
2- تملك الأجانب لعقارات وطنية .
3- تملك الأجانب لحسابات في البنوك الوطنية .
4- إقراض الحكومات الأجنبية للحكومة الوطنية.
ثالثا : مدفوعات تؤدي إلى زيادة دائنية البلد للعالم الخارجي :
1- شراء الوطنيين لأسهم وسندات أجنبية .
2- تملك الوطنيين لعقارات أجنبية .
3- تملك الوطنيين لحسابات في البنوك الأجنبية .
4- إقراض الحكومة الوطنية للحكومات الأجنبية.


المتحصلات (+)
المدفوعات (-)
ثانيا : متحصلات عن طريق إنقاص الدائنية للعالم الخارجي :
5- بيع الوطنيين لأسهم وسندات مملوكة لهم في الخارج .
6- بيع الوطنيين لعقاراتهم في الخارج .
7- تصفية ( أو إنقاص ) حسابات الوطنيين في البنوك الأجنبية .
8- وفاء الحكومات الأجنبية بديونها للحكومة الوطنية .
رابعا : مدفوعات تؤدي إلى إنقاص المديونية للعالم الخارجي :
5- بيع الأجانب لأسهم وسندات وطنية .
6- بيع الأجانب لعقاراتهم في البلد محل الدراسة .
7- تصفية ( أو إنقاص ) حسابات الأجانب في بنوك مصر .
8- وفاء الحكومة الوطنية بديونها للحكومات الأجنبية .

في ضوء العرض السابق يمكن رسم صورة نمطية لميزان المدفوعات توضح البنود والأقسام السابق بيانها تفصيلا . هذه الصورة النمطية يرسمها الجدول (6) .
وفي هذا الصدد فإنه من المناسب أن تسجل الملاحظات التالية على البيانات الواردة في الجدول رقم (6) :
تعتبر تجارة الذهب ( تصدير أو استيراد للأغراض التجارية أي غير النقدية ) جزءا من ميزان المعاملات الجارية ويسري عليها القواعد المعمول بها في هذا الميزان ، أما تجارة الذهب للأغراض النقدية باعتبارها وسيلة لتسوية المدفوعات الدولية فتعتبر جزءا من ميزان رأس المال كما هو مبين بالبنود 10 ، 14 في الجدول رقم (6) .
أن إدماج التحويلات من جانب واحد في ميزان المعاملات الجارية بمعناه الواسع لا يشكل القاعدة العامة في هذا المجال . فهناك من الدول والكتاب من يرى ضرورة إفراد ميزان مستقل يطلق عليه حساب التحويلات من جانب واحد ، ومن الدول والكتاب ما يدمج هذه التحويلات في ميزان رأس المال .
غير أنه لما كانت هذه التحويلات في حالة الاقتصاد المصري تتمتع بالدورية ممثلة في المعونات الأجنبية ، والدعم العربي وتحويلات المصريين العاملين بالخارج فأنه من المناسب الإبقاء عليها جزءا من ميزان العمليات الجارية .
جدول رقم (6)
صورة نمطية لميزان المدفوعات
المتحصلات (+)
المدفوعات (-)
القسم الأول : ميزان المعاملات الجارية
1- الصادرات المنظورة ( سلع ) .
2- الصادرات غير المنظورة ( خدمات ) .
3- هبات ، تعويضات ، إعانات ، تحويلات بلا مقابل .

4- واردات منظورة ( سلع ) .
5- واردات غير منظورة ( خدمات ) .
6- هبات ، تعويضات ، إعانات ، تحويلات بلا مقابل .
7- رصيد الميزان الجاري بمعناه الواسع (+)
القسم الثاني : ميزان رأس المال
8- واردات رؤوس الأموال قصيرة الأجل .
9- واردات رؤوس أموال طويلة الأجل .
10- صادرات الذهب للأغراض النقدية .
11- من رصيد العملات الأجنبية .

12- صادرات رؤوس الأموال قصيرة الأجل.
13- صادرات رؤوس الموال طويلة الأجل .
14- واردات الذهب للأغراض النقدية .
15- إلى رصيد العملات الأجنبية .
رصيد ميزان رأس المال بمعناه الواسع (+)

أن كلا من واردات رؤوس الأموال والصادرات السلعية تتضمن طلبا على العملة الوطنية وعرضا للعملة الأجنبية ، وأن صادرات رؤوس الأموال والواردات السلعية تتضمن عرضا للعملة الوطنية وطلبا على العملة الأجنبية .
ولما كان الجانب الدائن لميزان المدفوعات يتضمن البنود التي من شأنها الطلب على العملة الوطنية وزيادة عرض العملة الأجنبية فإن كلا من واردات رؤوس الأموال والصادرات السلعية تقيد في الجانب الدائن من هذا الميزان .
وبطريقة مماثلة فإن الجانب المدين لميزان المدفوعات يشمل كافة البنود التي من شأنها زيادة عرض العملة الوطنية وزيادة الطلب على العملة الأجنبية . لهذا نعتبر صادرات رؤوس الأموال والواردات السلعية في الجانب المدين من هذا الميزان .
(د) يتكون ميزان المدفوعات من قسمين رئيسيين هما :
1- ميزان المعاملات الجارية بمعناه الواسع .
2- ميزان رأس المال بمعناه الواسع .
** كذلك يمكن تقسيم ميزان المدفوعات إلى أربعة أقسام هم :
ميزان المعاملات الجارية بمعناه الضيق .
حساب التحويلات من جانب واحد .
ميزان رأس المال بمعناه الضيق .
ميزان الذهب والصرف الأجنبي .
حتمية التكافؤ الحسابي لميزان المدفوعات :
كقاعدة عامة يمكن القول أن الأقسام الفرعية لميزان المدفوعات لم تشهد على الإطلاق توازنا بين الجانب الدائن والجانب المدين لهذه الموازين الفرعية . ويمكن إرجاع صياغة هذه القاعدة على هذا النحو إلى ما يسفر عنه الواقع العملي من أنه من النادر أن يتحقق التوازن لكل من ميزان المعاملات الجارية وميزان التحويلات من جانب واحد كميزان رأس المال وحساب الذهب والصرف الأجنبي على حدة ، فالقرارات المتعلقة بالصادرات والواردات السلعية ، وتلك المتعلقة بصادرات وواردات رؤوس الأموال إنما تصدر عن العديد من الأفراد والهيئات والمؤسسات المتفاوتة من حيث الرغبات والميول مما يجعل من العسير أن تتلاقى الأهداف التي ترمي إليها خطط المصدرين مع الأهداف التي ترمي إليها خطط المستوردين ، والأهداف التي تسعى إليها خطط مصدري رؤوس الأموال مع الأهداف التي تنشدها خطط مستوردي رؤوس الأموال .
على أنه بالرغم من صحة القاعدة السابقة والخاصة بعدم توازن كل من ميزان العمليات الجارية وميزان رأس المال على حدة ، إلا أن القيمة الكلية للجانب الدائن لابد وأن تتعادل حسابيا مع القيمة الكلية للجانب المدين لميزان المدفوعات . أو بتعبير متكافئ لابد وأن تتساوى جملة الإيرادات الخارجية للدولة مع جملة مدفوعاتها الخارجية . هذه النتيجة يمكن إيضاحها من خلال المثال الحسابي الوارد في الجدول رقم (7) .
فطبقا للبيانات الواردة في الجدول رقم (7) يتضمن الجانب الدائن جميع المعاملات الاقتصادية الدولية التي تكسب المقيمين حق التصرف على القوة الشرائية لغير المقيمين سواء كان ذلك من خلال بنود الصادرات المنظورة ، الصادرات غير المنظورة والهبات والإعانات والمنح والهدايا التي يتلقاها المقيمون من غير المقيمين ، أو واردات رؤوس الأموال بجميع أنواعها . وتحت الجانب المدين تقيد كافة المعاملات الاقتصادية الدولية التي تكسب غير المقيمين حق التصرف على القوة المملوكة للمقيمين سواء أكان ذلك في صورة واردات منظورة ، واردات غير منظورة ، الهيئات ، الإعانات ، المنح ، الهدايا التي يرسلها المقيمون إلى المقيمين ، وصادرات رؤوس الأموال بجميع صورها . ومضمون ذلك أن الجانب الدائن يشمل كافة الصادرات التي تزيد من القوة الشرائية الخارجية للبلد ، وأن الجانب المدين يبين الكيفية التي استفاد بها المقيمون من هذه القوة الشرائية . لهذا لابد وأن تتعادل القيمة الكلية للجانب الدائن مع القيمة الكلية للجانب المدين . غير أنه في الوقت ذاته – وكما يتضح من الجدول رقم (7) – فإن الحسابات الفرعية التي يتكون منها ميزان المدفوعات غير متوازنة ، فميزان المعاملات الجارية يحقق فائضا مقداره 140 جنيها مصريا يناظره عجز في كل من حساب التحويلات من جانب واحد مقداره 20 جنيها مصريا ، وعجزا في ميزان رأس المال مقداره 120 جنيها مصريا ، هذا الفائض في الميزان الجاري يستخدم لتمويل العجز في كل من حساب التحويلات من جانب واحد وحساب رأس المال .
جدول رقم (7)
مثال حسابي لميزان المدفوعات ( بالجنيه المصري ) 
دائن (+)
مدين (-)
الصادرات المنظورات 500
الصادرات غير المنظورة 100
6- الواردات المنظورة 400
7- الواردات غير المنظورة 60
3- رصيد الميزان الجاري + 140

4- متحصلات بلا مقابل ( هبات وتعويضات ) 50 .
5- واردات رؤوس الأموال 300
8- مدفوعات بلا مقابل ، هبات وتعويضات 70 .
9- صادرات رؤوس الأموال 380 .
10- الزيادة الصافية لاحتياطي البنك المركزي من الذهب والعملات الأجنبية 40 .
المجموع 950
950

من هنا يتضح أن حتمية التعادل الحسابي تعود إلى ما تتكفل به حركات رؤوس الأموال قصيرة الأجل وحركات الذهب في إتمام الموازنة في العجز أو الفائض في إيرادات الدولة المتحصلة على المعاملات الجارية . فحركات الذهب وحركات رؤوس الأموال قصيرة الأجل هي عنصر الموازنة الذي يتم بواسطته التعويض عن عدم توازن أقسام ميزان المدفوعات الأخرى . ويحدث التغيير في هذه العناصر بصورة آلية أو كجزء لا يتجزأ من عملية تسوية المدفوعات الدولية .
ولا تثير الصفة الحتمية لذلك التكافؤ الحسابي أية صعوبة في ضوء الإلمام بقواعد نظرية القيد المزدوج حيث يعتبر ميزان المدفوعات تطبيقا لهذه النظرية ، فكما أشرنا من قبل تظهر كل عملية اقتصادية مرتين : مرة في الجانب الدائن ومرة في الجانب المدين ، لذا تقيد طبقا لهذه النظرية قيمة كل سلعة أو خدمة تقدمها الدولة إلى الخارج في الجانب الدائن من ميزان المدفوعات ، ويقيد في الجانب المدين المدفوعات التي تتلقاها الدولة سدادا لقيمة هذه السلعة أو الخدمة من الخارج . وتقيد قيمة كل سلعة أو خدمة تتلقاها الدولة من الخارج في الجانب المدين من ميزان المدفوعات ، ويناظرها في الجانب الدائن المدفوعات التي تؤديها الدولة وفاء بقيمتها إلى الخارج . ومن هنا كان لابد أن يتساوى المجموع الكلي للجانب الدائن مع المجموع الكلي للجانب المدين ، أو بتعبير متكافئ فلابد وأن يتساوى المجموع الكلي للإيرادات مع المجموع الكلي للمدفوعات .
ولتوضح حتمية التعادل الحسابي طبقا لقواعد نظرية القيد المزدوج نلجأ إلى استخدام مثال حسابي آخر لإظهار كيفية ظهور كل عملية اقتصادية مرتين إحداهما في الجانب الدائن والآخر في الجانب المدين أو العكس . نفترض في هذا المثال الحسابي القيام باستيراد سلعة ما مقدارها 100 جنيه مصري . هذه العملية يمكن تمويلها من خلال العمليات الأربع التالية :
الحالة الأولى : تصدير الذهب بما يعادل 100 جنيه مصري إلى الخارج .
الحالة الثاني : شراء عملات أجنبية من البنك المركزي المصري بمقدار 100 جنيه .
الحالة الثالثة : الحصول على قرض من الموردين الأجانب يوازي 100 جنيه .
الحالة الرابعة : أن تكون هذه العملية الاستيرادية بلا مقابل في صورة هدية أو منحة من غير المقيمين .
ففي جميع الحالات الأربع السابقة نجد أن ميزان المدفوعات متعادل نسبيا حسابيا لأن العجز في الميزان الجاري والناشئ عن الاستيراد بما يعادل 100 جنيه مصري يناظره فائض في ميزان رأس المال ( الحالات الأولى ، الثانية ، الثالثة ) أو فائض في ميزان التحويلات من جانب واحد ( الحالة الرابعة ) .
كذلك فإن حتمية التعادل الحسابي لميزان المدفوعات تحدث أيضا في حالة قصر التغيير في هذا الميزان على الجانب 
المالي دون الجانب الحقيقي لميزان المدفوعات .
ولبيان ذلك نأخذ المثالين الحسابيين الموضحين في الجدولين رقم 13 ، 14 .
جدول رقم (13)
قرض حكومي للخارج في صورة ذهب
دائن (+)
مدين (-)
صادرات الذهب 100
صادرات رأس المال ( منح القروض ) 100

جدول رقم (14)
قيام المقيمين بشراء أوراق مالية عن طريق حساباتهم بالصرف الأجنبي
مدين (-)
دائن (+)
انخفاض الاحتياطي من العملات الأجنبية 100
صادرات رؤوس الأموال في صورة شراء أوراق مالية أجنبية 100

يتبقى الإشارة في الختام عرضنا لحتمية التكافؤ الحسابي لميزان المدفوعات أن الواقع العملي يظهر صعوبة تسجيل كافة المعاملات الاقتصادية الدولية التي تتم بين الدولة محل الدراسة والعالم الخارجي. لذلك فإنه من المألوف ألا يتطابق الجانب الدائن مع الجانب المدين ، غير أن هذا الوضع يعتبر مشكلة إحصائية في المقام الأول نظرا لعدم تمكن أجهزة الإحصاء من حصر كافة المعاملات الاقتصادية التي تدور مع العالم الخارجي . ويتم التغلب على هذه المشكلة عن طريق إفراد بند مستقل يطلق عليه اسم ( السهو والخطأ ) ويقصد بهذا البند كافة المبالغ النقدية التي تتمكن أجهزة الإحصاء في الدولة من تسجيلها . وبالإضافة هذا البن يتم ضمان التعادل الحسابي الدائم بين القيمة الكلية للجانب الدائن والقيمة الكلية للجانب المدين لميزان المدفوعات .
في ضوء العرض المتقدم يمكن صياغة النتائج التالية والمتعلقة بحتمية التكافؤ الحسابي لميزان المدفوعات :
إذا كان ميزان المعاملات الجارية بمعناه الواسع في حالة عجز ، فإن ميزان رأس المال بمعناه الواسع لابد وأن يكون وبنفس القيمة في حالة فائض .
إذا كان ميزان المعاملات الجارية بمعناه الواسع في حالة فائض ، فإن ميزان رأس المال بمعناه الواسع لابد وأن يكون في حالة عجز وبنفس القيمة .
إذا كان ميزان المعاملات الجارية بمعناه الواسع في حالة توازن ، فإن ميزان رأس المال بمعناه الواسع لابد وأن يكون في حالة توازن . من هنا يمكن صياغة شرط التكافؤ الحسابي لميزان المدفوعات على الوجه التالي :
رصيد الميزان الجاري + رصيد ميزان التحويلات من جانب واحد + رصيد ميزان رأس المال + رصيد الذهب والصرف الأجنبي + السهو والخطأ = صفر .
أو بصياغة أخرى :

رصيد الميزان الجاري = - ( رصيد ميزان التحويلات بلا مقابل + رصيد ميزان رأس المال + رصيد ميزان الذهب والصرف الأجنبي + السهو والخطأ ) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©