نقل التقنية : التقنية مورد قابل للاستهلاك ، يتكون من معلومات وقدرات وسبل استخدام وتحكم في الموارد بغرض إنتاج وتوزيع السلع والخدمات المرغوبة اقتصاديا واجتماعيا . وتختلف التقنية عن العلوم الصرفة ، لأن التقنية بتطبيق المعارف العلمية ، بينما تركز العلوم الصرفة على معرفة خصائص الأشياء والعلاقات فيما بينها . وتنقسم التقنية إلى عدة تصنيفات :
تقنية صلبة : تشمل الآليات ، والرسومات الهندسية ، والتوصيفات الفنية تستخدم في استغلال الآليات الصلبة .
كذلك هناك تقنية ناعمة تتمثل في أساليب الإدارة والتسويق والتمويل والبرمجة .
(ج) تقنية متقدمة : ( آخر صيحة ) .
(د) وتقنية قديمة .
(هـ) تقنية محزومة : تأتي فقط كجزء من حزمة أو اتفاق ، ومرتبطة به .
(و)أو تقنية حرة متاحة عند الصانعين .
التقنية ليست شيئا يمكن شراؤه بحرية من على الرف ، أو من أي شخص . وعملية نقلها عملية التقنية من خلال التجارة والاستثمار وعقود الإدارة والتراخيص وعمليات تسليم المفتاح . بالإضافة إلى ذلك ، هناك عمليات البحث والتدريب والتطوير للأفراد لكي يمتلكوها أو يستغلوها . أما أي أسلوب نستخدم ؟ فيتعمد الأمر على نوع التقنية وخصائصها وقدرات البلد المضيف وقدرات الشركة والحماية المقدمة ووضع البلد الاقتصادي ومقدرته التنافسية . ومن وجهة نظر الشركات متعددة الجنسية صاحبة التقنية ، فهي تخشى من المنافسة وتسرب المعلومات الفنية وفقدان الشركة ميزتها . لذا فهي تهتم بالحفاظ على تقنيتها وعدم تسربها ، ولذا يهمها أين تقيم منشآتها البحثية والصناعية .
من أهم الفوائد والميزات التي تعزى إلى الاستثمار الأجنبي ، هي أنه من أحسن الوسائل ، إن لم يكن خير وسيلة ، لنقل التكنولوجيا والمهارات الإدارية من بلد إلى بلد ، خاصة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية . سوق التقنية سوق احتكاري وليس من السهل شراء التقنية فيه ، والشركات التي تستثمر في الخارج يفترض أنها تستأثر بامتلاك قدرات فنية أو ملكات خاصة غير متاحة للآخرين ولا توجد إلا لديها . وعندما تدخل الشركة ( م ج ) بلدا ما ، تقوم تلك الشركة بتطبيق تقنيتها الإنتاجية على الطبيعة ، وتستعين في ذلك بمهندسين وفنيين وعمال مهرة من أهل البلد ، وتعمل على تدريبهم على التعامل مع الآليات التي تجلبها بتركيبها وتشغيلها وصيانتها ، وبذلك يستوعبون هذه التقنية الجديدة ويألفونها . الشركة نفسها مثالا يحتذي ، وإذا ما قامت شركة محلية في مجال مماثل ، فإنها تستفيد من تجربة الشركة الأجنبية ، وربما تستعير بعض العاملين فيها أو تجذبهم للعمل فيها .
ولا يقتصر ما تنقله الشركة ( م ج ) على تقنية الإنتاج ، بل يتعلم منها الأهالي أفكارا في مجال الإدارة عموما وإدارة التسويق والتمويل والإنتاج ، وإدارة الأفراد .. الخ . قد تكون الموارد متوافرة في البلد ، لكنها تحتاج لمن يحدد مكانها ومن يعرف طريقة استخراجها ، وكيفية تسويقها وللشركات ( م ج ) شبكات التوزيع والأسماء التجارية والقنوات المفتوحة مع الشركات الزميلة التي ليست متوفرة للشركات المحلية ، لكن الأخيرة تستطيع أن تنقل من الشركات الأجنبية أسلوب عملها وتنافسها . انظر مثلا إلى مطاعم الوجبات السريعة في المملكة ومصر والكويت ، حيث المنافسة حامية بين المنتجين المحليين ووكلاء الشركات العالمية المشهورة . وستجد أسماء محلية تقدم منتجات بأسماء مثر أميركانا وجاد والطازج ونايف تستخدم نفس أساليب ماكدونالد وكنتاكي في نوعية الخدمة المقدمة والانتشار ، وبذلك كسب المنتج المحلي له موطئ قدم . وينطبق ذلك على الصناعات الخفيفة والثقيلة . وفي النظرية الاقتصادية ، لا عيب في المحاكاة ، بل إن ذلك جزء من سلوك الإنسان الاقتصادي في الأقطار المتقدمة والمتخلفة على السواء .
من الطبيعي أن يقفز تساؤل في ذهن القارئ حول : كفاءة الاستثمار في نقل التقنية والإدارة ، وهل الشركات ( م ج ) فعلا خير وسيلة لنقلها ؟ أم هل هناك وسائل أكثر فعالية أو أقل تكلفة أو لنا عليها تحكم أكثر ؟ وهذا سؤال مشروع . إذا كانت التقنية المطلوبة متقدمة ومعقدة فقد يكون الاستثمار الأجنبي الوسيلة الوحيدة للحصول عليها . لكنها إن كانت تقنية غير متقدمة أو غير معقدة ونمطية ، فبالإمكان الحصول عليها من خلال الترخيص من أصحابها في الخارج . أو حتى بدون ذلك ، بالإمكان شراء الماكينات والآليات من صانعي الآليات الرأسمالية والاستفادة من خدماتهم البيعية في التركيب والتشغيل . فأي الأساليب نختار ؟
في الصناعات الناضجة والمرافق العامة ، الاستثمار الأجنبي ليس ضرورة ، ويمكن الحصول على التقنية بدونه ، لكن في الصناعات الدقيقة والمتخصصة يصعب ذلك . ومن وجهة النظر العامة ، عن أي السبل نختار ونحن نسعى لجلب التقنية الحديثة ، فهناك أكثر من بديل ، والبدائل كما ذكرنا هي : الاستثمار الأجنبي ، الترخيص ، الشراء من الصانعين . تعتمد الإجابة على مقارنة هذه البدال من حيث التكلفة والفعالية . الترخيص له ثمن واضح في شكل إتاوة ندفعها دوريا لمالك تلك التقنية ، بينما في حالة الاستثمار ليس هنالك ثمن ندفعه دوريا للمستثمر الأجنبي ، فالاستثمار الأجنبي أقل تكلفة من هذه الناحية . كذلك تغامر الشركة ( م ج ) حين تستثمر مالها الخاص ذا المصدر الخارجي . أما في حالة الترخيص ، فالمستثمر المحلي هو الذي يغامر بماله . من الجانب الآخر ، قد تدفع الشركة الأجنبية إتاوات لشركتها الأم كثمن لاستخدام التقنية ، كما أنها تحول لها أرباحا بينما لا يحول المستثمر المحلي أرباحا للخارج ، وبذا يكون الترخيص أرخص للبلد المضيف في تلك الحالة . نلاحظ أيضا للترخيص شروطا وقيودا لاستعماله ، مما يحد من حريتنا ، لكن قد تكون على الشركة الأجنبية قيود أيضا . المهم في الأمر هو الأثر الطويل المدى .
تختلف الدول في نظرتها إلى أحسن طريقة لاستيراد التقنية ، حيث ترى اليابان والصين والبرازيل مثلا ، أن الاقتصاد المحلي يستوعب التقنية وأساليب الإدارة بيسر أكثر ، إذا لم تأت معهما ملكية تتحكم فيهما .
وتفادى كثير من الدول الملكية الأجنبية الكاملة ، وتسعى إلى الشراكة على الأقل ، أي أن يكون هناك شريك محلي . كانت الهند مثلا تصر حتى عهد قريب – على وجود شريك محلي ، الشيء الذي رفضته شركات آي . بي . إم ، وكوكاكولا كما ذكرنا سابقا – وبذا لم يدخلا الهند . لكن الأخيرة اضطرت لرفع ذلك الشرط ، لأنها تريد تقنية آي بي إم التي دخلت الهند حديثا . وكانت البرازيل تمنع الشركات الأجنبية في مجال تقنية الكمبيوتر ، وتتخذ سياسة حمائية نحوها ، بوضع قيود على الاستيراد ، لكن حكومة البرازيل بدأت برفع ذلك القيد ، لأنها وجدت أن الحصول على التقنية في هذا المجال ، يقتضي السماح للشركات الأجنبية مالكة التقنية بالدخول .
وفي الشرق البعيد ، ازدهرت النمور الأربع ( كوريا الجنوبية ، تايوان ، سنغافورة ، هونج كونج ) ، وتطورت صناعاتها بفضل الدعم الحكومي ، وباعتمادها في البداية على السلع الصناعية ذات التقنية النمطية التي تمارسها الشركات المحلية . وكان من المتوقع للنمور الأربعة أن تفوق اليابان " يابانية " وتغزو أسواقها بالأجهزة المنزلية والإلكترونيات ، لكنها ( أي النمور ) بدلا من ذلك ، صارت أكبر مستورد للسلع اليابانية والمكونات غير تامة الصنع ، لأنها لا تملك التقنية المتقدمة في مجال الدوائر الالكترونية المتكاملة وشبه الموصلات ، فقد منعتها الشركات اليابانية من الحصول عليها وتبيعها سلعا ومكونات بدلا من ذلك . ولذا ارتفع العجز التجاري لتلك الدول مع اليابان بالبلايين من الدولارات الأمريكية ( 11/5/92 ) توضح هذه النقطة حدة المنافسة على الأسواق في مجالات التقنية المتقدمة ، حيث ترفض الشركات اليابانية ترخيص التقنية لمنافسيها ، خوفا من قيام أولئك المنافسين بغزو السوق الياباني نفسه ، وهو ما كانت تطمح إليه الشركات الكورية والتايوانية . ومازال الصراع حول نقل التقنية دائرا ، وتبحث حكومات النور الأربعة عن وسيلة إجبار اليابان لتبادل التقنية مع منتجي النور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق