قد تضع القوانين والإجراءات الحكومية أعباء ثقيلة على الشركات الأجنبية ، ويمكن تقسيم هذه الإجراءات إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي :
إجراءات محايدة : أو على الأصح إجراءات لا تفرق بين الشركات الأجنبية والمحلية ، وإنما المقصود بها جميع الشركات ، ولكنها غالبا تؤثر على الشركات الأجنبية أكثر مما تؤثر على الشركات المحلية ، ونذكر منها التالي :
أن يحتل مواطنو الدولة المضيفة وظائف عليا ، ومقاعد في مجالس إدارة الشركات .
(ب) وضع قواعد للأسعار الداخلية ( داخل فروع الشركة ) تسهل تحصيل الضرائب .
(ج) إجبار الشركات العاملة في التصدير أن تبيع في السوق المحلي بسعر محدد يدعم الاستهلاك المحلي .
(د) تحديد نسبة دنيا للمحتوى المحلي في كل منتج على الشركات الالتزام به .
(هـ) معاملة احتياجات الشركات من العملة الصعبة بأفضلية عادية ، وبذلك لا تتهيأ للشركات الأجنبية العملة الصعبة الضرورية .
إجراءات منحازة : تهدف مثل هذه الإجراءات إلى إعطاء الشركات المحلية ميزة فوق الشركات الأجنبية الأصل تماما مثلما تفعل الحواجز الجمركية . من ذلك :
السماح فقط بالاستثمار الأجنبية ، إذا كان هناك شركاء محليون ، وأحيانا بنسبة تفوق 50% . كانت الهند وكذلك الصين تصران على ذلك حتى عهد قريب .
(ب) فرض رسوم أو ضرائب عالية على الشركات الأجنبية العاملة في البلد .
(ج) عدم السماح للشركات الأجنبية بالاقتراض من البنوك المحلية .
3- الحرمان من الأصول المملوكة : قد يكون ذلك حرمانا كاملا أو قد يكون جزئيا ، أو قد يتضمن مجرد الحرمان من استخدام الأصول لفترة وجيزة أو طويلة ، الشيء الذي سيضعف الشركة على أي حال . الحرمان الكامل يعني المصادرة التي قد تشمل شركة معينة أو صناعة بأكملها . والمصادرة على أي حال ، ليست حرمانا بالضرورة إذا صحبها تعويض ، فالمصادرة حق من حقوق السيادة تجيزه القوانين والدساتير ، بما فيها القانون الدولي لكل حكومة على شريطة أن يتلقى من تتم مصادرة ممتلكاتهم تعويضا كافيا آنيا وفعالا . وكافيا تعني أن يكون بسعر السوق العادل بيد أن معرفة السوق العادل صعبة ، لأن سعر السوق لا يتأكد إلا ببيع الأصول موضع الخلاف أو وجود سوق لها . وآنيا بدون تأخير ، وهنا مربط الفرس ، ومصدر النزاع ، حيث التعويض نادرا ما يكون " آنيا " بل يستغرق وقتا .وفعالية التعويض تعني أن يكون بالعملة الصعبة ، وبما إن المصادرة دائما ما تحدث في بلدان تتعرض لأزمات اقتصادية ، فإن العملة الصعبة نادرا ما تكون متاحة .
المصادرة قد تحدث مع التعويض أو بدونه ، وهناك من يفرقون بينها وبين الاستيلاء الذي يكون دائما بدون تعويض أم التأميم فهو يهدف إلى قصر نشاط اقتصادي معين على المواطنين فقط ، مما يعني إجبار الشركة الأجنبية على البيع بأي تعر أو تعريضها للمصادرة . في السنوات الأخيرة ، قلت حوادث المصادرة والتأميم والأمثلة الظاهرة في عقد الثمانينيات تشمل تأميم فرنسا للعديد من الشركات والبنوك في أوائل العقد الفائت عند فوز الاشتراكيين بالحكم ( أعيد بعضها للقطاع الخاص بعد 1985 ) ، وكذلك تأميم الشركات الأجنبية في إيران بعد إقصاء الشاه .
إجراءات يتخذها البلد موطن الشركات الأجنبية :
قد تفرض الدولة الشركة الخارجية ، قواعد وأسلوب شركاتها في الخارج ، أو قوانين متصلة بسياستها الخارجية أو الداخلية على الشركات من ذلك يجب مراعاتها ، وهي بذلك تحد من حرية قرارها . نذكر هنا منع الشركات العربية الحكومية العاملة في الخارج من التعامل أو المساهمة في شركات الخمور ، أو الشركات التي تدير محال القمار أو الشركات التي تتعامل مع العدو الإسرائيلي . لا يقتصر هذا النوع من التحكم على الدول الإسلامية والعربية =، فهناك القانون الأمريكي المطبق على الشركات الأمريكية ، والذي يحذر التعامل مع كوبا ، أو يحدد التعامل مع الصين في سلع معينة . بالإضافة إلى ذلك ، قد تسن الدولة قوانين محلية تمنع شركاتها في الخارج من الإتيان بأي فعل من شأنه أن يؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي داخل تلك الدولة ( ستتعرض لهذا لاحقا عندما تناقش البيئة القانونية ) .
حاليا ومن جانب الدول المتقدمة ، هناك ثلاثة مأخذ على الشركات الأجنبية :
أثرها على العمالة والصناعة : حيث تقوم الشركات في سعيها لتقليل التكاليف بقفل مصانعها في الدول المتقدمة وإنشاء مصانع جديدة في الدول الصاعدة ، مما يزيد البطالة ويؤدي إلى أن ينكمش الاقتصاد المحلي ، لذا نجد نقابات العمال تسعى لإيقاف ذلك .
أثبر الشركات الأجنبية على البيئة : حيث تتهم الشركات الأجنبية بأنها تهرب من الجدول المتقدمة لتنشأ مصانعها في دول لا تهتم بالبيئة ولا تحارب التلوث وتترك الشركات حرة ، مما ي ضر بالبيئة ويتسبب في أشياء مثل الاحتباس الحراري ، والتسحر وانقراض الأنواع الحية الخ .
المنظمات غير الحكومية والرأي العام : هذه مؤسسات نشطة بدأت ترى في العولمة شرا مستطيرا . تهاجم هذه الجماعات المؤسسات الدولية كمنظمة التجارة الدولية والبنك الدولي وتقاطع اجتماعاتهما . كذلك قد تركز هذه الجماعات على شركات معينة تتهمها بالتلوث أو استغلال الأطفال أو النساء في الدول النامية ، كما حدث لشرمة نايكي الشهيرة .
حقيقة هذه المنظمات أتت بظاهرة جديدة أو مخاطر جديدة لم تكن معروفة في السابق . كانت مصادر المخاطر تقتصر على الدولة الأم أو الدولة المضيفة أو دولة ثالثة ( كما سنرى فيما بعد ) . لكن هنا وفي هذه الحالة ، نجد أن كلا من الدولة الأم والدولة المضيفة ، قد لا تريان ما يقلق في عمليات الشركة الأجنبية ، وتظن الأخيرة أنها في مأمل من تدخل أي من الدولتين في عملياتها . لكنها فجأة تجد نفسها وسط جدال شديد .
وكمثال لأثر المنظمات غير الحكومية ، نذكر مثالا لذلك شركة تاليسمان الكندية التي كانت تنقب على البترول في السودان بموافقة الحكومتين لكنها وجدت نفسها فجأة مثار اتهامات بأنها تساعد الحكومة في حرب أهلية ، ومتهمة بارتكاب جرائم خطيرة . صارت المنظمات تدعو المستثمرين إلى عدم شراء أسهم الشركة فهبطت أسعار أسهم الشركة
، وحقوق مساهميها ، مما اضطر الشركة للانسحاب من السودان .
، وحقوق مساهميها ، مما اضطر الشركة للانسحاب من السودان .
الجدل حول العولمة وما أتت به ، انعكس في انتشار الكتابات حولها ، وهنا نريد أن نذكر ثلاثة كتب حديثة أثارت جدلا هي : كتاب جوزيف سنجلنذ حامل جائزة نوبل في الاقتصاد ( العولمة ومدارها ) الذي هاجم فيه المؤسسات المسئولة عن إدارة العولمة ( البنك الدولي وصندوق النقد ) بأن سياستها التي فرضتها على الدول النامية أضرت بالأخيرة . كذلك هناك كتاب باجواني : دفاعا عن العولمة الذي يقول بأن فوائد العولمة أكثر من مضارها . وأخيرا هناك كتاب سميك ( العالم منبعج ) الذي أوضح أن جو الحريات الاقتصادية هو الذي قاد الأزمة العالمية الحديثة ، ومع ذلك لا يعو الكاتب إلى نقد الحريات .
وبصرف النظر عما يقوله الأخير ، فإن القيود والضغوط على عمليات الشركات خارج قطرها ، ستزيد خاصة شركات مالية والبنوك ، وعلى الشركات أن تتهيأ لذلك . وقد رأينا سلفا إصدار قواعد للسلوك احتضنتها الشركات ( لكنها مازالت قيودا طوعيا ) مثل إصرار نايكي ألا نشتري من شركات محلية تستخدم الأطفال وستاربكز التي تشتري البن من مزارعين ملتزمين .
مخاطر مصدرها دولة ثالثة :
ركزت أغلب دراسات المخاطر السياسية على الدولة المضيفة – وإلى حد أقل – على الدولة الأم للشركة ، كمصادر أساسية للمخاطر السياسية بما في الدولتين من مجموعات حكومية وغير حكومية أو إرهابية أو حتى مجموعات المصالح الخاصة من مزارعين وعمال ورجال أعمال بصفتها المجموعات التي يمكن أن تنبع منها المخاطر . إلا أن دراسة العالي ، ( 1992 ) ، أضافت بعدا جديدا إلى دراسة المخاطر والبعد المكاني ، بمعنى أن مصدر المخاطر قد يكون خارجيا ، بالإضافة إلى المصادر الداخلية المعروفة . وطبقا لهذه الدراسة ، قد تتمثل المصادر الخارجية للمخاطر السياسية في الفلسفات سياسية أو دينية مصدرها جدولة ثالثة ( تصدير الثورات ) أو الأحلاف الدولية والضغوط العالمية من الدول الأخرى أو حرب عصابات في دولة مجاورة أو الإرهاب العالمي . قد تحتضن دولة ثالثة فلسفة ترى في التعامل التجاري مع الغرب تعاملا مع الشيطان ، وتسعى إلى التأثير على جيرانها بتلك الأفكار ، مما يؤثر على المناخ الاستثماري في الدولة الجارة المضيفة أو إذا كانت الدول المجاورة للدولة المضيفة للاستثمار غير مستقرة وبها حروب عرقية أو حروب عصابات ×، فقد تنتقل المعارك إلى الدولة المضيفة عندما تتعقب فرقة محاربة أخرى لجأت إلى الدولة المضيفة ، مما يهدد سلامة الممتلكات والعمليات في الدولة الأخيرة . كذلك العضوية في حلف دولي قد تجر الدولة المضيفة إلى اتخاذ إجراءات مثل مقاطعة منتجات بلد أو شركة ( م. ج ) ، مسايرة لأعضاء الحلف أو قد تدفعها لذلك ضغوط دولية الخ .. على هذا يتسع مجال تحليل المخاطر ليشمل ، لا مجرد عناصر الوضع السياسي في الدولة المضيفة ، بل الأوضاع السياسية في الدول المجاورة والظروف العالمية أيضا الشيء الذي يعني أن الموضوع جاد شائك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق