هناك مجالات أخرى غير الاقتصادية ، أو هي اقتصادية لكن بطريقة غير مباشرة ، قد تتعارض فيها أهداف الشركة الأجنبية مع الأهداف الحكومية السياسية ، بمعنى أن ما تقوم به الشركة وهي تسعى وراء أهدافها الاقتصادية ، قد يحبط أو يمنع تحقيق المصالح المشروعة للدولة حتى وإن لم يكن هناك خلاف في المجال الاقتصادي . هناك أدبيات وكتابات كثيرة حول هذا الموضوع ، الكثير منها خطابي ويثار حوله جدل شديد . ونستعرض هنا أهم تلك الاتهامات الموجهة نحو الشركات الدولية .
استعمار اقتصادي : في البلدان المستعمرة سابقا ، هناك عدم ثقة وشك في نوايا تلك الشركات الدولية التي ينظر إليها كنوع من الاستعمار لكن بشكل جديد ، ( اقتصادي بدلا من عسكري ) ، ويربط البعض بين الشركات الأجنبية وسياسات البلد الأم . وتولد عدم الثقة هذا من التجارب التاريخية التي كانت فيها التجارة والشركات تأتي من وراء مدافع المحتل الأجنبي ومع دبلوماسية البوارج . كان ذلك صحيحا تاريخيا ، ولكنه ليس بالضرورة صحيحا اليوم لكن أثره على النظرة إلى الشركات الأجنبية مازال راسبا ، وينعكس في سياسات معادية . ويشير البعض إلى كون قرارات الشركات الأجنبية تتخذ في رئاستها في الدول المتقدمة بدون اعتبار لمصلحة البلد المضيف ، مما يقنن تبعية دول العالم النامي لها . يضيف آخرون أن سلوك الشركات الدولية يتخطى سلطة البلد الذي لا تحكم على الشركة الأجنبية ، حيث تستطيع الأخيرة أن تلملم حاجياتها وتغادر بدلا من أن تنفذ ما تطلبه سياسة الدولة المضيفة. وفي هذا القول تبسيط للأمور ، فالشركة الأجنبية لا تستطيع دائما أن تغادر بتلك السهولة ، وقد تجد نفسها رهينة . لكن من الجانب الآخر ، الشركة الأجنبية ليست دائما بدون أوراق تلعب بها ، حيث لها قدرة على التحرك .
الأمن القومي والسياسة الخارجية : قد ترى الدولة المضيفة أن تحكم الشركات الأجنبية في قطاعات إستراتيجية معينة مضر بالاقتصاد الوطني ، ولذا قد تمنعها من دخول تلك القطاعات أو تتحكم في أعمالها بأن تفرض عليها أسعارا أو توزيعا معينا أو تمنعها من التصدير . كذلك أحيانا نجد أن الشركات ملزمة بإتباع سياسة خارجية لا تتفق مع أهدافها كمقاطعة بلد معين . حاليا ليست هناك دولة تفتح كل قطاعاتها لاستحواذ أجنبي بما في ذلك الولايات المتحدة .
تشويه الإرث الثقافي والديني : كثيرا ما تتهم الشركات الأجنبية باستيراد مثل وقيم مخالفة لقيم البلد المضيف من ذلك زيادة النزعة الاستهلاكية لدى الشعوب وتركيز الاهتمام بالماديات وبناء صورة جذابة لمستهلكي أنواع من السلع ، هي على الأقل سفاسف إن لم تكن أسوأ في نظر البعض ، مثل نشر العادات السيئة كالتدخين . بل تسعى الشركات أحيانا لتحسين سلوك مبغوض ومحرم في البلد المضيف . عموما الشركات الدولية متهمة بإفساد الأذواق والترويج لعادات استهلاكية لا تنفع إن لم تضر ، ابتداء من إدمان الكوكاكولا والتدخين إلى الأغذية المحفوظة المضرة واللبس إلى آخره . بل إن الشركات لا تتورع عندما يمنع استهلاك سلع معينة في بلدانها الأصلية ، أو يحدد لأسباب صحية أو بيئية ، لا تتورع هذه الشركات عن الترويج لتلك السلع في الدول النامية مثال القيام بتصدير التبغ والترويج له في الدول النامية ، بعد أن حدت قوانين الدول المتقدمة من استهلاكه فيها أو بترويج اللبن المجفف كغذاء للرضع ، بدلا من الرضاعة الطبيعية التي تعطي الرضيع مناعة صحيحة لا يجدها في اللبن المجفف . كذلك الشركات متهمة بترحيل الصناعات الملوثة للبيئة إلى الدول النامية هربا من قوانين البيئة الصارمة في الغرب .
اتهامات أخرى : هناك مجالات أخرى عديدة تشعر فيها الدول المضيفة أن هناك مساوئ تأتي من الشركات الأجنبية . هناك تهمة استخدام تقنية غير ملائمة لموارد البلد كاستخدام أساليب إنتاج تقلل من استخدام البشر في بلد فيها عمالة مكثفة ، مما يعمق مشكلة العطالة . أو بيع التقنية بسعر احتكاري عال في شكل الإتاوات العالية التي تفرضها على من ترخص لهم استخدام تقنية مملوكة للشركة . كذلك هناك اتهام بالتهرب من دفع الضرائب بالتلاعب في الحسابات والأسعار الداخلية لحشد الأموال من بلد ذي ضرائب عالية إلى بلد ذي امتيازات ضريبية ، وتشكو من ذلك الدول المتقدمة والنامية على السواء حيث رأينا في مؤتمر مجوعة العشرين الذي انعقد في المملكة المتحدة أول هذا العام (2009) ، وفيه وضعت عدة دول من هذه الجنات على القائمة السوداء كدول غير متعاونة في مجهود الدول لحل الأزمة الاقتصادية . ليس ذلك فحسب ، فها هو الرئيس الأمريكي الجديد ( أوباما ) يطرح قانونا يمنع الشركات الأمريكية العاملة في الخارج من تقليل العبء الضريبي ، أو تأجيل استحقاقه بعد أن كان مسموحا لها بذلك .
هنالك أيضا الفكر اليساري الماركسي ، الذي يرى في الشركات الأجنبية عدوا للإنسانية ، ويستهدفها ويؤلب الرأي العام عليها . وأيضا هناك التعصب الوطني الذي قد يستغله السياسيون بالهجوم على الشركات الأجنبية لتحقيق أغراض سياسية . وقد تكون الشركات الأجنبية فعلا متهمة أو غير متهمة بمصالح البلد المضيف . لكنها تجد نفسها تتقاذفها المخاطر .
كذلك يرى البعض أن الشركات (م ج) صنيعة الشيطان . كلاهما متطرفان ، ولن نسترسل في نقاشها ، فانهيار الشيوعية يدحصن تلك النظرة ومن الجانب الآخر نجد الدول التي كانت ترى في الشركات الدولية صنيعة الشيطان تعمل لجذب الشركات الأجنبية مرة أخرى .
النظرة إلى الشركات الدولية اليوم نظرة واقعية تعتبرها مثل أي شيء آخر له جوانبه المفيدة وجوانبه المضرة ، و|إنها إحدى حقائق الحياة ، ومن الصعب تجاهلها في عالم اليوم ، حيث هنالك نشاطات لا يحسنها غير تلك الشركات ، وهنالك سلع وخدمات لا يعرف إنتاجها غيرها . ولذا ينبغي التعامل معها على ذلك الأساس ، بمحاولة تعظيم المنفعة ، وتقليل الضرر ولمخاطر ، ومعرفة أن المضار أحيانا تأتي ملتصقة بالمنافع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق