إذا كانت العمالة غير كاملة في بلد ما ، أي إن هناك موارد بشرية وغير بشرية غير موظفة ، فإن قيام استثمار أجنبي في ذلك البلد يمثل دون شك إضافة للدخل القومي في ذلك البلد وللعمالة فيه . وقيام الشركة بفتح أسواق جديدة والتصدير إليها ، هو إضافة للدخل بغض النظر عن أثره على العمالة في البلد ، لأن الصادرات من مكونات الدخل القومي وزيادتها تزيد الدخل القومي .
لقياس أثر الاستثمار على الدخل ، يمكننا مبدئيا أن نقول :
م = قيمة الإنتاج – تكلفة الإنتاج = ق – ت
حيث تمثل ( م ) المنفعة المحققة . والتكلفة هي ما يدفعه المستثمرون الأجانب للموارد والعمال والأرض .. الخ . من هذا التقدير المبدئي ، نخصم تكلفة الفرصة البديلة لعناصر الإنتاج التي يستخدمها المستثمر الأجنبي ، وهي قيمة ما كانت هذه العناصر ستنتجه لو لم يقم المستثمر الأجنبي بتشغيلها ، لأن قيمة الاستثمار الأجنبي الحقيقية للبلد المضيف تكمن في كونه يستغل هذه العناصر بطريقة أكفأ مما كانت ستستغل بها ، و إلا فلا داعي لذلك الاستثمار .
قيمة الاستثمار إذن تكمن في الفرق بين قيمة ما ينتجه وما كان سينتج بدونه وبذا نعدل المعادلة لتصبح :
م = ق – ت – ف
حيث ف = تكلفة الفرصة البديلة .
هذه حتى الآن هي الفوائد المباشرة ، وهناك فوائد وتكاليف أخرى غير مباشرة ، لا يمكن تجاهلها ، وهي ما يسمى بالاقتصاديات واللااقتصاديات الخارجية ، أي الآثار الجانبية التي يتيحها أو يفرضها الاستثمار على الآخرين . فقد يؤدي تشغيل الشركة الأجنبية إلى قيام صناعات وشركات حولها تمدها بالمواد أو تشتري منها مكونات تعالجها بعد ذلك بسعر أرخص مما كانت ستشتري به . أو قد تهيئ الشركة الأجنبية للشركات المحلية من حولها تقنية ما كانت الشركات المحلية ستحصل عليها . من الجانب الآخر ، قد يؤدي الاستثمار الأجنبي هذا إلى زيادة تكاليف الإنتاج للآخرين برفعه أسعار المواد أو الأجور ، أو التلوث وما شابه .
هنا يجب أن نعدل المعادلة مرة أخرى لنضيف الفوائد غير المباشرة ، إن استطعنا تقدير قيمتها ، للمنافع الناتجة من الاستثمار ، كما نخصم التكاليف غير المباشرة التي تنتج من الاستثمار لكن يتحملها الآخرون ، كتكلفة منشأها هذا الاستثمار الأجنبي . هناك أيضا منافع يجب إدخالها مثل الضرائب التي تدفعها الشركة الأجنبية ، فهذه تعد زيادة في الدخل الحكومي قد لا تظهر في الحسابات العادية .
الاستثمار الأجنبي يساعد – في رأي الكثيرين – في نمو الإنتاج المحلي ، وفي تحسين توزيع عناصر الإنتاج ، وحتى لو كانت كل الموارد موجودة في البلد المضيف فإن الاستثمار الأجنبي يرفع العائد عليها ويحركها ليس من ناحية فنية فقط ، ولكن أيضا لأنه يروج لها ، بما للشركة الأجنبية المستثمرة من شبكات توزيع وأسماء تجارية معروفة ورائجة يكفي وضعها على منتجات عديدة لتباع وتروج . لك أن تتخيل الموز الإكوادوري أو الفلبيني بدون علامة " جيكيتا " عليه ، وإلى أي مدى سيقل الإقبال عليه .
لكن من الجانب الآخر ، قد يؤدي دخول المستثمر الأجنبي غير المقيد إلى تحطيم المنتج المحلي الحالي أو قفل السوق أمام المنتج المحلي المحتمل ، فيكون الاستثمار الأجنبي بذلك استثمارا لا يضيف شيئا ، ووجوده مجرد إحلال لمحل المستثمر المحلي ، لكون الأجنبي يدفع أعلى الأجور ، ويجتذب الكفاءات ، أو لأن الأجنبي يستخدم رأس المال المحلي ( الرخيص من وجهة نظره ) ويحرم منه المنافس المحلي . وبذلك لا يكون الاستثمار الأجنبي قد أفاد بل ربما أضر بالاقتصاد المحلي . لكن ذلك يجب ألا يعني أن كل مستثمر محلي يجب أن يمنح فرصة ويتلقى الحماية ، فبعض هؤلاء المنتجين قد يكونوا أصلا غير أكفاء ، أو قد تكون تلك الصناعات المحلية سلفا في طريقها إلى الزوال . أما التاجر أو الصانع المحلي النشط فسيجد مكانه على أي حال . الشركة ( م ج ) تسعى فعلا للحصول على رأس المال بتكلفة قليلة ، وبذا قد تقوم بالافتراض من السوق المحلي ، لكن ذلك لا يقود بالضرورة إلى حرمان المستثمر الوطني من الحصول على رأس المال من السوق المحلي ، إلا إذا كانت الشركة ( م ج ) شركة عملاقة والاقتصاد الوطني صغيرا . كما أن الشركات الأجنبية غالبا ما تأتي برأس المال من الخارج ، ولا تعتمد على سوق المال المحلي كلية . وحتى من وجهة نظر العمالة ، فعندما تشتري شركة أجنبية شركة محلية عاملة ، فهي قد تقوم فعلا بتسريح العمال وزيادة البطالة في البداية ، لكنها على المدى الأطول ، تعيد تنظيم تلك المنشأة ، وتستثمر فيها مالا إضافيا ، ويقود توسعها إلى عمالة جديدة تفوق العمالة المسرحة حجما .
الاستثمارات الأجنبية تستفيد عموما أو تسعى للاستفادة من السوق المحلي كمصدر لرأس المال . وحجم تلك الاستثمارات الأجنبية لا يمثل عادة نسبة كبيرة من تكوين رأس المال في البلاد المضيفة ، وقدر بأنه لا يزيد على 5% في الدول المتقدمة ، و10% في الدول النامية من تكوين رأس المال فيها ( 1991 ) . وقد وجد أيضا أن نسبة عالية من الناتج تصل وتفوق نسبة 15% في الدول النامية ، مصدرها الإنتاج الأجنبي الذي حلت محله بعد ذلك شركات حكومية كما في الكويت والسعودية والبرازيل ، وذلك قبل أن تتطور تلك الاقتصاديات .
وعودة إلى تقييم أثر الشركات الأجنبية على اقتصاد البلد المضيف ، نذكر أن هناك عدة طرق لذلك والطريقة . التي ناقشناها ، هي طريقة المنافع الصافية ، والتي تخصم فيها التكاليف الاقتصادية من الفوائد الاقتصادية ، ويكون المشروع مفيدا للبلد إذا كانت :
المنافع الصافية = الفوائد الاقتصادية – التكاليف الاقتصادية > صفر
أما إذا كانت النتيجة < صفر ( سالبة ) فالمشروع مضر بالقطر
هناك طرق أخرى لتحديد حجم المنافع ، لكنها جميعا متشابهة المنهج ، فطريقة تحليل المنافع والتكاليف المشهورة تقول : إن المشروع الاستثماري ذو جدوى إذا كانت :
المنافع – التكاليف > 1
تقارن طريقة أخرى بين قيمة الموارد المستعملة في المشروع بقيمة المنتج ، مقيما كما لو أنه مستورد ، أي إنها تحسب قيمة الموارد المستخدمة في الإنتاج بالعملة المحلية ( كالدرهم مثلا ) بينما تحسب قيمة المنتج بالعملة الأجنبية ( كالفرنك ) ثم تقسم القيمة بالعملة الأجنبية على التكلفة بالعملة المحلية ( ونحصل بذلك على سعر ضمني للعملة ) ، وكما قلت تلك النسبة كلما قلت جاذبية المشروع .
تشترك كل هذه الطرائق في أنها جميعها تقارن العائد بالتكلفة ، وذلك هو الأساس ، وتطبيقها يستدعي الحذر ، ويتطلب الخبرة بالاقتصاد المحلي والدراية به ، حيث الافتراضات كثيرة كما أن النظرة لها يجب أن تتعدى التوجه الإستاتيكي الذي يحيط بها . كذلك يجب تقدير كثير من المنافع والتكاليف المستترة وغير المباشرة التي لا تظهر من أول وهلة ، وقد لا يلحظها الباحث المبتدئ ، خاصة إن هناك سلعا وعوامل تقديرها صعب ، إذ لا يوجد لها سوق تقرأ منه الأسعار.
هناك أيضا الاختلاف بين التكاليف العامة والتكاليف الخاصة ، وكذلك المنافع العامة والمنافع الخاصة ، فيما يكون مفيدا لفرد قد يكون مضرا للمجتمع ككل . فاستخدام الفحم كوقود للمصانع رخيص من وجهة النظر الفردية ، لكن التلوث الحادث للهواء من ذلك يكلف المجتمع في صورة علاج وأدوية لمرضى الصدر المتأثرين . وكذلك إنشاء طريق للمنطقة الصناعية يقلل تكلفة الانتقال للصانعين ، لكنه يزيد التكلفة على المجتمع . بهذه الطريقة تختلف المنافع والتكاليف الخاصة عن العامة ، وقد تقوم بعض الحكومات بتحميل المنتجين الخاصين تكلفة كل أو بعض ما يتسببون فيه للمجتمع من أعباء .
كذلك يعقد وجود الاحتكار في الأسواق والتدخلات الحكومية عملية تقدير الفوائد والتكاليف ، لأن الاحتكار والتدخل الحكومي يخفيان السعر الحقيقي والتكلفة الحقيقية للأشياء ، خاصة من وجهة نظر المجتمع . احتكار شركة أو مؤسسة لخدمة أو سلعة معينة يخفي سعرها الحقيقي حتى إذا كان الاحتكار قائما بقانون ( علما بأن الاحتكار ليس بالضرورة غير اقتصادي ) . وإذا كانت الدولة تمارس الرقابة على النقد وتفرض سعرا للعملة ، فذلك يخفي العملة الحقيقي . اعوجاج الأسعار هذا د يستدعي عند تقييمنا للاستثمار الأجنبي ، أن نعدل من هذه الأسعار والتكاليف ، ونستخدم بدلا عنها ما يسمى " بأسعار الظل " وهي تقدير الاقتصاديين لما سيكون عليه السعر الفعلي . فإذا ما كانت الدولة تمارس الرقابة على النقد ، وتفرض سعر لا تستطيع أن تبيع وتشتري به عملتها ، ينشأ سوق أسود للعملة ، وبالإمكان أخذ سعر العملة في السوق الأسود كسعر ظل تلك العملة يستخدم في التحليل . وسعر السوق الأسود هذا لن يكون متاحا في كل شيء ، وعلينا أن نقدر سعر الظل بطرق أخرى في تلك الحالات . فسعر الظل لسلعة مدعومة هو سعرها في السوق العالمي على سبيل المثال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق