free counters

الحكومات وحساب قيمة المشروع

| |

تظهر المحاسبة المالية الموقف المالي وقيمة المشروع من وجهة نظر الشركة الخاصة أو الفرد المالك ، لكنها لا توضح قيمة المشروع للمجتمع ككل ، وهو الأمر الذي يسعى الاقتصاديون لتقديره ، فيقيسون ما يمكن قياسه ، ويقدرون قيما لما يصعب قياسه . ويأخذ صانعو القرار في الدولة ذلك التقدير ليحددوا إن كان للاستثمار الأجنبي المقترح جدوى تسمح بقيامه . فلنبدأ بالنظر في التقديرات المحاسبية أولا ، ولنفترض أن شكل حساب المتاجر لمشروع أجنبي مقترح كان كالتالي : 
( 1991 ) 
جدول رقم (5-1) حساب المتاجرة للمشروع المقترح ( ألف دولار )
المبيعات

1000
تكلفة المبيعات : أجور
مواد خام مستوردة
مواد خام محلية
إجمالي التكلفة المباشرة
تكاليف غير مباشرة
فوائد
200
400
100



700
50
50
أرباح صافية

200

تعديلات الحساب الفردي إلى حساب اجتماعي :
الحساب أعلاه ، يوضح النتيجة فيما يختص بالشركة الأجنبية ، وإذا ما أردنا أن نجعله يعكس وجهة نظر البلد المضيف ، علينا أن نقوم بعدة تعديلات مثل :
إذا كانت هناك رسوم جمركية لحماية السلعة المنتجة محليا تساوي 30% من السعر النهائي للسلعة مثلا ، تصبح قيمة المبيعات من وجهة نظر الاقتصاد ككل 700 ألف ريال وليست مليونا كما تظهر في حساب المتاجرة . ومبلغ الـ 300ألف مجرد ضريبة يدفعها المستهلك ، وليست إضافة للقيمة المنتجة . فهي إذن مجرد تحويل أموال من المستهلك للدولة بقيمة الرسوم .
لنفرض إن هناك عطالة في الاقتصاد وليس لكل العمال وظائف ، وأن المشروع الأجنبي الجديد يوظف عمالا عاطلين سابقا . هنا تكون تكلفة العمالة من وجهة نظر المجتمع صفرا ، لأن التكلفة الاقتصادية الحقيقية هي تكلفة الفرصة البديلة ، أي إن تكلفة تشغيلهم في المشروع الجديد هي أخذهم من وظائفهم القديمة ، وبما أنه لم تكن لديهم وظائف سابقة فتكلفتهم صفرا من الوجهة الكلية . بذا يعدل حساب المتاجرة لتكون الأجور صفرا بدلا من 200 ألف .
دفعت الشركة 50 ألف دولار على ديون اقترضتها محليا . من وجهة نظر الاقتصاد ككل ، لا يهم كم من المال المستثمر قرضا وكم دفعه المساهمون . الفائدة المدفوعة على القرض هي إذن مجرد توزيع داخلي ، وتحويل أموال من المساهمين إلى البنوك أو المقترضين . إذن لا توجد أي فوائد مصرفية في طريقة حساب المجتمع في هذه الحالة ، ولنضع صفرا مكان الفوائد المقدرة بـ، 50.000 دولار في جدول رقم (1-5) 
بدلا من الفوائد ، احسب تكلفة الفرصة البديلة للمال المستثمر ( قروضا ورأس مال ) ، وهي تعادل العائد الذي كان سيجنيه المال المستثمر إذا ما استثمر في مشروع بديل غير الذي استثمر فيه . وبافتراض إن إجمالي المال المستثمر كان 500 ألف رأس مال و400 ألف ديون ، تكون تكلفة الرأسمال من وجهة نظر المجتمع = 900 × 15% = 135 ألف دولار كرأسمال وتخصم هذه من القيمة العائد لتصل إلى المنفعة المقدرة للمشروع . إذن ضع في مكان الفوائد في جدول رقم 135 ألفا كتكلفة للفرصة البديلة .
يمكن أيضا تعديل تكلفة المواد الخام المستوردة وحسابها بسعر الظل للعملة الأجنبية ، بدلا من حسابها بالسعر الرسمي ، إذا كانت الدولة تمارس الرقابة على النقد ، وهناك سوق أسود للعملة الأجنبية يزيد فيه السعر بمقدار 25% فوق السعر الرسمي مثلا . في هذه الحالة تصبح تكلفة المواد الخام 500 ألف دولار بدلا من 400 ألف .
بعد التعديلات المذكورة ، يصبح كشف حساب المشروع المقترح هو ما نجده في جدول رقم (2-5) أدناه . المشروع غير مجد إلا إذا فرضت ضريبة 50% على أرباح الشركة ( المقدرة بـ 200 ألف ) ، وحينها يمكن أن يصبح المشروع مجديا للبلد .
جدول رقم (2-5) كشف حساب المشروع المقترح من وجهة
نظر الدولة المضيفة ( ألف دولار )
المبيعات

700
تكلفة المبيعات : أجور
مواد خام مستوردة
مواد خام محلية
إجمالي التكلفة المباشرة
تكاليف غير مباشرة
تكلفة الفرصة البديلة
صفر
500
100



600
50
135
إجمالي التكلفة

785
خسائر

-85

هذا مثال لواحدة من طرق التقييم الاقتصادية المذكورة أعلاه ، والتي يمكن استخدامها لتحديد قيمة أي استثمار أجنبي مقترح قبل الموافقة عليه أو رفضه ، وهي تعرف بطريقة المنفعة الصافية .
حوافز وقيود :
تتأرجح نظرة الدول – خاصة الدولة النامية – نحو الاستثمار الأجنبي ما بين راغبة فيه ومتوجسة خوفا منه . ترحب الدول بما يجلبه الاستثمار الأجنبي من رأسمال وتقنية ينشطان الاقتصاد المحلي ، لكن الدولة تخشى أن تفقد السيطرة على جزء رئيسي من اقتصادها ، وأن تنتقل قرارات تؤثر على النشاط الاقتصادي من يدها إلى أيدي مديري شركات خارجية . وفي محاولة للاستفادة من الاستثمار الأجنبي إلى أقصى حد ، مع تجنب أي آثار سلبية محتملة منه ، سنت كثير من الدول قوانين خاصة بالاستثمار الأجنبي تشجعه بتقديم الحوافز له ، مع وضع ضوابط تحدد نوعه ومجاله ،وأنشأت إدارات حكومية لتشرف على ذلك .
الحوافز : توضع الحوافز أساسا لجذب الاستثمار الأجنبي للبدل وتوجيهه نحو مجالات معينة أو مناطق بعينها تسعى الدول للحصول على التقنية المتقدمة بهذه الطريقة لتنمية مواردها وتحسين منتجاتها وتوسيع أسواق صادراتها من خلال الشركات ( م ج ) أو الاستفادة من قدرات الشركات م ج لتنمية المناطق المتخلفة في القطر وزيادة العمالة والدخل القومي فيه . تضمن الدولة هذه الحوافز المقدمة في تشريع ونظام قانوني يعكس هذه السياسة ويعمل لتحقيقها .
تشمل الحوافز المقدمة عادة قائمة طويلة من الإعفاءات والتسهيلات ، توجه للشركات المستحقة ، نذكر منها : 
إعفاء من ضرائب الدخل والأرباح 
إعفاء من سداد رسوم الجمارك على الآليات والمواد الخام المستوردة لعدد من السنين . 
إعفاء من أي رسوم أخرى كضرائب الإنتاج والرسوم المحلية ... الخ .
توفير الطاقة والمنافع الأخرى بأسعار مخفضة .
منح قطع أرض في المناطق الصناعية بأسعار رمزية لإقامة المنشآت عليها . 
تسهيل إجراءات التسجيل والمعاملات الرسمية . 
منح حماية المنافسة الأجنبية بفرض تعريفة جمركية على السلع المستوردة المنافسة أو منع أو تحديد استيرادها بحصة معينة . 
تقديم ضمانات ضد المصادرة والاستيلاء بالتعويض في تلك الحالة واللجوء إلى التحكيم في حالة الاختلاف . 
هذه مجرد أمثلة لما يمكن أن تقدمه الدولة المضيفة للشركات الأجنبية التي تستوفي شروطا معينة تضعها الدولة كأن يكون الاستثمار المرشح ذا رأسمال كبير أو أنه يساهم بصورة فعالة في رفع حجم العمالة في البلد عامة أو في منطقة معينة متخلفة في البلد أو أنه يقدم تقنية متقدمة راقية تحتاجها البلد 
وقد تكون الشروط هي وجود شريك محلي له حصة لا تقل عن نسبة مذكورة أو أن يستخدم الاستثمار المواد المحلية بنسبة مقبولة .
وتضع بعض الدول معايير لقبول الاستثمار الأجنبي أو لمنح الحوافز وترتبط هذه المعايير بالأداء في مجال التصدير أو تقليل الاستيراد أو نسبة المحتوى المحلي . 
وقد وجدت بعض الدول أن التعامل مع البيروقراطية والروتين وتطويل الإجراءات من الأشياء التي تزعج المستثمرين وتثبتهم عن الاستثمار أحيانا فعملت على إنشاء إدارات موحدة يتعامل معها المستثمرون المرتقبون لتسهيل الإجراءات 
وتقوم تلك الإجراءات الموحدة أحيانا بإنهاء جل المعاملات التي تخص المستثمر الأجنبي مع الوزارات والمصالح الأخرى نيابة عنه كتأمين قطعة الأرض الممنوحة للتشييد والإسراع في عملية إصدار الموافقة والرفض كما نجد في الهيئة العامة للاستثمار بمصر والسعودية وفي تونس والسودان وقد توجد لجان الاستثمار الأجنبي مكونة من عدد من الأعضاء يمثلون الوزارات والدوائر الحكومية المختصة للنظر في الطلبات والتأكد من استيفاء الأوراق المطلوبة لاتخاذ القرار النهائي ورفع التوصية للسلطات العليا ليتم كل ذلك خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا . 
القيود : تبدأ هذه القيود أولا بتحديد المجالات التي يسمح بالاستثمار فيها ، حيث تكون هناك قطاعات مقفولة أمام المستثمر الأجنبي لأسباب استراتيجية لا تريد البلدان أن تعتمد فيها على الأجانب أو قد تحدد ألا تزيد حصة الاستثمار الأجنبي عن نسبة معينة من الملكية 15 أو 49% مثلا وتضع بعض الدول قيودا على شراء الشركات المحلية ففق الولايات المتحدة الأمريكية توجد لجنة تنظر في عرض شراء أي شركة أمريكية بواسطة مستثمر أجنبي في مجالات مختارة 
وقد ترفض تلك اللجنة السماح بشراء شركة معينة تعمل في مجال استراتيجي كعرض شراء شركة طيران أو شركة صناعة طائرات أو شركة كمبيوتر أو أي قطاع تعتبره الدولة استراتيجيا وقد حدث ذلك حديثا إذ مُنعت شركة صينية من شراء شركة كونوكو الأمريكية للبترول أو مثلما حدث لشركة خدمات إدارية إماراتية منعت من إدارة موانىء أمريكية . 
بالإضافة إلى قيود الملكية هناك قيود في قوانين بعض البلدان على حجم اقتراض الشركة الأجنبية من سوق المال المحلي أو على عدد العاملين من الأجانب في الوظائف العليا أو الدنيا ليس ذلك فحسب بل قد تقوم الدولة بمساعدة شركاتها الوطنية ودعمها في وجه المنافسة الأجنبية ومنحها تسهيلات رأسمالية أو تقوم بالشراء منها بمنح منتجاتها أفضلية في المشتريات الحكومية أو تقديم دعم مالي للبحوث والتطوير وإتاحة النتائج التطبيقية لشركاتها حيث تقوم دول شرق آسيا حاليا بتحديد الشركات والمجالات التي يمكن أن تنافس تلك المجالات التي يمكن أن تنافس صناعاتها الآخرين فيها . ومن ثم تقدم أنواع الدعم المختلفة للشركات الوطنية العاملة في تلك المجالات ويجرى حاليا نقاش حاد عن هل تقوم الحكومة الأمريكية بذلك أم تترك ذلك لقوى السوق علما بأتن ذلك لا يعني أنه ليس هناك في الوقت الحالي أي نوع من الدعم تقدمه وزارات الحكومة الأمريكية لشركاتها الصناعية والزراعية فهناك دعم زراعي أمريكي للمزارع الأمريكي وكذلك دعم أوروبي لمزارعي الدول الأوروبية وهذه القضايا مثار خلاف بين الدول في ميدان التجارة الدولية .
بعض الشواهد العلمية عن دور الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية :
كما رأينا سلفا ، فقد زاد تدفق الاستثمارات المباشرة إلى الدول النامية في السنوات الأخيرة غير أن ذلك التدفق اختلف بين المناطق والدول ، وكانت حصة الدول العربية والأفريقية هي الأضعف . ورغم ضعف التوثيق ، لكن يبدو من ناحية التوزيع القطاعي أن حصة الخدمات كانت قد فاقت الثلث ، بينما حصة التصنيع أقل قليلا من النصف ، وما تبقى كان في الزراعة والتعدين طبقا لتقديرات البنك الدولي ( 1997 ) وفي عام 2005 قاربت حصة الخدمات الثلثين ، بينما الخمس في الصناعة و8% في القطاعات الأولية كالزراعة والتعدين ( 2006 ) ، فيما بين الخدمات كانت الخدمات المالية هي صاحبة النصيب الأكبر ، تليها التجارة والتشييد والسياحة . وداخل الصناعة لوحظ توجه بعيد عن الصناعات قليلة التقنية أو كثيفة العمالة
( كالأغذية والنسيج والورق المطاط ) إلى الصناعات عالية التقنية ( كالالكترونيات ، والكيماويات والأدوية ) .
أما عن مصدر هذه الاستثمارات ، فقد كانت اليابان هي أكبر مصدر لرأسمال الاستثمار المباشر في السنوات الأخيرة ، والحصة الأكبر من استثماراتها كانت موجهة للدول الآسيوية . كذلك ظهرت دول نامية أخرى كمصدر لرأس المال كالصين والبرازيل وتشيلي . حقيقة دور الصين كمستثمر في الدول النامية لتأمين حاجتها من المواد وصل مرحلة متقدمة.
وبالنسبة لأثر الاستثمار على ميزان المدفوعات ، فالدراسات الموجودة توحي بأن جزءا كبيرا من أرباح الشركات الأجنبية يعاد استثماره في نفس الدول النامية . والصورة الآن هي أن الأثر سلبي في البداية بسبب استيراد الآليات ، لكن بعد فترة يبدأ التصدير ، ومن ثم يكون الأثر موجبا . وفي المرحلة الثالثة تبدأ الأرباح تتدفق لكنها تستثمر محليا .
كذلك أوضحت الدراسات أن الاستثمار الأجنبي المباشر يزيد الصادرات والنفاذ إلى الأسواق ، وأن نسبة ما تصدره الشركات من إنتاجها زادت بشدة في أمريكا اللاتينية ، حيث الشركات الأمريكية ، وأنها نسبة ثابتة لكنها عالية تصل 80% كما في ماليزيا ، حيث نجد الشركات اليابانية . وفي الصين ارتفع صادرات الشركات الأجنبية في الصين من إجمالي صادرات الصين من 8% عام 1991 إلى 11% عام 2002 حقيقة اعتمدت أغلب هذه الدول التصدير كاستراتيجية ، وفتحت أبوابها للشركات الأجنبية في الثمانينيات والتسعينيات . فلذا من الطبيعي أن يكون دور الشركات الأجنبية كبيرا في التصدير .
من حيث الأثر على الدخل ، وجدت الدراسات أيضا أن هناك علاقة موجبة بين الاستثمار الأجنبي المباشر ، ونمو الناتج المحلي الإجمالي في دراسة شملت 23 دولة نامية أشار إليها تقرير البنك الدولي عن الاستثمار . كذلك هناك دراسة أخرى أجريت عام 1995م شملت 69 قطرا ناميا مشار إليها في نفس المصدر وجدت علاقة موجبة بين الاثنين أيضا وفي السبعينيات كانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة تمثل 2% من تكوين رأس المال عالميا في الدول النامية ارتفعت إلى 5% و 7% في التسعينيات على التوالي .
وفيما يختص بنقل التقنية ، فالشواهد ليست كافية ، لكنها توحي بوجود علاقة موجبة فقد لوحظ مثلا أن التدفقات العالية للاستثمار المباشر ، تصحبها زيادة في إنتاجية الأفراد . كذلك لوحظ أن الإنتاجية عالية ضمن الدول النامية التي لها علاقات وثيقة مع الدول الصناعية ، وقد يكون مصدر ذلك التقنية المتضمنة في السلع المستوردة من تلك الدول ، أو من الاستثمارات الآتية منها .

كون أن أثر الاستثمار الأجنبي صار موجبا عموما ليس بمستغرب ، نسبة لأن الدول النامية لم تعد تسمح بنوع الاستثمار الاستخراجي التقليدي في المعادن والزراعة ، حيث أممت هذه المجالات التي هي عموما ضعيفة الصلة باقتصاديات البلد الذي هي فيه . وهناك توجه نحو الخدمات والصناعة المتقدمة كما لاحظنا . كذلك صارت للدول قدرات تفاوضية في مواجهة الشركات الأجنبية ، كما أنها وضعت القوانين لتنظيم الاستثمار الأجنبي بهدف التحكم فيه ، وتعظيم الفائدة منه ، وتقليل المضار التي يمكن أن تنجم عنها ، كما أن الدول تشجع دخول صناعات معينة لها أثر حسن على اقتصاد الدولة ، وقد وضعت كثير من الدول الحوافز لذلك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©