استعرضنا فيما تقدم المقومات الأساسية لكل من الفكر الكلاسيكي والفكر التكنولوجي في الاقتصاد الدولي المعاصر محاولين استجلاء أوجه الاتفاق وأوجه الاختلاف بينهما وإلى أي حد يكمل كل منهما البعض الآخر .
غير أنه يتبقى لدينا الحاجة إلى معرفة موقع الدول النامية من قضايا الفكر الاقتصادي الدولي المعاصر والمرتبط بموضوع هذه الدراسة . بعبارة ألأخرى ، يتبقى لنا أن نعرف موقع الدول النامية من المناهج التكنولوجية في التجارة الدولية ، وبالتالي تحديد المزايا النسبية التي تتمتع بها هذه الدول ، ومظاهر التخلف النسبي فيها . وفي هذه الخصوص فلقد أجرى هيرش وهو أحد مؤسسي المدرسة التكنولوجية في التجارة الدولية – تعديلات على نموذج دورة المنتج مستهدفا من وراء ذلك بيان العلاقة بين الفكر التكنولوجي والدول النامية فلقد اختصر نموذج دورة المنتج السابق بيانه إلى مرحلتين فقط بدلا من ثلاث مراحل : المرحلة الأولى وتشمل سلع دورة المنتج الجديدة ، أما المرحلة الثانية فتشمل سلع دورة المنتج الناضجة ، وتشمل هذه المرحلة الأخيرة كلا من سلع دورة المنتج الناضجة وسلع دورة المنتج النمطية في النموذج السابق بيانه . وبتعبير متكافئ فلقد ضمت المرحلتين الثانية والثالثة في نموذج دورة المنتج السابق عرضه بحيث تصبح مرحلة واحدة ، أما بالنسبة لإنتاج سلع دورة المنتج الجديدة فإن الاستخدام المكثف لرأس المال البشري ممثلا في العمال المتخصصين ، الفنيين ، العلماء ، الخبراء ، المهندسين ، أمرا ضروريا ومسلما به . وحينما تتضح المنتجات يزداد معها الاستخدام المكثف لعنصر العمل غير الماهر وتقل أهمية العمل الماهر كمحدد أساسي للمزايا النسبية المكتسبة .
كذلك يفرق هيرش في نموذجه بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية : فالدول الصناعية المتقدمة تتمتع بوفرة نسبية في عنصري رأس المال المادي ، وتتمتع بالتالي بميزة نسبية في إنتاج وتصدير سلع دورة المنتج الجديدة . وعلى العكس من ذلكم تعاني الدول النامية من ندرة نسبية في عنصري رأس المال البشري ورأس المال المادي ، وبالتالي من تخلف نسبي في إنتاج سلع دورة المنتج الجديدة .
وباستخدام هذا النموذج المعدل لدورة المنتج توصل هيرش لتفسير محدد لنمط التجارة الخارجية بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية على أساس أن صادرات الدول النامية تتكون أساسا من نسبة عالية من كل من سلع ريكاردو وسلع دورة المنتج الناضجة . وهي ما تعرف أيضا بسلع هكشر – أولين كثيفة العمل نظرا لتمتعها بوفرة نسبية في عناصر الإنتاج التي ترتكز عليها هذه المنتجات وهي الأرض وعنصر العمل غير الماهر . أما صادرات الدول الصناعية المتقدمة فإنها تحتوي على نسبة عالية من سلع دورة المنتج الجديدة وسلع هكشر – أولين كثيفة رأس المال نظرا لوفرة عنصري رأس المال الإنساني ورأس المال المادي .
وفي دراسة للباحث طبق فيها نتائج النظرية التكنولوجية في التجارة الخارجية على العلاقات الاقتصادية بين الجماعة الأوروبية ( المعروفة باسم السوق الأوروبية المشتركة ) ودول الجامعة العربية توصل من خلالها إلى نتائج تؤيد هذه النظرية .. وهذه النتائج هي :
تتمتع الجماعة الاقتصادية الأوروبية بميزة نسبية في إنتاج وتصدير سلع دورة المنتج نظرا لوفرة عنصر رأس المال الإنساني وما تتمتع به من تفوق تكنولوجي لقيامها باستثمارات ضخمة في مجالات البحوث والتطور .
تتمتع الدول العربية المصدرة لرؤوس الأموال ( وهي في نفس الوقت المصدرة للبترول ) بمزايا نسبية كامنة في إنتاج وتصدير سلع هكشر – أولين كثيفة رأس المال وقطاع واحد فقط من قطاعات سلع دورة المنتج وهو البتروكيماويات . ويرجع ذلك إلى وفرة المواد الأولية ورؤوس الأموال اللازمة لإنتاج هذه الصناعات بنفقات منخفضة .
تمتع الدول العربية المستوردة لرؤوس الأموال بميزة نسبية في إنتاج وتصدير سلع ريكاردو وسلع هكشر – أولين كثيفة العمل نظرا للوفرة النسبية لعنصر العمل غير الماهر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق