لقد أدى تجمع رؤوس الأموال مع وجود البنوك التي تسهل
عمليات الاستثمار إلى ازدهار التجارة الخارجية منذ القرن السادس عشر إلى جمع قدر
وافر من رأس المال فقد ساعدت أسبقية بريطانيا في هذه التجارة إلى تحويل لندن إلى
مركز رئيسي لتجارة العالم لذلك قام فيها كثير من المصارف وشركات التأمين وشركات
الملاحة وحقق التجار الانجليز أرباحا وفيرة من تجارة الدخان والتوابل والسكر مع
المستعمرات البريطانية وقد كانت هذه الموارد المالية الوفيرة هي عصب التحول
الصناعي فمن خلالها أمكن تمويل التجارب العلمية الخاصة بإختراع وتطوير الآلات كما
كان لقيام المصارف عاملا هاما وركيزة أساسية للنمو الاقتصادي وتيسير الائتمان .
ومع وجود الحرية السياسية التي تكفل للأفراد التمتع
بحرياتهم لاكتساب الأسواق الخارجية وتوظيف أموالهم في الصناعات المربحة هذه الحرية
التي جعلت بريطانيا قبلة للفئات المضطهدة في أوروبا فهاجر إليها اليهود وهم أهل
مال وتجارة فأقاموا فيها نشاطا ماليا وتجاريا واسعا كما هاجر إليها الصناع المهرة
من بلجيكا وفرنسا فأقاموا فيها كثيرا من الصناعات الهامة التي تحتاج إلى خبرة
واسعة ودراية كبيرة . هذا المناخ المناسب دعا بريطانيا أن تقود قافلة التحول
الصناعي في العالم .
وبالرغم من قلة الأيدي العاملة حيث عجزت الصناعات
المنزلية عن اشباع الطلب الخارجي على السلع الانجليزية فقد بلغ عدد سكان بريطانيا
عام 1770م حوالى 9 مليون نسمة بينما وصل عدد سكان فرنسا في نفس العام إلى حوالى 23
مليون نسمة مما يعني أن القوة العاملة نادرة نسبيا في بريطانيا هذه الندرة في
الأيدي العاملة كانت هي المحرك الرئيسي والدافع وراء التجديد والابتكار لدى
مفكريها ذلك أنه لم يكن في قدرة بريطانيا أن تستجيب لهذه الزيادة من خلال الصناعات
اليدوية المنزلية .
لذلك سعى رجال الأعمال إلى استخدام الآلات بدلا من
الأيدي العاملة ومما يؤيد هذا القول أن التنمية الصناعية تركزت أولا في صناعة
المنسوجات القطنية أثناء القرن الثامن عشر رغم عدم تواجد أيدى عاملة كافية لمقابلة
هذه الزيادة في الطلب ومع التوسع في استخدام الآلات انكمشت الصناعات اليدوية والتي
لم تستطع الصمود في حلبة المنافسة .
وكان نتيجة امتلاك بريطانيا لأكبر شبكة مواصلات حديدية الفضل
في مساعدتها على نمو الصناعة حيث ساهمت هذه الشبكة في نقل منتجات الصناعة إلى
الأسواق الداخلية البعيدة عن مناطق الانتاج وكذلك الأسواق الخارجية ولاسيما أن
اتساع السوق من شأنه تشجيع زيادة الانتاج ومن ثم تطوير الصناعة .
كما أن اهتمام الدارسين والعلماء بالبحوث التطبيقية في
مجال الصناعة ساهم في تطوير الصناعة في بريطانيا عقب الثورة الصناعية الأولى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق