free counters

الاستثمارات الخارجية المباشرة

| |

عرفنا الاستثمار المباشر بأنه " تملك أصول أو أنشطة اقتصادية خارجية والتحكم فيها مهما كانت درجة التحكم " . والاستثمار المباشر مجال كبير لعمليات الشركات الدولية ، وهو بالمثل ذو حجم ضخم ، إلا أنه ليس بمثل ضخامة حجم التجارة الخارجية وذلك أمر طبيعي ، إذ بينما تكتمل العملية التبادلية بانتقال السلعة أو إكمال الخدمة موضوع التجارة ، يتطلب الاستثمار المباشر انتقال رأس المال والكوادر البشرية الإدارية والفنية ، بالإضافة إلى المواد الأولية أو شبه المصنعة . ولذا عملية الاستثمار الخارجي المباشر أكثر تعقيدا من التجارة الخارجية ، وتتطلب ترتيبات وإجراءات أكثر ، وبذا تكثر مخاطرها . لذا تأتي الاستثمارات المباشرة بعد التجارة الخارجية في الأهمية كأعمال دولية ، غير أن المقارنة المطلقة بين أرقام التجارة والاستثمار مضللة ، لأن الاستثمار من التجارة بمثابة رأس المال من المبيعات في حساب النسب المالية للمنشأة ، حيث يتوقع عادة أن تصل نسبة دوران رأس المال ( المبيعات مقسومة على رأس المال ) عدة أضعاف ، وذلك دليل على كفاءة رأس المال . وبالمثل هنا يمكن أن يتولد عن استثمار دولار واحد عدة دولارات من الصادرات أو المبيعات .
مع ذلك ، حجم الاستثمارات العالمية المباشرة التي تتم كل سنة ضخم ، ويعد بالبلايين من الدولارات الأمريكية ، حيث وصل إجمالي تدفق الاستثمارات المباشرة إلى كل دول العالم ما يفوق المائتي بليون دولار أمريكي في عام 1990م ، زادت بمقدار الثلثين تقريبا في السنوات الخمس التالية لتصل إلى 333 بليون دولار في عام 1995م ، ثم قفزت لتفوق التريليون دولار مع نهاية الألفية الثانية ، لتنخفض بعد حوادث 11 سبتمبر وتستقر عند ما يقارب التريليون . وذلك طبقا لصندوق النقد الدولي ، أي أن حجمه يعادل 10% تقريبا من حجم التجارة العالمية ، إلا أن له معدل نمو أضعاف معدل نمو التجارة . وفي الجدول ( 1-5 ) ، نبرز حجم تدفق الاستثمارات الخارجية في العقود الأخيرة حتى عام 2005م . والأرقام تمثل الاستثمارات الجديدة فقط ، ولا تمثل الرصيد المتراكم .
جدول رقم ( 1-5 ) تدفق الاستثمارات المباشرة الداخلة
( بلايين الدولارات الأمريكية )
                   السنة         المنطقة
1975م
1985م
1990م
1995م
2000م
2005م
العالم
16
48
201
333
1388
916
الدول الصناعية
9
35
169
217
1108
542
الدول النامية
6
13
32
116
252
334
الحصة من الإجمالي
38%
27%
16%
35%
18%
36%

الشيء الذي يلاحظ بسهولة من هذه الأرقام ، هو معدل النمو الهائل في هذه الاستثمارات ، حيث صار حجم تدفقها السنوي في نهاية عقد الثمانينيات أكثر من أربعة أضعاف حجمه في بدايتها ، وقد قدرنا معدل ذلك النمو بأكثر من 30% سنويا لكل العالم . حصة الدول الصناعية عالية ، لكن السنوات الأخيرة شهدت تدفقات عالية نحو الدول النامية ، مما يستدعى نظرة نحوها .مثل هذا المعدل العالي من النمو يعني أن الاستثمار الخارجي المباشر يزداد أهمية كل يوم ، وإنه تدريجيا يحل محل التجارة الخارجية في بعض الجوانب . هذه الاستثمارات تمثل انتقالا لرأس المال ، والمواد البشرية والتقنية تقوم بها الشركات والمؤسسات التجارية العالمية .



الاستثمارات الأجنبية المباشرة .. مصدرها ومقصدها :
ومثل ما رأينا في التجارة ، تتركز الاستثمارات الأجنبية في الدول المتقدمة ، حيث استقبلت ما يفوق 75% من الاستثمارات الكلية أحيانا ، وقد كانت الولايات المتحدة دوما أكبر متلق . لكن مع بداية الألفية الثالثة ، بدأت حصة الدول المتقدمة لصالح الدول النامية والاقتصادية تحت التحول ، بل إن حصة الصين صارت الأولى عالميا في السنوات الأخيرة .
وقد لاحظنا في الجدول رقم ( 1-5 ) تذبذب حصة الدول النامية النسبية من إجمالي الاستثمارات الدولية المباشرة رغم الزيادة المطلقة قيها خاصة فيما قبل التسعينيات ، لكن هناك زيادة واضحة وكبيرة في عقد التسعينيات وما بعده ، تنبئ عن اهتمام متزايد من جانب الشركات الدولية بالاستثمار في الدول النامية كأسواق ومناطق إنتاج . إلا أن هذه القفزة لم توزع بالتساوي بين الدول ( انظر الجدول رقم 1-6 ) من حيث المصادر . من الطبيعي أن الدول الغنية حصتها طاغية خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، وتمثل الأخيرة أكبر مصدر للاستثمارات المباشرة ، وحصة اليابان ضعيفة مقارنة بالولايات المتحدة ، وذلك يعكس ميل الشركات اليابانية إلى التجارة أكثر من الاستثمار في الخارج . وبين الدول النامية تجد دول جنوب شرق وشرق آسيا هي القائدة بين الدول النامية . أما الدول العربية ( غرب آسيا ) فحصتها ضعيفة ومتذبذبة ، لكنها قفزت في الألفية الجديدة لتعكس ارتفاع أسعار البترول .

أما من حيث المقاصد ، فهنا أيضا تلقت الدول المتقدمة الحصة الأكبر ، يبدأنها حصة متناقصة ، بينما حصة الدول النامية متزايدة ، وقد شاركت كل المجموعات في هذه الزيادة ، وخاصة الدول آسيوية . كما قفزت حصة الدول العربية ( غرب آسيا ) قفزة كبيرة نسبيا في الألفية الثالثة ، وذلك لارتفاع الدخول بعد تحسن أسعار البترول . أما حصة دول أفريقيا فضعيفة ، لكنها متزايدة .
أمام الدول العربية الكثير الذي عليها أن تفعله إن كان لها أن تجتذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ، مثلما فعلت الدول النامية الأخرى ، خاصة الآسيوية التي نجحت فيلا ذلك ، وتمكنت من إنعاش اقتصادياتها ، وزيادة دخولها من جراء ذلك .
أما الاستثمارات العربية البينية المباشرة ( من دولة عربية أخرى ) ، فهذه أيضا لم تخل من تذبذب في السنوات الأولى من عقد التسعينيات ، لكنها شهدت بعد ذلك قفزات هائلة ، مما يعني أن جاذبية الدول العربية لبعضها البعض ازدادت ، وذلك مؤشر حسن وقد وجدت دراسة حديثة أن دول الخليج هي المصدر الأول لهذه الاستثمارات ، تليها دول الشام ، وأن دول وادي النيل استحوذت على الحصة الأكبر منها ، بينما كانت الصناعة أكثر المجالات التي يميل إليها المستثمرون في الدول العربية ، تليها الاستثمارات المصرفية .
قلة جاذبية الدول العربية للاستثمارات ، يجل ألا تعني أن دراسة الأعمال الدولية غير ذات أهمية لنا ، بل ذلك سبب آخر لزيادة الاهتمام بها لمعرفة كيف تعمل الشركات الأجنبية إذا كان لنا أن تجذبها . وخلاف ذلك ، هناك سبب آخر لنهتم بمعرفة كيف تعمل الشركات الأجنبية هو أن الدول العربية كمجموعة مصدر مهم لرأس المال ، ولها استثمارات خارجية كبيرة مباشرة وغير مباشرة . أما حجم الاستثمارات العربية خارج الدول العربية ، فهذا مصدر تكهنات ، ومن الصعب معرفة حجمها الحقيقي ، لأنها تشمل آلاف الأفراد ، بالإضافة إلى الحكومات . ويقول تقدير منظمة العمل العربية إنها بلغت 1.200 بليون دولار في 2003م وبالنسبة لاستثمارات الشركات والأفراد في الخارج ، فيقدر أن القطاع الخاص الكويتي على سبيل المثال ، كان يمتلك ما قيمته 70 مليار دولار عام 2002 ، وأن الودائع السعودية في الخارج بلغت 420 مليارا في نهاية القرن ، وحتما تضاعفت تلك الأموال منذ ذلك التاريخ .
أما الاستثمارات الحكومية في الخارج ، أو ما صار يعرف بصناديق السيادة ، فهذه بلغت أرقاما فلكية ، حيث كانت في عام 2007 مقدرة ما بين 500-875 مليون دولار لإمارة أبو ظبي و 327 مليار دولار للسعودية و 250 مليار دولار لحكومة الكويت ، و82 مليار دولار لإمارة دبي ، 61 مليارا لدولة قطر ، 50 مليارا دولار للجماهيرية الليبية و 47 مليار للجزائر ، وحتى دولة فقيرة كالسودان لها صندوق به 0.1 مليار .
هذا فيما يختص بالأموال المتراكمة، أما التدفق السلعي الخارجي ، فقد قدر بــ 13 بليون دولار عام 2006 من كل دول غرب آسيا ، علما بأن جل مصدره دول مجلس التعاون الخليجي خاصة الكويت والإمارات ، حيث قدر حجم الاستثمارات المباشرة المتدفقة في ذلك العام بـ 8 بلايين دولار من الكويت و 25 بليون من الإمارات ، ومليار من البحرين ، و 800 مليون من المملكة العربية السعودية .
من الطبيعي أن حجم هذه الأموال يتأثر كثيرا بأسعار النفط صعودا أو نزولا ، لكن ما نحاول تأكيده في هذه الأرقام ، هو أهمية الأعمال الدولية للبلاد العربية أفرادا أو مؤسسات وحكومات ، وأنها مجال يتطلب إعداد قدرات ومهارات لإدارة هذه الأصول ، وتأهيل الشباب المتعلم في مجالها .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©