free counters

انتقادات نموذج الميزة التنافسية

| |

لم يسلم هذا النموذج من النقد كونه اقتصر على دول قليلة ، بينما يقول آخرون أن للدولة والصدف دورا في خلق الميزة أكبر مما يوحي به النموذج . غير أن من محاسنه كونه يجمع بين وضع الدولة ووضع الشركة ، فللميزة أكثر من جانب ، وتتطلب شروطا في الاثنين معا :
التجارة الحرة والسياسة التجارية :
نظريات التجارة الخارجية السابقة قائمة على عدة فرضيات مسبقة مثلما رأينا عند استعراض نظرية الميزة النسبية . بعض هذه الفرضيات قصد منها التبسيط وتحييد أثر بعض التغيرات الأخرى ، حتى نفهم أثر المتغيرات موضع الاهتمام . وبعض هذه الافتراضات غير ضروري لإثبات صحة النظرية ، ويمكن بعد فهم العلاقة إدخاله كمتغير إضافي بدون أن يهدم هذه النظرية . هذه الافتراضات هي مثل افتراض وجود بلدين وسلعتين فقط أو عدم ذكر تكلفة المواصلات . يمكن نظريا تطبيق النظريات على ثلاثة بلدان أو أكثر ، أو ثلاث سلع أو أكثر ، وإدخال تكاليف الشحن والترحيل ، وتظل النظرية ونتائجها قائمة .
إلا أن هناك افتراضات أخرى لا تصح بدونها النظرية مثل افتراض وجود المنافسة التامة داخل كل دولة على حدة ، وكذلك بين الدول ، أي أن التجارة بين الدول تجارة حرة . بدون هذه الافتراضات لا تصح النظرية ، وعلى الأخص افتراض التجارة الحرة فبدون التجارة الحرة تقل الفوائد التي تجنيها الدول من التبادل التجاري ، حيث إن توزيع عناصر الإنتاج بين الأشغال المختلفة لن يكون اقتصاديا ، بمعنى أن الموارد لن تستخدم في المجالات التي تحقق أكبر قدر ممكن من المردود . لذا يدعو كثير من الاقتصاديين إلى تحرير التجارة بين الدول ، ولا يؤيدون فرض قيود عليها إلا في حالات استثنائية .
السياسة التجارية للدولة :
هل تتبنى الدولة سياسة التجارة الحرة أم لا ؟ وإلى أي مدى ؟ السياسة التجارية هي انعكاس لموقف الدولة ونظرتها إلى التجارة الخارجية ، كأداة لتحقيق مصالحها الاقتصادية القومية ، والسياسة التجارية بذلك عمل من أعمال السيادة ، فلكل دولة أهداف قومية تسعى لتحقيقها من خلال سياستها الاقتصادية المختلفة . قد تضع الدولة قيودا على دخول وخروج السلع من أراضيها ، كما تضع قيودا على الخدمات الخارجية التي تنقذ لمصلحة مواطنيها ، أو التي يقوم بها مواطنوها أو مؤسساتها في الخارج ، وتوصف تلك السياسات بأنها تقييدية أو حمائية وفي الحقيقة ليست هناك بلدان تمارس تجارة بدون قيود إطلاقا في الوقت الحالي ، وكل الدول الموجودة اليوم فرضت في مرحلة من تاريخها الحديث قيودا شديدة على التجارة ، وحاليا تتفاوت البلدان في حدة القيود . دعنا ننظر إلى بعض أساليب وأسباب تقييد التجارة فيما يلي :
سياسة الحماية وأدواتها :
تقوم الدولة هنا إما بوضع رسوم جمركية على السلع المستوردة ، أو تضع قيودا غير جمركية مثل نظام الحصص في تحديد الكمية المسموح باستيرادها ، أو إلزام المؤسسات الحكومية بالشراء من المنتج المحلي فقط ، الخ ..
الرسوم الجمركية :
تضع الدولة رسوما أو تعريفة على كل سلعة مستوردة ، وكذلك يرتفع سعرها أمام المستهلك . تهدف الدولة من ذلك إما لزيادة الدخل الحكومي كما يحدث في كثير من البلدان ، إذ تتحصل الدولة على عائد الرسوم التي تدخل خزينة الدولة لتمويل الإنفاق الحكومي على الخدمات المختلفة . ومن الجانب الآخر ، قد تهدف الدولة من فرض الرسوم إلى حماية الصناعة المحلية أو الإنتاج المحلي ، لأن فرض الرسوم على المستورد يرفع السعر النهائي ، الشيء الذي يجعل المستهلكين ينفرون من شراء السلع الأجنبية ، ويزيد إقبالهم على السلع المحلية ، خاصة إما ما كان الطلب على السعة مرنا سعريا ، أي أنه حساس لزيادة الأسعار .
الاقتصاد الأماني " فريدرك لست " كان ألأحد أكبر دعاة تقديم الحماية للصناعة الألمانية في القرن التاسع عشر ، عندما كانت ألمانيا متأخر صناعيا في ذلك الوقت مقارنة بإنجلترا وفرنسا ، حيث كان يجادل بأن نظرية الميزة النسبية نظرية ساكنة تنظر فقط إلى الوضع القائم ، وتمنع الدولة من إظهار ميزاتها الكامنة ، وتطويرها ، ولذا يدعو إلى حماية الصناعة الوليدة حتى تشب عن الطوق ، ويقوي عودها ، وبعد ذلك يمكن رفع الحماية وتحرير التجارة . تشبيه الصناعة الجديدة بالطفل الوليد والدفع بذلك من الحجج التقليدية التي يدفع بها . ويتقبل الاقتصاديون هذه الحجة طالما هي إجراء مؤقت .
الحصص : في نظام الحصص ، تقوم الدولة بتحديد " حصة " معينة أي كمية محدودة من سلع أو سلعة مستوردة لا يسمح باستيراد أكثر منه . بدلا من محاولة تقليل الكمية المستوردة لفرض رسوم ، ثم ترك السوق يحدد الكمية ، تقوم الدولة مباشرة بتحديد الحصة المسموح باستيرادها بذلك يفترض أن يكون المجال قد اتسع أمام السلع المحلية المنافسة وتزدهر الصناعة المحلية . من الجانب الآخر ، قد تمنع الدولة أو تضع ( حصة ) تحدد بها الكمية المصدرة من سلع أو سلعة استراتيجية كالقمح وغيره . الاقتصاديون عادة يفضلون نظام الرسوم على نظام الحصص ، حيث أن تخفيض الكمية المستوردة في حالة الرسوم الجمركية يتم من خلال العرض والطلب ، بينما يخضع ذلك في حالة الحصص إلى قرارات وإجراءات إدارية قد تكون غير صائبة وبيروقراطية ، كما يرى الكثيرون أنها مدخل إلى إفساد الذمم .
بالإمكان أيضا أن يكون هناك نظام حماية مزدوج ، بحيث تفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة وتحدد كميتها ، كأن توضع حصة لا يتعدى المستورد منها حجم تلك الحصة . كذلك تفرض الرسوم أحيانا ليس لتقليل الاستيراد ، وإنما لزيادة الدخل الحكومي كما أشرنا سابقا ، وفي تلك الحالة ، يزيد الدخل الحكومي إذا كان الطلب على السلعة غير مرن ، أي إن المستهلكين لن يخفضوا من مشترياتهم منها بدرجة تذكر .
أساليب الحماية والقيود الأخرى : بالإضافة إلى فرض الرسوم الجمركية وتحديد الحصص ، هناك أساليب أخرى للحد من الاستيراد أو حتى الحد من التصدير ، كأن تضع الدولة قوانين تمنع الشراء من منتج أجنبي في حالة تنفيذ العقود أو المشاريع الحكومية أو أن تضع عراقيل وإجراءات إدارية أما المستورد أو الشركة الأجنبية أو أن تتبنى الدعوات والشعورات التي تنادي بالشراء من الوطن ، مثلما تشاهد اليوم في بعض البلدان المتقدمة .
هناك أيضا جمعيات واتحادات المنتجين العالمية مثل اتحاد الدول المصدرة للنحاس ، واتحاد السكر ، واتحاد البن . وأشهر هذه الاتحاد هو منظمة الدول المصدرة للبترول المعروفة ب " أوبك " ، وهي الحروف الأولى من الاسم الإنجليزي . السلع موضوع هذه الاتحادات هي سلع استراتيجية للدول المعنية وللعالم أحيانا مثل البترول والنحاس ، وبما أنها سلع أساسية ، فهي تتأثر كثيرا بتقلبات أوضاع الاقتصاد العالمي ، ولذا ستكون أسواقها غير مستقرة إذا أطلقت فيها الحرية لقوى العقل والطلب لتعمل دون قيود ، وبالتالي ستكون مداخيل الدول المنتجة غير مستقرة . بالإٌضافة إلى ذلك وبما أن ( المخزون ) من هذه السلع محدود ، والاحتياطيات المعروفة منها ذات حجم محدود ، لذا رأت هذه الدول أن تنظيم إنتاجها وتصديرها مهم جدا لهذه الدول المنتجة وللعالم ككل من أجل أن تستفز اقتصاديات هذه الدول ، ومن أجل إطالة الزمن الذي يستطيع فيه العالم أن يستمتع بهذه المدخلات.
سياسة التجارة الحرة ودور ( الجات ) :

يرى دعاة حرية التجارة أن تلك الحرية تقود إلى التخصص العالمي الأمثل ، وإلى التوزيع الأكفأ للموارد عالميا ، حيث يتخصص كل قطر من إنتاج السلع التي له فيها ميزة نسبية ، وبذلك يزيد الإنتاج العالمي من السلع والخدمات وتزيد الرفاهية . من الجانب الآخر ، يقر كثير من أولئك الدعاة بأن هناك أوضاعا قد تضر فيها التجارة الحرة بدولة ما ، وتبقيها في وضع متأخر يحرمها من إظهار قدراتها الكامنة وتطويرها – على أن ذلك يبقي الاستثناء لا الحكم – ولذا لا يمانعون من فرض قيود على التجارة في مثل تلك الأحوال شريطة أن تكون محددة بفترة زمنية معينة ترفع بعدها تلك القيود .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©