نظريات الاحتكار :
تبحث هذه النظريات عن الإجابة لظاهرة الاستثمار في تركيبة السوق الذي فيه تستأثر شركة ما بوضع أو تمتلك ميزة الشيء الذي يدفعها أو يمكنها من الاستثمار في الخارج في هذا المنحي نلاحظ ثلاث نظريات :
ظاهرة الشركة الأولى في الميدان : يرجع دخول كثير من الشركات مجال الأعمال الدولية طبقا لهذا التفسير ، إلى كون كل منها كانت الشركة الأكثر قدما في مجال سلعة معينة . هنا لا يهم السبب المباشر لدخول الشركة السوق العالمي ، ولنتخيل شركة بدأت العمل بمنتج جديد تماما يألفه السوق المحلي من قبل ، وبمجرد أن تبدأ تلك الشركة في العمل في إنتاج هذا المنتج الجديد ، نجدها تعمل لتحسين أسلوب إنتاج تلك السلعة ، مما يمنحها قدرات فنية وتقنية غير متاحة للآخرين ، الشيء الذي يمكنها من تخفيض تكلفة إنتاجها باستمرار ، وبالتالي إلى تملك ميزة تنافسية من جراء تحسين الإنتاج بطريقة دائمة . وقد تتمكن شركة ألأخرى من الدخول في السوق واللحاق بالشركة الرائدة من ناحية فنية ، إلا أن الشركة الأولى تكون قد خلقت لنفسها سمعة واسما في سوق تلك السلعة ، واستحوذت على ولاء الكثير من المستهلكين ، مما يجعل من الصعب على الشركة الجديدة أو الشركات الأخرى منازلتها أو تهديد وضعها في السوق . وكلما نجحت الشركة الرائدة في تأمين وضع قيادي لها ، كلما عجز منافسوها عن زحزحتها من موضعها . يحدث هذا في السوق المحلي أولا .
لقد نجحت شركات كثيرة في بناء هذه المزايا التسويقية والفنية ، وحافظت على موقعها القيادي وسيطرتها على السوق لفترة طويلة من خلال التسويق النشط والتحسين التقني الدائم بما في ذلك القيام بالترويج الوقائي الذي يئد المنافسة في بدايتها ، أو يجعل تحدي تلك الشركة أمرا مكلفا أمام من يبغون إيجاد موضع قدم لهم في ذلك السوق على حساب الشركة الرائدة . مع ثبات السيطرة في السوق المحلي ، يأتي التفكير في السوق الخارجي ، وتأتي الأعمال الدولية كتطور طبيعي ، إما لمنع المنافسة المحتملة في أسواق البلدان الأخرى ، أو لربط القنوات التسويقية في بلد كانت الشركة تصدر له فتقوم الآن بالاستثمار فيه . بذا تقود السيطرة أو الريادة في السوق المحلي إلى التفكير في التصدير والاستثمار في الأسواق المجاورة . وهذه السيطرة مصدرها الأساسي البداية المبكرة للشركة في السوق المحلي التي بها سبقت الآخرين إلى الميدان . الاستثمار الخارجي إذن هو مرحلة في نمو الشركة حيث النمو هو هاجس الشركات ، وتستمر الشركة تنمو إلى أن تجد بعد مرحلة معينة أن استمرار النمو يتطلب غزو الأسواق الخارجية .
(ب) نظرية الاستثمار ( الاحتكار ) : تزعم هذه النظرية أن الدافع الأساسي للاستثمار في الخارج هو القوة الاحتكارية .
تفترض هذه النظرية أن العمل في بيئة خارجية غريبة بعيدة عن المقر الأصلي للشركة شيء مكلف في حد ذاته وعائق مثبط . وللتغلب على هذه التكاليف الإضافية والعوائق ، يجب أن تمتلك الشركة الأجنبية التي تستثمر في الخارج وتستأثر بميزة قوية من نوع ما ، مثل امتلاك تقنية جديدة غير معروفة ، أو إدارة مبدعة مقتدرة ، أي أن الشركة تمتلك شيئا ذا قيمة عالية في سوق بلدها وعلى الأخص في سوق البلد الذي تستثمر فيه ، وتتمكن من خلال استغلال ذلك الشيء النادر الذي تستثمره ، من أن تحقق عوائد تعوضها عن التكاليف الزائدة عن العمل في سوق البلد المضيف .
الاستثمار الخارجي في هذه النظرية جاء نتيجة للخلل أو التشوهات التي تمنع المنافسة في السوق ، لأن المنافسة لو كانت تامة لعنى ذلك أن المعلومات والمعرفة متاحة للجميع ، ولا يمكن لمنشأة أن تستأثر بتقنية أو براءة اختراع معين أو نظام إداري كفء ، وتستطيع أي منشأة أن تقلد المؤسسة صاحبة الميزة الأصلية ، وبذا تنتفي تلك الميزة .
(ج) الاستثمار الأجنبي كرد فعل لنشاط المنافس : في نظرية احتكار القلة ، تتابع الشركات تحركات بعضها البعض ، وكثيرا ما ترد بالمثل ، كأن تقوم شركة بتخفيض سعرها إذا ما خفض منافس سعره . هنا يلاحظ أصحاب هذه النظرية أن الشركات التي تستثمر في الخارج هي عادة شركات كبيرة شبه احتكارية ، ويقولون إن استثمارها في الصين بعد قيام بيبسي كولا بدخول السوق الروسي . أو قد يكون الاستثمار رد فعل لغزو تقوم به شركة أجنبية لسوق شركة احتكارية في بلدها مثل قيام شركة فورد الأمريكية بالاستثمار في صناعة السيارات اليابانية كرد فعل قيام شركة هوندا اليابانية ببناء مصنع في الولايات المتحدة .
في حالة النظريات الثلاث ، يمكن التفسير في النظرة إلى تركيبة السوق التي يعكسها عدد المنتجين فيه ، أو تشابه السلع ، وفي الحالتين الأوليين هناك ميزة تنافسية ، إلا أن الميزة مصدرها الأقدمية أو الأولوية في السوق المحلي في النظرية الأولى ، بينما في النظرية الثانية ليس من الضروري أن تكون للشركة المستثمرة في الخارج ميزة في السوق المحلي الذي هو مقرها ، وإنما أن تكون لما تملكه ميزة في السوق الخارجي الذي تستثمر فيه ، بمعنى أنها قد لا تتميز عن الشركات الأخرى من حيث الحصة ، ونوع السلعة في السوق المحلية الذي فيه مقرها الأصلي ، لكنها عندما تطأ أراض أخرى تظهر لها ميزة غير متاحة للشركات العاملة في الأراضي الأخرى هذه .
النظرية الأولى تفسر إلى حد كبير ، سلوك كثير من الشركات الرائدة التي تجد نفسها بعد سنوات من السيطرة على السوق في بلدها ، وقد بدأت تفكر في التجارة والاستثمار خارجيا . لكن تلك النظرية لا تفسر كل الأوضاع المحتملة في الاستثمار المباشر . وكذلك لم تثبت صحة النظرية الثانية ، حيث اتضح أن تكاليف العمل عند الشركات الأجنبية لا تزيد كثيرا عن مثيلاتها من شركات البلد المضيف ، بمعنى أنه ليست هناك بالضرورة تكلفة إضافية من العمل في بيئة غريبة تتحملها الشركة الأجنبية ، ولا تتحمل أعباءها الشركات ذات الأصل المحلي في البلد المضيف .
أما النظرية الثالثة ( الاستثمار كرد فعل ) ، فهي تفسير سلوك الشركة صاحبة رد الفعل ، لكنها لا تفسر لماذا قامت الشركة الأولى بالاستثمار الخارجي في المقام الأول .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق