سعر الصرف في ظل قاعدة الذهب :
قبل قيام الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1919 ) كان نظام قاعدة الذهب هو النظام السائد ، الذي في ظله تحدد قيمة العملة بوزن معين من الذهب الخالص ، حيث يمكن مبادلة هذه العملة بالذهب أو مبادلة الذهب بهذه العملة بسعر رسمي ثابت .
ومن أهم خصائص هذا النظام : توافر حرية صك الذهب وحرية استيراده8 وتصديره . وفيه يتعهد البنك المركزي للدولة بشراء وبيع الذهب بسعر ثابت يحدده القانون . كذلك تصدر الحكومة أو البنك المركزي في هذا النظام عملة ذهبية معادلة لوزن معين من الذهب ، تسير جنبا إلى جنب مع أوراق البنكنوت ، وتكون هذه الأوراق قابلة للصرف بالعملة الذهبية دون قيد أو شرط . لهذا يتعين على البنك المركزي الاحتفاظ باحتياطي ذهبي لمواجهة التزامه بصرف أوراق البنكنوت بالعملة الذهبية . كان البنك يحتفظ باحتياطي ذهبي يعادل نسبة معينة من العملة الورقية المصدرة ويستخدم هذا الاحتياطي الذهبي أساسا في المعاملات الخارجية بدون أي قيود على تحويل العملة إلى الخارج .
بهذه الطريقة ترتبط أسعار العملات المختلفة بشبكة أسعار الصرف الثابتة ، حيث تتم مبادلة العملات بقيمة ما فيها من ذهب ، فإذا تحدد سعر عملة ما بثلاثين وحدة للأونصة الذهبية مثلا ، بينما سعر عملة أخرى 45 وحدة للأونصة ، تصبح قيمة الوحدة من العملة الأولى تساوي قيمة وحدة ونصف وحدة من العملة الثانية ( 45: 30 = 1 : 1.5 ) هذه النسبة ( أي نسبة وزن الذهب ) تسمى " سعر التبادل " وإذا كانت الدولتان تسيران على قاعدة الذهب ، يتحدد سعر الصرف بين عملتيهما على أساس هذه النسبة . ووظيفة نظام قاعدة الذهب الخارجية هي تثبيت سعر الصرف ، أي سعر مبادلة العملة الوطنية بالعملة الأجنبية . هذا هو السعر المبدئي والأساسي ، لكن السعر الفعلي في السوق ، يختلف قليلا وفقا لعرض وطلب كل عملة لكنه لا يمكن أن يتجاوز نفقات نقل الذهب بين البلدين بكثير . فإذا ما زادت صادرات دولة ما عن وارداتها ، سينتقل إليها الذهب من الدول المستوردة وسيرتفع حينها سعر عملتها لحد الذهب الأعلى الضيق . من الجانب الآخر ، إذا زادت واردات دولة عن صادراتها ، كان لازاما عليها أن تشحن الذهب إلى الدولة التي استوردت منها ، وحينها ينخفض سعر عملة الدولة المستوردة إلى حد الذهب الأدنى . بهذه الطريقة كان نظام قاعدة الذهب يضبط أسعار العملات مقابل بعضها البعض .
ميزة نظام قاعدة الذهب : هي ثبات أسعار العملات أمام بعضها ، وأي خلل في ميزان المدفوعات يتم تصحيحه تلقائيا . فإذا حققت دولة ما فائضا في ميزان المدفوعات ، يزيد رصيد الذهب لدى سلطاتها النقدية ، مما يزيد من عرض النقود فيها ، وبالتالي ترتفع أسعار السلع داخلها مما يقلل مشتريات الدول الأخرى منها ، وبذلك يتقلص الفائض عندها ، وتعود تدريجيا إلى وضع التوازن . من الجانب الآخر ، يحدث العكس في حالة وجود عجز حتى يعود التوازن .
قاعدة تبادل الذهب :
بعد الحرب العالمية الأولى ، انهار نظام قاعدة الذهب ، وفشلت محاولات استعادته . ومن أهم أسباب فشل النظام هو أن بريطانيا التي كانت الدولة التجارية الرئيسية وعملتها هي أساس التعامل ، أم تعد قادرة على مبادلة عملتها بسعر ثابت للأونصة الذهب . وبعد الحرب العالمية الثانية ، اجتمع الحلفاء في مدينة بريتون وودز بالولايات المتحدة ، واتفقوا على إيجاد نظام نقدي عالمي جديد ، يهدف إلى تحقيق انضباط وثبات في أسعار العملات ، مع مرونة بإنشاء صندوق يساهم فيه من يريد من الدول ، ويلتزم بقواعده وهكذا قام صندوق النقد الدولي ، ونشأ نظام قاعدة تبادل الذهب ، والذي فيه أصبح الدولار الأمريكي العملة الوحيدة التي يمكن تبادلها مع الذهب بسعر ثابت هو 35 دولارا للأونصة الواحدة . وكان على كل دولة أن تحدد سعر عملتها مقابل الدولار الأمريكي وبذلك تكون كل عملة مقابلة للتبادل مع الذهب بطريقة غير مباشرة حيث تكون العملة مداولة ، ويمكن مبادلتها بالدولار ، ومن ثم إلى الذهب ، إذا أريد ذلك . وأصبح الدولار الأمريكي مثله مثل الذهب وكانت وزارة الخزانة الأمريكية على استعداد لمبادلة الذهب بالدولار بالسعر المحدد ، والوحيدة الملتزمة بذلك .
كذلك وفقا للنظام الجديد ، كان على كل دولة أن تحافظ على سعر عملتها ثابتا يتحرك في حدود ضيقة لا تتعدى 25% أي لا يزيد سعرها ولا ينخفض بأكثر من تلك النسبة . وإذا حدث وزاد الطلب على عملة بلد ما بدرجة تمثل ضغطا على سعرها الأعلى ، كان على السلطات النقدية في بلد تلك العملة أن تتدخل بطرح كميات من عملتها في السوق المالية ، لتمنع سعرها من الارتفاع فوق ذلك الحد . وبالمثل إذا حدث وانخفض الطلب على عملتها ، وهبط سعرها إلى حده الأدنى ، وأصبح من يحوزونها يعرضونها للبيع مفضلين حيازة العملات الأجنبية الأخرى مكانها ، مما يمثل ضغطا قد يخفض السعر بأكثر من ذلك ، هنا تدخل السلطات النقدية ، وتشتري عملة بلدها بالعملات الحرة وبذلك تزيد الطلب على عملتها وتحافظ على سعرها داخل الحدود الثابتة ، وإذا لم يكن لدى الدولة عملة أجنبية كافية يمكنها أن تلجأ للصندوق ليقرضها مبالغ تصل إلى 150% من قيمة حصتها التي انضمت بها للصندوق .
أما إذا كان ميزان مدفوعات تلك الدولة في حالة اختلال أساسي ، بمعنى أن عجزها التجاري صار دائما ، فيمكن للدولة أن تعلن عن تخفيض عملتها بالنسبة الملائمة فوق حدود 2.5% كأن تخفضها بعشرة في المائة ، ثم تتركها من جديد تتراوح ما بين 25% .
الرقابة على النقد ( الصرف ) :
يسمح نظام قاعدة تبادل الذهب لأي دولة يكون اقتصادها في حالة عدم توازن أو خلل أساسي ، وميزان مدفوعاتها في عجز دائم ، أن تمارس الرقابة على الصرف ، وهي نوع من الإشراف الحكومي المنظم على عرض النقد الأجنبي والطلب عليه في القطر والغرض الأساسي من هذه الرقابة ، هو تعبئة موارد القطع الأجنبي بغرض التأثير في أسعارها ، وتنظيم تقلباتها وحركاتها . وتختلف الرقابة على الصرف هنا من النظام السابق الذي تتدخل فيه الدولة بالبيع والشراء ، بغيت تحقيق التوازن ، حيث إن الدولة في ظل نظام الرقابة على الصرف ، تصبح هي الجهة الوحيدة التي يحق لها بيع وشراء القطع الأجنبي وقد مارست الرقابة على النقد دول أوروبية عديدة بعد الحرب العالمية الثانية ، وحتى منتصف الخمسينات ، قبل أن تصبح عملاتها قابلة للتحويل . كما مارست نفس النظام دول عديدة في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط ، ومازالت بعض الدول النامية تمارس هذا النظام حتى اليوم . تهدف هذه الرقابة إلى منع نزوح رأس المال إلى الخارج ، ولتأمين موارد مالية للدولة ، وإعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات .
تحت ظل الرقابة على النقد ، على المصدرين أن يسلموا حصيلة بيع صادراتهم من النقد الأجنبي إلى البنك المركزي ، الذي يستبدلها لهم بعملة محلية بالسعر السائد المحدد بواسطة البنك . كذلك يتلقى البنك المركزي أي عملات أجنبية ترد إلى البلد في شكل استثمارات أو معونات من حصيلته هذه ، يقوم البنك المركزي بتوزيع العملات الأجنبية على طالبيها من المستوردين والمسافرين ، ومن عليهم التزامات بالعملة الأجنبية . يشمل ذلك الخدمات أيضا كشركات الطيران ، التي لها مبيعات بالعملة المحلية وترغب في تحويلها ، وكذلك الشركات التي تسعى لتحويل أرباحها أو إرجاعها أو إرجاع رأس مالها إلى الخارج ، يتلقى البنك المركزي هذه الطلبات ويستجيب لها على قدر ما لديه من عملة أجنبية طبقا للأسبقيات التي تضعها الدولة والحدود العليا التي تضعها لما يستطيع أي فرض أو مؤسسة أن يتحصل عليها في أي سنة ومن الطبيعي أن يكون العرض عادة غير كاف للاستجابة لجميع المطالبات ، ولا يتحصل كل طالب دائما على احتياجاته كاملة .
(ج) نظام العملات الحرة ( المعومة ) :
في ظل النظام الجديد ، أصبح الدولار الأمريكي مع الجنيه الإسترليني ، هما عملتا التجارة الدولية ، خاصة الدولار وبصورة متزايدة بوصفه عملة الدولة الوحيدة التي على استعداد لتحويل أي دولارات إلى ذهب ، وبتلك الطريقة أصبحت الولايات المتحدة وكأنها بنك العالم المركزي . وصارت كل دولة تحتفظ باحتياطياتها في شكل ذهب ودولارات أمريكية أساسا ، ويعد ذلك أي عملات أجنبية قابلة للتحويل بالدولار كالمارك والفرنك .
في أواخر الستينيات اتضح لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن مخزون الذهب لديها غير كاف لمقابلة جميع الطلبات ، ووجدت وزارة الخزانة الأمريكية أنها غير قادرة على بيع الذهب بسعر ثابت باستمرار ، كما أن إنتاج العالم من الذهب ( من روسيا وجنوب أفريقيا ) لم يعد يكفي لتوفير الكمية المناسبة للعالم صار هناك خطر على توفير السيولة اللازمة لتمويل التجارة الدولية التي أصبح الدولار عملتها الأساسية . اضطرت وزارة الخزانة الأمريكية أن تعلن في عام 1971 أنها ستتعامل فقط مع البنوك المركزية في بيع الذهب ولن تتعامل مع البنوك التجارية . بل قررت أيضا فك ارتباط ال1هب والدولار بسعر ثابت ، وعومت الدولار مقابل الذهب . أصبح سعر الذهب مقابل الدولار ( وبالتالي مقابل العملات الأخرى ) متقلبا صعودا ونزولا طبقا للعرض والطلب ، وسعر الذهب حاليا أضعاف سعره عندما كان ثابتا والذي كان 35 دولارا للأونصة . كان ذلك أول بوادر تعويم العملات أما بعضها البعض ، إذ لم يمض وقت طويل حتى بدأت الدول الصناعية الأخرى في تعويم عملاتها أمام الدولار ، بعد أن كانت ثابتة القيمة بالدولار . ليس ذلك فحسب ، بل أنها عومت أسعار عملاتها أمام بعضها البعض ، وأصبح سعر كل عملة مقوما بعملة أخرى ، يتفاوت صعودا ونزولا اعتمادا على قوى الطلب والعرض .
تحديد سعر الصرف الحر :
في سوق العملات حاليا ، أغلب العملات الرئيسية معومة ، ويتحدد سعرها في أسواق حرة بتفاعل قوى العرض والطلب ، والسعر الذي يسود هو السعر الذي تكون فيه الكمية المعروضة من العملة مساوية للكمية المطلوبة منها في نفس ذلك السعر . هذه الموازنة تأتي من تفاعل قوى العرض والطلب ، وبالطريقة المألوفة .
عناصر الطلب :
تؤثر في تحديد الطلب عدة عوامل ، ففي هذا المثال يمكن أن نذكر :
حجم الطلب على الخدمات البريطانية سياحية كانت أو مالية .. الخ .
عادة الإسترليني المودع في بريطانيا أو ما يدفع للودائع المصرفية في إنجلترا ، فكلما زاد ذلك العائد ، كلما زاد المشترون من طلبهم على الجنيه الإسترليني لإيداعه هنالك ، وجني الأرباح المرتفعة عليه .
المضاربة : عندما يتوقع المستثمرون أن سعر الجنيه الإسترليني سيرتفع لأي سبب كان ، فإنهم يقومون بحفظ أموالهم مقومة في جنيهات إسترلينية .
عناصر العرض :
ارتفاع حجم الطلب البريطاني على السلع الخارجية وزيادة الواردات ، تعني زيادة الطلب على العملات الأخرى ، وبالتالي زيادة عرض الإسترليني مقابلها .
من الجانب الآخر ، يتأثر المعروض من عملة ما في حجمه بالعوامل الآتية :
السياسة النقدية للبلد التي تزيد أو تقلل من عرض النقود داخل البلد في معالجتها لأوضاعها الاقتصادية ، وخدمة للأهداف القومية للبلد . تخفيض عرض النقود في بريطانيا مثلا يقلل حجم الطلب البريطاني ، لأن الاقتصاد ككل سينكمش .
المضاربة .
الأسباب المذكورة مقدمة على سبيل المثال لا الحصر ، كما نود أن ننوه هنا إلى أنه ليست هناك أسواق حرة تماما . والسلطات النقدية في كثير من البلدان ، لم ترفع يدها تماما من أسواق العملات ، ومازالت تتدخل ما بين الفنية والأخرى ، لتمنع عملتها من تعدي حدود كبيرة في السعر . تتدخل الدول الصناعية عن طريق السوق لا عن طريق الرقابة ، حيث تقوم السلطات بشراء عملتها إذا ما انخفض سعرها بدرجة كبيرة ، أو بطرح كميات منها للبيع إذا ما ارتفع سعرها فوف حد معين ، كأن يقوم بنك اليابان المركزي بشراء الدولارات ليرفع سعر الدولار أمام الين الياباني ، لأن ارتفاع سعر الين يعني ارتفاع سعر السلع اليابانية ، وبالتالي انخفاض حجم الصادرات اليابانية .
حقيقة أن النظام السائد هو التعويم المحكوم أو المدار والذي فيه تتدخل الدولة لتثبيت أو للتأثير على سعر عملتها بسياسات معينة ، كتغيير سعر الفائدة أو طرح كميات من عملتها أو شراء كميات منها ، لكن الدولة لا تحدد سعرا لعملتها ، وتظل السوق هي التي تحدد سعر العملة .
هناك بعض الدول الأخرى تحدد فيها السلطات النقدية سعرا ثابتا لعملتها أمام العملات الأجنبية الرئيسية ، لكن عملتها تظل قابلة للتحويل عالميا بذلك السعر ، وذلك لأن السلطات النقدية في تلك الدول تظل على استعداد لبيع وشراء أي كمية من عملتها بذلك السعر الثابت بالعملات الأجنبية كالريال السعودي والدينار الكويتي , وقد تغير السلطات السعر من آن لآخر وفقا للظروف الاقتصادية ، أو تجعله يتحرك داخل حدود ضيقة . حاليا يقدر أن من بين الدول أعضاء صندوق النقد الدولي (180 بلدا ) خمسها عملاتها معومة حرة ، والربع عملاتها معومة مدارة ، و30% تربط عملاتها بعملات أخرى ، وأن خمس دول العالم تستعمل عملات دول أخرى (Hills , 2006 ) .
انخفاض سعر العملة الذي يعرف بـ Deprecition يحدث تدريجيا وتلقائيا كما رأينا وقد تتسبب فيه الدولة من آن لآخر بطريقة غير مباشرة من خلال تحريك عوامل العرض والطلب على النقد بواسطة أدوات السياسة النقدية التي لها في العادة أهداف مختلفة ، نذكر منها التأثير على حجم الصادرات والواردات . فتخفيض سعر العملة المحلية ، يعني أنها ستساوي عدد فرنكات \أو دولارات أقل من السابق ، وبالتالي لن تستطيع شراء نفس الحجم من الواردات الفرنسية أو الأمريكية بنفس المبالغ السابقة من العملة المحلية ، ويقود هذا إلى تخفيض مشترياتنا من العالم الخارجي ، وانخفاض وارداتنا . من الجانب الآخر ، تخفيض سعر العملة المحلية يعني أن الدولارات أو الفرنك الواحد يساوي بالعملة المحلية أكثر مما كان قبل تخفيض العملة المحلية وعلى افتراض أن الأسعار الداخلية بالعملة المحلية ثابتة ، يستطيع من بيدهم دولارات أو فرنكات من المستوردين الأجانب شراء كميات أكبر من صادراتنا بنفس المبالغ السابقة ولربما زادوا من إنفاقهم على سلعنا وهكذا تزيد صادراتنا .
تخفيض سعر العملة إذن يزيد الصادرات ويقلل من الواردات وبذلك تتوازن مدفوعاتنا الأجنبية والميزان الأجنبي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق