أن الشركة المحلية تعمل في منظومة قطرية ، لكنها عندما تعبر عملياتها الحدود تدخل البيئة سياسيا واجتماعيا وقانونيا واقتصاديا طبعا . ونبدأ في هذا الجزء بمناقشة البيئة السياسية ثم البيئة القانونية بعد أن أعطينا خلفية عن الأعمال الدولية وحجمها وأهميتها والنظريات الاقتصادية التي تسعى لتفسير هذه الظاهرة ، وذلك في الفصل السابق .
في البيئة السياسية هناك أولا سياسة ، وحكومة البلد الأم ، وهو البلد الذي فيه مقر الشركة وأصلها . ومن وجهة نظر الشركة تلك بيئة محلية تدركها جيدا علما بأنه قد تكون لبلد المقر سياسات تؤثر على أعمال المنشأة الدولية ، مما يوجب استيعابها ، ولذا لن نتعرض إلى سياسة البلد الأم ، إلا بقدر يسير من تلك الناحية . يأتي بعد ذلك البلد المضيف ، الذي فيه أعمال الشركة الدولية وهو الساحة التي تعمل فيها ، والبيئة التي تجد نفسها داخلها ، ولذا عليها أن تستوعب تلك البيئة السياسية ، وكيف تؤثر على أداء الشركة ، وتأخذ ذلك في الاعتبار عند اتخاذ قراراتها .
أهم اللاعبين في البيئة السياسية هم : حكومة البلد المضيف بنفوذها في سن القوانين والإجراءات ، ثم بيروقراطيتها ( أجهزتها الإدارية ) التي لها سلطة التنظيم وتنفيذ القوانين وتحصيل الضرائب . للدولة وبيروقراطيتها نفوذ واسع يأتي من قدرة الدولة على تنظيم النشاط الاقتصادي ، بل المساهمة فيه ، كما لها أثر على كل النشاطات السياسية والاجتماعية . هناك أيضا لجماعات ذات المصالح والفئات المهنية التي تؤثر على البيئة السياسية ، والتي تؤثر بدورها على عمليات الشركة الخارجية . والمهم ليس هو الحوادث والأوضاع السياسية بل وقعها وأثرها على المنشأة ، وذلك شيء يعتمد على أحوال البيئة عامة بقدر ما يعتمد على الشركة نفسها ، تاريخها ومجالها وخصائصها . تتكون البيئة السياسية من عناصر مختلفة، وأهم عناصر البيئة السياسية من وجهة نظر المنشأة هي :
النظام الاقتصادي والقانوني : نشير هنا إلى فلسفة الدولة الاقتصادية ، وهل تتبع نظام الاقتصاد الحر الذي تعمل فيه المبادرة الفردية دون قيود من خلال نظام السوق ( العرض والطلب ) ، أم تتبع الدولة نظام التخطيط المركزي ( الاشتراكية ) الذي فيه تسيطر الدولة على وسائل الإنتاج ، وتقرر ماذا ينتج وكيف يوزع . ويقابل كل نظام اقتصادي نظام قانوني ففي نظام الاقتصاد الحر ، يحمى القانون الملكية الخاصة وحرية التعاقد ، بينما لا يعترف بذلك نظام التخطيط المركزي . هذان النظامان يمثلان طرفي نقيض ، وليس هناك نظام صرف ، وتتفاوت الأنظمة في مقدار الحرية الاقتصادية التي تمنحها . كذلك تتفاوت النظم القانونية في مدى الحماية التي تقدمها للمستثمر المحلي أو الأجنبي ، وفي مدى تطورها تلك النظم وتعقدها ، والفرصة التي يجدها صاحب الحق لاسترداد مظلمته .
حدة شعور الوطني : الشعور الوطني شعور بشري طبيعي موجود في كل قطر ، وهو يعني الإخلاص للوطن ، ووضع المصالح الوطنية فوق أي اعتبار عالمي . وتنبع من هذا الشعور ، ضغوط على الشركات الأجنبية . وكلما زاد ذلك الشعور حدة وتعمقا كلما زادت وتعمقت مشاكل الشركات الأجنبية . وقد يصل الشعور الوطني حد التعصب الأعمى أحيانا . ومن الطبيعي قيام دول عديدة في السابق بتأميم الشركات الأجنبية . كما أن هذا الشعور لا يقتصر على الدول النامية فلقد رأينا كيف قاومت حكومة بريطانيا مثلا محاولات شركات السيارات الأمريكية شراء شركات سيارات بريطانية ، وكيف اضطر مكتب الاستثمار الكويتي في لندن أن يبيع نصف حصته في شركة بريتيش بتروليوم بناء على أوامر الحكومة البريطانية . وحاليا تقاوم اليابان محاولات الولايات المتحدة فتح أسواق العديد من السلع والخدمات اليابانية ، مما بدأ يولد شعورا عدائيا عند الشعب الياباني ضد الأمريكيين ، وبدأوا يرون في ذلك تدخلا في شئونهم . وقد أشرنا سلفا إلى منع شركة البترول الصينية من شراء شركة كونوكو الأمريكية وكذلك تدخل الكونجرس ليمنع شركة موانئ دبي من إدارة موانئ أمريكية .
مدى تدخل الدول تحكمها : تتدخل الدولة المضيفة بالمصادرة والتأميم . المصادرة تعني أخذ الملكية مع التعويض أو بدونه . أما التأميم فيعني قصر النشاط المعين على المواطنين ، مما يعني إجبار الأجانب على بيع أصولهم ربما بالخسارة أو حتى مصادرتها , تتدخل الدولة أيضا بتحديد الأسعار وتنظيم الاستيراد والتصدير ورقابة النقد والضرائب ومنح التراخيص . وتختلف الدول في مدى تدخلها ، وحجم تأثير ذلك على الشركات الأجنبية . كذلك قد تتدخل الدولة الأم بمنع التصدير ، أو تطلب من شركات بلدها الحصول على إذن مسبق قبل الاستثمار في الخارج . تدخل الدولة في الاقتصاد يحدث حتى في النظام الرأسمالي .
الاستقرار السياسي : عموما يقود الاستقرار السياسي مع السياسات الاقتصادية الملائمة إلى ازدهار النشاط الاقتصادي ، وتلك هي نوعية البيئة التي تفضلها الشركات الأجنبية . مع الاستقرار السياسي يصبح التخطيط سهلا، وتنفيذا لخطط ميسورة ، إلا إذا كانت الحكومة عدائية نحو الشركات الأجنبية أو نحو الشركة المعينة ، فلا تفضل الشركة ذلك حتى وإن كانت الحكومة مستقرة . هنالك مقاييس عديدة للاستقرار السياسي من بينها مؤشرات التماثل الاجتماعي أو عدمه كالاضطرابات المدنية والنشاطات الإرهابية وتوزيع الدخل والرفاهية والمؤشرات الاقتصادية الأخرى . كذلك ينظر إلى ميزان المدفوعات الذي يشير العجز فيه إلى مدى الاعتماد على العالم الخارجي و. وعلى ذكر العالم الخارجي ، علاقات الدولة مع الدول الأخرى لها دلالات على الاستقرار السياسي فيها .
المخاطر السياسية والاقتصادية :
تتعرض المنشأة الأجنبية التي لها نشاط في بلد خارج مقرها ، إلى آثار الحوادث السياسية في البلد المضيف ، أو آثار المضيف في العلاقات السياسية الخارجية لذلك البلد ، وقد يكون لذلك أثر سالب . إمكانية وقوع هذه الحوادث وأثرها السلبي على المنشأة تسمى المخاطر السياسية . المخاطر السياسية إذن هي احتمال حدوث تغيير في سياسة الدولة المضيفة أو بيئتها من شأنه أن يؤثر سلبا على أداء الشركة الأجنبية المعنية ، والتحكم في وإدارة المخاطر السياسية يعني قيام الشركة بتقدير احتمال حدوث تغيرات سياسية محددة وتقدير أثرها المحتمل على سلامة الشركة وحسن أداءها ومحاولة الحماية منها والتهيؤ لها .
ويقسم بعض الكتاب المخاطر السياسية إلى نوعين :
مخاطر عامة تتعرض لها جميع الشركات الأجنبية بدون فرز .
مخاطر خاصة تواجه شركة أجنبية معينة أو صناعة معينة أو مشروعا بعينه .
وحتى النوع الثاني نفسه تم تقسيمه إلى نوعين :
مخاطر تؤثر على الملكية ، وقد تستدعي التنازل عن كل أو جزء منها .
(ب) مخاطر تؤثر على العمليات ، وبالتالي على التدفق النقدي ومعدل العائد .
يرى كثير من الكتاب أن أغلب المخاطر هي من النوع الثاني (ب) ، أي أنها تختص بالعمليات أكثر منها بالملكية ، وإن التغيرات السياسية الأصل تؤثر أكثر ما تؤثر في سياسات العمليات ، مثل حرية التسعير ، وتعيين الموظفين الأجانب ، واستخدام المكونات المحلية في الإنتاج والتحويل .. الخ .
في السابق ، كان ينظر إلى المخاطر السياسية ، وكأنما هي ناتجة من تدخل سياسي من جانب حكومة الدولة المضيفة في العمليات المشروعة لشركة محلية تابعة لشركة أجنبية .
وهذا مفهوم على عليه الدهر حاليا لأن استخدام كلمة ( تدخل ) يوحي بأن للشركة حق أن تفعل ما يبدو لها دون اعتراض من الدولة . أما الآن ، فينظر إلى الأمر في إطار تنازع أو تعارض مشروع في الأهداف بين الدولة المضيفة والشركة الأجنبية . فلكل منهما مصالح معينة ، وكل منهما مسئول أمام رعيته .
الدولة مسئولة أمام رعيتها وعليها أن ترعى مصالحهم ، والشركة المسئولة أمام مالكيها ودائنيها والعاملين فيها وزبائنها. وليس من الضروري أن تطابق أهداف ومصالح الشركة والدولة المضيفة ، الشيء الذي يضطر الدولة في أدائها لوظيفتها أن تضع قيودا على نشاط الشركات الأجنبية . وسننظر فيما يلي إلى كيفية حدوث التعارض والمجالات التي يبرز فيها .
تعارض الأهداف بين المنشئة الدولية والدولة المضيفة :
تعارض المصالح في المجال الاقتصادي :
السياسات الحمائية وسياسات التنمية الاقتصادية :
تعارض المصالح في مجالات غير اقتصادية :
و قد شرحت الأربع نقاط تفصيلا في موضوعات سابقة نشرت بالمدونة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق