إدارة الأعمال الدولية مجال دراسة حديث نسبيا ، وقد بدأ الاهتمام بهذا المجال قبل ثلاثة أو أربعة عقود ، وحاليا تتسابق الجامعات في إدخاله في مناهجها . كذلك أكدت كثير من الهيئات التعليمية القومية في البلدان المتقدمة ضرورة تضمين دراسة إدارة الأعمال الدولية في أي برنامج لدراسة إدارة الأعمال . من الجانب الآخر ، تكاثرت الدراسات ، وتوسعت الأدبيات المتعلقة بالأعمال الدولية في السنوات الأخيرة ، عاكسة بذلك الانفجار العام في العلوم والمعارف ، كذلك توسعت البرامج في الجامعات تلبية للطلب المتزايد من الدارسين والعاملين في هذا المجال . ففي دراسة مسحية حديثة قامت بها جمعية إدارة الأعمال الدولية AIB ، ( شملت أكثر من 1.200 جامعة من أنحاء العالم المختلفة ) وجدت تلك الدراسة أن 57% من الجامعات المستجيبة تضع تدويل مناهج إدارة الأعمال ضمن أهدافها ، وأن الأغلبية الكبرى تطرح مقررات متخصصة في إدارة الأعمال الدولية ، بل إن بعضها يقدم تخصصا في إدارة الأعمال الدولية على مستوى البكالوريوس Kwok et.al.( 1994) . كذلك قامت نفس المنظمة أعلاه – بدراسة لاحقة مع نهاية القرن ، فوجدت أن تلك الاتجاهات تتعمق وتتوسع عالميا . لذلك كان من الطبيعي أن نهتم نحن في البلدان المسلمة بها ، عملا بالقول الشريف " أطلبوا العلم ولو في الصين " ولأننا نتأثر بالأعمال الدولية إلى حد كبير .
ونحن ندخل هذا الموضوع ، تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة ، يحسن أن نتعرض لها منذ البداية كمقدمة لدراسة إدارة الأعمال الدولية .
هذه الأسئلة هي ما يلي :
ما هي إدارة الأعمال الدولية ؟
ما هي أهمية الأعمال الدولية في العالم عامة ، ولبلداننا عل وجه الخصوص ؟ وما هي أنواعها ؟
ما هو الأسلوب والمنهج الذي سندرس به إدارة الأعمال الدولية ، وما هي الموضوعات المتعلقة بها ؟ وما دلالة كل ذلك من وجهة نظر إدارية ؟كيف ستعين هذه المعرفة في اتخاذ القرارات الإدارية التي تساعد رجل الأعمال في تحقيق أهداف المنشأة التي يديرها أو يعمل بها ؟
هذه هي نوعية الأسئلة التي سنتعرض إليها في هذا الموضوع و موضوعات لاحقة ، والذي سيكون بمثابة مقدمة للمنهج ، والذي هو في حد ذاته مقدمة لإدارة الأعمال الدولية التي تفرعت إلى تخصصات عدة .
ماهية إدارة الأعمال الدولية :
في البداية ، ينبغي أن نوضح ماذا نعني بالأعمال الدولية ، ومن هم العاملون فيها ؟ وكيف تختلف عن الأعمال المحلية ؟
توحي كلمة دولية بأنها أعمال تتعلق بأكثر من دولة ، أي أنها أعمال عبر الحدود ، لنا فيها مصلحة مشروعة ، نود أن نراها تتحقق بالطريقة التي تخدم أهداف المنشأة التي نعمل فيها أو نديرها . الأعمال الدولية إذن " هي معاملات بين أفراد ومنشآت بين دول مختلفة ، هي تجارة أو استثمار بين منشآت تجارية في دولة ما ، ومنشآت تجارية ذات صلة بالأولى في دولة أخرى " . هذه العلاقة ليست علاقة عابرة تنتهي بإكمال المعاملة ، أو إنهاء الصفقة ، لكنها من وجهة نظر إدارية ، علاقة تتميز بخاصيتين هما :
أولا : أن لها شيئا من الديمومة وأن لنا تأثير عليها – مهما كانت درجة ذلك التأثير .
ثانيا : يتم التبادل الاقتصادي بين الدول من خلال انتقال السلع كما في التجارة ، ومن خلال انتقال رأس المال في شكل قروض أو منح وإعانات رسمية أو استثمار تجاري . كذلك يتم تبادل العمالة والإدارة والأفكار والتقنية بين الدول . المنشآت التجارية – أي الشركات الدولية – هي أهم وسيط في عملية التبادل هذه ، خاصة التبادل الذي يتم على أساس تجاري . تقوم الشركات في دولة ما بالاستيراد والتصدير من وإلى الدول الأخرى ، كما أنها تقوم بالاستثمار في منشآت اقتصادية في دول أخرى . تبحث الشركة ذات الأعمال الدولية عن المواد الأولية ، والسلع نصف المصنعة ، أو السلع تامة الصنع التي تلائم حاجتها في بلدها الأصلي ، أو في بلد آخر تقيم فيه أحيانا منشآت ، ولذا تقوم بالاستيراد ونقل السلع وتحريكها بين البلدان المختلفة . كذلك تقوم مثل هذه الشركات بالبحث عن المشترين في بلدان أخرى ، وتنمي لسلعها أسواقا في تلك البلدان ولذا تقوم بالتصدير . بالإضافة إلى ذلك ، قد تقوم الشركة بإنشاء وحدات إنتاجية لوحدها أو مع شركاء آخرين ، وذلك في دولة أو أكثر خارج مقرها الأصلي ، بهدف خدمة وتموين سوق ذلك البد الآخر ، أو خدمة وتموين أسواقها ومنشآتها في بلدان أخرى غير ذلك البلد الذي أقامت المنشآت الإنتاجية وهذا ما نسميه بالاستثمار خارج بلد المر الرئيسي .
هذه التجارة وهذا الاستثمار ، لا يقتصران على السلع فحسب ، ولكنهما يشملان كذلك الخدمات والتي هي أيضا جزء من التجارة والاستثماريين الخارجيين . هناك خدمات النقل والطيران والخدمات المالية كالمصارف والتأمين والإعلان والفندقة والخدمات التقنية والاستثمارية .. الخ وكلها صارت مجالا مهما من مجالات الأعمال الدولية .
الاستثمار المباشر والاستثمار غير المباشر :
الاستثمار المباشر نعني به " شراء وتملك أصول خارجية في شركات عاملة ، أو المساهمة فيها " والمعنى هنا امتلاك أو شراء شيء ملموس ومحدد ، وبذلك يصبح لنا تأثير بدرجة ما على مسار المنشأة أو الشركة التي نساهم بها .
من الجانب الآخر الاستثمار غير المباشر " يكون بشراء أوراق مالية كأسهم أو سندات تصدرها مؤسسة أخرى " وتشترى هذه الأوراق المالية بهدف الربح ، حيث يكون لحاملها حق غير مباشر في تلك المؤسسة ، لكنه لا يؤثر أو يسيطر على مسارها . وربما لا يدري المستثمر الكثير عن إدارة وعمليات المنشأة التي يشترى أوراقها ، خاصة إذا كانت في بلد آخر . عادة لا يكون لدى المستثمر الوقت أو الدراية الكافية للتأثير على مسار تلك المنشأة .
وإدارة الاستثمار غير المباشر ، عملية تتطلب مهارات إدارية وعملية خاصة ، وتهتم كل منشأة لإدارة أصولها المالية .
وعلى مستوى إدارة الأعمال الدولية ، يكتسب هذا الجانب أهمية خاصة ، ويتطلب معالجة مختلفة .
الشركة الدولية : هي إذن الشركة التي تمتلك أنشطة اقتصادية في أكثر من قطر .
الامتلاك يعني الاستثمار مباشرا كان أم غير مباشر . إلا أن التحكم يتضمن استثمارا مباشرا . من الجانب الآخر ، التحكم قد يتم بدون الامتلاك يعني الامتلاك لذلك النشاط في الدولة أو الدول الأخرى عندما تمتلك الشركة ميزات أخرى معنوية تجعلها تتحكم في ذلك النشاط الخارجي ، كامتلاكها لاسم تجاري معروف وجذاب ، أو تقنية مرغوبة . كذلك النشاط الاقتصادي الذي تتحكم فيه الشركة ، قد يكون تجارة وسلعا تبيعها تلك الشركة لشركات أخرى . أما إذا كانت الشركة مثلا تقوم بنشاط تجاري كالتصدير ، وكل ما تفعله هو أن تبيع لزبائن في بلد أو بلدان أخرى ، ولا تهتم بما يحدث لسلعتها بعد ذلك ، ولا تحاول أن تنمي السوق هنالك أو تكتسب دائمين ، فهذه ليست شركة دولية بالمعنى المفهوم ، وقد تكون أعمالها الدولية شيئا عارضا ، ونظرتها حتما ليست دولية . وكما نقول في التسويق هذه الشركة تبيع ولا تسوق .أهم صفات الشركات الدولية هي إذن :
امتلاك طاقة إنتاجية في أكثر من قطر .
إدارة كل هذه الطاقات والشركات باستراتيجية واحدة .
نقل الأموال والموظفين والسلع والأفكار والحسابات بين الرئاسة وشركاتها ، وبين الشركات المختلفة ، وبين الشركة الدولية وزبائنها في الدول الأخرى .
يميز علماء الإدارة الدولية بين الشركة الدولية ، والشركة متعددة الجنسية ، والشركة العالمية .
فالأولى : لها قاعدة هي موطنها ومحور أعمالها .
الثانية : تتخذ أكثر من موطن .
الثالثة : فلا موطن لها من حيث التوجه والنظرة لأعمالها وتلك مرحلة متقدمة . غير أننا في هذا المستوى ، سنتجاهل هذه الفروقات ، وربما نعامل هذه المصطلحات كمترادفات أحيانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق