free counters

التكامل الاقتصادي

| |

في التكامل الاقتصادي تقوم مجموعة من الدول المتقاربة جغرافيا في العادة بزيادة ارتباطها اقتصاديا ، وذلك بفتح أسواقها أمام بعضها البعض ، وزيادة التعاون فيما بينها .
التكامل الاقتصادي يزيد سعة السوق أمام المنتجين والتجار في الدول المتكاملة مع بعضها ، وبدلا من أن يكون سوق المنشأة محدودا بحدود القطر الذي هو موطنها الأصلي ، تجد المنشأة أن أسواقا جديدة فتحت أمامها ، بعد أن كانت في السابق مغلقة أمامها ، أو على الأقل لم تكن تستطيع دخولها بدون تخطي حواجز جمركية . التخصص في الإنتاج – كما نعلم – محدود بحجم السوق ، وإذا كبر السوق تزيد فرص التخصص وتزيد الفوائد المجنية من التخصص ، حيث تتطلب اقتصاديات الحجم الكبير سوقا كبيرا في العادة . والتوسع في الإنتاج عادة يعني توزيع تكاليف الإنتاج الثابتة على عدد أكبر من وحدات السلع المنتجية ، حتى ينخفض متوسط التكلفة الثابتة للوحدة الواحدة ، وبذلك تصبح زيادة الإنتاج اقتصادية ، وتزيد الرفاهية ، وتنمو الشركات لتصبح ذات حجم كبير .
أحد أسباب ازدهار الولايات المتحدة مثلا هو أنها سوق كبير ، يتكون من خمسين ولاية ، تساوي في حجمها خمسين قطرا ، أي إنها سوق سكانها 300 مليون شخص ، بينما كانت الأسواق في الدول الأوروبية قبل تكاملها مجموعة أسواق صغيرة ، ولذا كان هناك حد أقصى لنمو حجم الشركات الأوروبية التي كانت صغيرة نسبيا .
التكامل الاقتصادي إذن له محاسن كثيرة فهو :
يخلق فرصا تجارية جديدة : حيث تتوسع الدول المشتركة بين تلك الدول ، وتجد كل شركة أو منشأة إنها تستطيع بعد التكامل أن تبيع سلعها في أسواق الدول الأخرى الأعضاء بسهولة أكثر ، مقارنة بالوضع قبل التكامل .
يزيد تكامل كفاءة الإنتاجية : فهو يمنح كل شركة فرصة للاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير ، لأنها تستطيع الآن أن تنتج كميات أكبر من نفس السلعة التي كانت تنتجها مسبقا ، وبذلك ينخفض متوسط التكلفة الثابتة للوحدة ، لأن التكاليف الثابتة الكلية ستتوزع على عدد أكبر من الوحدات المنتجة . كذلك تزيد الكفاءة الإنتاجية ، لأن الشركات تتعرض للمنافسة مع شركات من البلدان الأخرى المشتركة ، وازدياد المنافسة يقود طبيعيا إلى أن تسعى كل شركة لتخفيض تكاليفها ، وتحسن مستوى وجودة منتجاتها وخدماتها ، وبذلك يستفيد المستهلك وتتحسن إدارة كل منشأة . أما الشركات التي لا تستطيع أن تنافس ، فإنها تخرج من السوق .
هذا التغير أو ميل الشركات لأن يصبح حجمها أكبر للاستفادة من الاقتصاديات المرتبطة بالحجم ، لا يتم في يوم وليلة ، لأن هناك صناعات يكون العمر الافتراضي لمنشآتها طويلا نسبيا ، ويتطلب استبدالها زمنا طويلا مثل صناعة السفن والطائرات والسيارات .
ولقد لوحظ مثلا أن عبارة " حجم المنشأة " أصبحت جزءا من لغة رجال الأعمال الأوروبيين بعد إنشاء السوق الأوروبية . مع كبر الحجم لا تنخفض تكاليف الإنتاج فحسب ، بل هناك وفورات تتحقق في المشتريات وفي أعمال البحوث والتطوير والتسويق والسيولة النقدية .
المنافسة الجديدة والتعرض لمزاحمة شركات من بلدان أخرى ، لها أثرها المنعش على شركات البلد الأصلي في أساليب التسويق . قبل قيام السوق الأوروبية مثلا كانت أساليب التسويق في فرنسا وألمانية عتيقة ، تعتمد على التخصص السلعي في تجارة التجزئة ، وكان أسلوب التوزيع مركزا على إحضار السلع الغذائية من الأقاليم إلى باريس ومن 4ثم توزيعها إلى الأقاليم مرة أخرى . بعد قيام السوق ظهر السوبر ماركت ثم الهايبر ماركت بسلعه المتنوعة والمتعددة .
من الجانب الآخر ، قد يقود التكامل الاقتصادي إلى أن اهجر دولة مصادرها التقليدية التي في دول أخرى خارج المجموعة ، وتجد نفسها مضطرة إلى الشراء داخل المجموعة من منتجي دولة أكثر تكلفة لم تكن لتشتري منها لولا قيام الوحدة الاقتصادية . وهذه إحدى النقاط السلبية في التكامل من وجهة نظر اقتصادية صرفة .
أخيرا ، الزيادة في حجم التجارة مع زيادة الكفاءة الإنتاجية تقودان طبيعيا إلى زيادة النمو الاقتصادي .
أشكال ومراحل التكامل الاقتصادي :
منطقة التجارة الحرة : هنا يقتصر التكامل على إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية بين الدول الأعضاء . ولكل دولة الحرية في فرض رسوم أو تخفيضها فيما بين تلك الدولة وأي دولة أخرى غير عضوة في المنطقة التجارية الحرة . كانت منطقة التجارة الحرة الأوروبية خير مثال لذلك ، وهي تضم النمسا وأيسلندا وسويسرا والدول الإسكندنافية الثلاث . لكنها ذابت في الاتحاد الأوروبي ، وهناك اليوم منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية ( نافتا ) التي تضم كندا والولايات المتحدة والمكسيك . كذلك قامت في عام 1997 منطقة التجارة الحرة العربية التي تضم كل الدول العربية ، 13 منها نفذت الاتفاقية بالكامل والباقية طلبت التأجيل .
اتحاد جمركي : هنا تتفق دول الأعضاء لا على إزالة الرسوم الجمركية فيما بين الدول المشتركة فحسب ، بل لها اتحاد جمركي واحد في مواجهة دول العالم المتبقية ، أي إن كل الدول الأعضاء لديها رسوم جمركية موحدة أمام الدول غير الأعضاء . وخير مثال حاليا هو حلف هضبة الإنديز الذي يضم خمس دول لاتينية ، وكذلك سوق جزر الكاريبي ( 13 دولة ) .
السوق المشتركة : بالإضافة إلى إزالة الحواجز التجارية فيما بينها ووجود اتحاد جمركي ، توافق الدول الأعضاء على السماح لعناصر الإنتاج من عمالة ورأس مال بالانتقال بحرية بين الدول الأعضاء . وهذه ما أعلنته دول مجلس التعاون ، إذ أصبحت سوقا واحدة منذ يناير 2008 .
اتحاد اقتصادي : نفس صفات السوق المشتركة مع درجة عالية من التنسيق في السياسات الاقتصادية النقدية والمالية مع عدة قوانين مشتركة ، ومع خلق سلطة اتحادية كالبرلمان الأوروبي ، وكذلك توحد العملة . هذه المرحلة مرت بها السوق الأوروبية المشتركة ، والآن دخلت في المرحلة التالية .
تكامل اقتصادي وسياسي تام : هنا تنشأ مؤسسات مشتركة جديدة كالبنك المركزي ، وتزيد سلطات المؤسسة المشتركة القائمة كالبرلمان والمحكمة الاتحادية ، وتتوحد الضرائب الخ . إلى أن تصير المجموعة وكأنها واحدة كالولايات المتحدة والاتحاد الروسي .
في الجدول التالي ، نجد أهم المجموعات التجارية في العالم اليوم .
جدول رقم (2-2) المؤشرات الأساسية للمجموعات التجارية الرئيسية 
المجموعة
السكان (2005) مليون
إجمالي الدخل القومي (بلايين الدولارات ) (2005)
حصة صادرات المجموعة فيها بينها كنسبة من صادرات المجموعة السلعية الكلية (1994)
ميركوسر ( برازيل ، أرجنتين ، أوراجواي وباراجواي )
224
638
13%
الاتحاد الأوروبي ( 27 دولة )
480
10.612
67%
أسيان اتحاد دول جنوب شرق آسيا(9 دول)
ايكواظ  مجموعة دول غرب أفريقيا 
544
876
25%
الاقتصادية
221
70
10%
منطقة التجارة العربية الحرة
310
1067
10.2%
مجلس التعاون الخليجي
34
478
6%
اليابان
128
4559
100%
نافتا(منطقة أمريكا الشمالية للتجارة الحرة)
425
12.340
56%

تعطي هذه الأرقام فكرة عن حجم السوق في كل من هذه المجموعات ، حيث نجد أن نافتا التي تضم كندا والمكسيك والولايات المتحدة أكبر سوق من حيث الدخل ، يعقبها حجم السوق الأوروبية المشتركة ، ثم اليابان ، كما يبرز مجلس التعاون كسوق مهم ، خاصة أن حجم السوق ليس فقط بالحجم المطلق ، ولكن متوسط دخل الفرد مهم جدا . وفي هذا نجد السوق الخليجي من الأسواق المهمة . ومازال سباق التكتل الاقتصادي جاريا ، وبينما يتحدث البعض عن تكتل اقتصادي آسيوي بقيادة اليابان ، اتخذت الدول الغربية خطوات عملية نحو خلق وحدات أكبر . كذلك تم التوسع في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة حاليا ، وهناك دول أخرى مرشحة للانضمام ، بينما تسعى أخريات من الدول الشيوعية سابقا للانضمام . ومع بداية عام 1999 صدرت العملة الأوروبية الجديدة ( اليورو ) التي تبنتها 16 دولة من دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن . من الجانب الآخر ، وقعت كندا والولايات المتحدة والمكسيك في عام 1992م اتفاقية منطقة أمريكا الشمالية للتجارة الحرة ، جامعين الثلاثة 425 مليون نسمة في سوق واحد . وقد بدأ تطبيق الاتفاقية ، وزاد فعلا حجم التجارة زيادة كبيرة بما يفوق حجمها في عام 1992م.
هناك مجموعات تجارية أخرى لم نذكرها ، مثل اتحاد الدول المستقلة ( الاتحاد السوفيتي سابقا ) ، لأن صورته وطبيعته لم تتضح بعد ، وكذلك اتحاد الكاريبي ومجموعات أخرى . علما بأن بعض الدول عضو في أكثر من اتحاد مثل الإيكوادور التي تشترك في " لايا " وفي اتحاد الأنديز . من الجانب الآخر ، هناك منتدى التعاون لدول أمريكا والمحيط الهادي الذي قام عام 1994م ، ويضم ثماني عشرة دولة من بينها الولايات المتحدة والمكسيك واليابان والصين ودل أخرى من آسيا وأمريكا الوسطي والجنوبية وهو مجرد منتدى . كذلك هناك منطقة التجارة الحرة بين البرازيل والأرجنتين والباراجواي والأوروجواي حديثة العهد .
من الجانب الآخر ، تختلف هذه المجموعات في درجة التكامل التي حققتها ، كما تختلف في مدى ترابطها الأصلي وجديتها . وبعضها مثل اتحاد الأسيان بدأ عام 1967 بالتركيز على الأهداف السياسية . أما من حيث الإنجازات فالسوق الأوروبية أكثرها نجاحا ، حيث أكثر من 50% من تجارة الدول الأعضاء مع بعضها البعض ، بينما النسبة المماثلة كانت 20% في إفتا ( منطقة التجارة الأوروبية الحرة ) إلى عهد قريب . في أمريكا اللاتينية أكثر من 75% من التجارة في كل بلد هي مع الولايات المتحدة ، ونفس الشيء نجده في غرب أفريقيا حيث تجارة كل دولة مع الدول الأوروبية أكبر من تجارتها مع الدول الأعضاء في المجموعة .
المجمعات التجارية تمثل تحديات وفرصا كبيرة للشركات العاملة داخل المجموعة . وفي عقد الستينيات كان يقال إن الشركات الأمريكية العاملة في دول السوق الأوروبية كانت أكثر من عرف كيف يستغل الفرص التي خلقتها السوق الأوروبية ، لدرجة أن بعضها دق ناقوس الخطر ، متخوفا مثلما نجد في كتاب سيرفان شرابير " التحدي الأمريكي الشهير " في ذلك الوقت ، الشركات الأمريكية العاملة في أوروبا بترشيد عملياتها . شركة فورد للسيارات مثلا وضعت كل عملياتها الأوروبية تحت مظلة واحدة واستراتيجية واحدة ، ودمجت شركة فورد البريطانية مع وصفيتها الألمانية . جنرال موتورز قامت أيضا بترشيد عملياتها ، وبدأت تصنع نفس العربة في إنجلترا تحت اسم فوكسول ، وفي ألمانيا تحت اسم أوبل ،وكانت تنتج نفس العربة في كوريا الجنوبية تحت اسم ريسر مع شركة دايو . تستطيع الشركة بهذه الطريقة أن تستفيد من اقتصاديات الحجم الكبير يصنع الموتور في بلد مثلا ، وبعض الأجزاء الأخرى في بلد آخر ، وتمون البلدان التي لها فيها مصانع من عدة مصادر بالأجزاء المختلفة .
الآن بدأت الشركات الأوروبية ترشد عملياتها ، وتعزو الأسواق الأمريكية ، الشيء نفسه تفعله الشركات اليابانية ، حيث بدأ الحديث ينعكس ويخاف الأمريكيون من التحدي الياباني والأوروبي .
عموما دول العالم تتبنى التكامل الاقتصادي بدرجة متزايدة ، وتعمل كل مجموعة دول على ربط اقتصاديتها وفتحها أمام بعضها البعض . وفي اجتماع لرؤساء أسيان في أول عام 1992م قيام " أوروبا 19993م " حيث اندمجت الأسواق ، وفي عام 1999م صارت هناك عملة واحدة ، وقد بدأت الشركات في الإعداد والتخطيط للعالم الجديد .
أما في منطقتنا العربية ، فقد كانت هناك " اتفاقية السوق العربية المشتركة " لكنها حبرا على ورق . مؤخرا تم إحياء اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية ، بتنشيط البند الخاص بإنشاء منطقة تجارة عربية حرة ، وفعلا تم الاتفاق في عام 1997م على أن تقوم كل دولة عربية بتخفيض رسومها الجمركية بمعدل 10% سنويا أمام الدول العربية الأخرى ، ووقعته 13 دولة هي دول مجلس التعاون الست مع مصر وسوريا والعراق والأردن وليبيا والمغرب وتونس . وقد وضعت تلك الاتفاقية موضع التنفيذ فعلا ، وكان يتوقع أن تقوم منطقة التجارة الكبرى عام 2007م . وقد بدأت حديثا التجمعات الاقتصادية الإقليمية تحقق بعض التقدم مثل اتحاد الدول المغاربية .
وأكثرها نجاحا في هذا المجال هي مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي في الاتفاقية الاقتصادية الموحدة الموقعة عام 1981 . تنص الاتفاقية الاقتصادية الموحدة على السماح للدول الأعضاء باستيراد المنتجات ذات المنشأ الوطني ، وتسمح الاتفاقية بتصديرها بين الدول الأعضاء ، كما تعامل جميع المنتجات الوطنية في أي من الدول الأعضاء معاملة المنتجات الوطنية في نفس الدولة . كما تعفي الاتفاقية كل المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية ومنتجات الثروات الوطنية ذات المنشأ الوطني من الرسوم الجمركية .
وتطالب الاتفاقية الموحدة الدول الأعضاء بوضع حد أدنى لتعريفة جمركية موحدة تطبق اتجاه العالم الخارجي وهي 4% ، وأن تمنع الدول الأعضاء كل التسهيلات بمرور منتجات أي دولة عضو إلى الدول الأعضاء الأخرى بطريقة العبور ( الترانزيت ) وتعفيها من كل الرسوم والضرائب .
كما تضمن الاتفاقية حرية الانتقال والعمل والإقامة وحق التملك والإرث وحق " ترك الوصايات " ، وحرية ممارسة النشاط الاقتصاد ، وانتقال رؤوس الأموال .
بل إنها تتطلع إلى قيام عملة خليجية موحدة . وبالرغم من وجود عراقيل وخلافات حول تعريف السلعة ذات المنشأ الوطني ، والتعريفة الجمركية الموحدة ، وكون بعض القوانين القطرية والجماعية المطلوبة لم يتفق عليها في كل المجالات بعد ، إلا أن العمل جار بجدية لتخطي هذه العقبات ، وتجتمع اللجان الخليجية على مستويات مختلفة وبانتظام .
لكن ما زال أمام الأعضاء الكثير لعمله ، وتخطي بعض النقاط ، وقد تم تحقيق الكثير كالسماح بانتقال الأفراد ورأس المال ، وتملك مواطني المجلس للعقار والأسهم في الدول الأخرى الأعضاء ، ومازال العمل مستمرا .

عموما ، هناك مالا يقل عن 25 مجموعة دول تكتلات اقتصادية في العالم ، منها 4 في الدول الصناعية ، 6 في أمريكا الوسطي والجنوبية ، 4 في أفريقيا ، 5 في آسيا ، بالإضافة إلى المنطقة العربية الحرة . وهناك دول أعضاء في أكثر من مجموعة ، كما تفاوتت المجموعات من مجرد منتدى إلى اتحاد اقتصادي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©