هناك عدة أشياء تستطيع أن تفعلها الشركة لحماية نفسها من المخاطر السياسية ، بعد أن تقوم بالتحليل والدراسة . وهذه السياسات والاستراتيجيات تقع في ثلاث مراحل رئيسية ، المرحلة الأولى : تختص بما يمكن فعله قبل اتخاذ القرار الاستثماري ، أي قبل توريط النفس بالدخول في البلد . والمرحلة الثانية : هي استراتيجيات تستخدم عند التشغيل ، حينما تكون الشركة قد دخلت مرحلة العمليات . والمرحلة الثالثة : هي خطط الطوارئ . أما الدراسة والتحليل ، فهما عمليات مستمرة في كل المراحل .
إجراءات يجب أن تسبق القرار الاستثماري :
التفاوض المسبق : على الشركة الأجنبية توقع المصاعب والوصول إلى تفاهم مع البلد المضيف قبل الدخول في الاستثمار حول التغيرات التي يمكن أن تحدث وما سيحدث للشركة حينها . مثل هذا التفاوض قد يؤدي إلى اتفاقية تبرم بين الطرفين حول المتوقعات أو إعطاء ضمانات وتأكيدات حكومية ضد التصرف الاعتباطي . ومن الممكن أن تتضمن الاتفاقية الحقوق والواجبات على كل جانب . في السابق كانت مثل هذه الاتفاقيات اتفاقية من جانب واحد ، عادة تملي فيها الشركة شروطها على الدولة . أما حاليا فتسعى كثير من الحكومات لإغراء الشركات الأجنبية بالاستثمار فيها مثلما تسعى الشركات في البحث عن بلدان كموقع للاستثمار . تسعى الصين الشعبية مثلا إلى جذب شركات " الهاي – تك " بشروط مغرية ، في حين تضع كازاخستان شروطا تقبلها شيفرون الأمريكية على مضض إن قبلتها . وتعتمد الشروط النهائية ونوعيتها على قوة الموقف التفاوضي لكل جانب . تحدد الاتفاقيات الاستثمارية في العادة أشياء مثل : أسس تحويل الأرباح والأجور والإتاوات ، أسس تحديد الأسعار الداخلية ( بين الشركة وأخواتها في الخارج ) ، الضرائب ، الملكية ، استخدام الأجانب ، استخدام المواد المحلية ، أسلوب حل النزاعات بين الطرفين . وقد تتضمن أيضا ، أسلوب التصفية والخروج النهائي . وإذا كان لدولة أن توقع اتفاقية مع شركة ، فيجب أن تكون تلك الشركة ضخمة مقارنة باقتصاد ذلك البلد ، أو أن تمتلك تلك الشركة تقنية تحتاجها تلك الدولة . كذلك مثل هذه الاتفاقيات يمكن أن تبرم بين حكومة وحكومة لوضع ضوابط للاستثمارات البينية فيهما ، وتوضح حقوق وواجبات مستثمري كل بلد في البلد الآخر ، كالاتفاقيات بين الكويت والمغرب أو بين السعودية ومصر أو السعودية وألمانيا . توضح الاتفاقيات أسلوب التعامل ومعالجة أي أوضاع تطرأ مستقبلا ، ويبقى بعد ذلك الالتزام بها .
اللجوء إلى التأمين ضد المخاطر : هناك حاليا العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والقطرية والترتيبات المختلفة التي تؤمن ضد المخاطر السياسية وتقوم فيها المنظمة المختصة بتقديم تعويض للشركة المتأثرة في حالات الحروب والاضطرابات والمصادرة التي تمنع الشركة من العمل أو تحد من نشاطها ملحقة بها خسائر وأضرارا . كذلك هنالك تأمين ضد الإجراءات التي تعوق التحويل التي تسن بعد التأمين ، وستتعرف على بعض هذه المؤسسات عند مناقشة البيئة المالية بمؤسساتها المختلفة في العالم .
ليس من الضروري أن تتبع هذه المرحلة مرحلة لاحقة ، إذ يمكن للشركة على أساس تحليلها للمخاطر وصعوبة الوصول إلى اتفاق بشأنها أو إبرام اتفاقية مع الدولة لتأمين موقفها أو لصعوبة وجود تأمين ضد المخاطر السياسية ، يمكن أن تقرر الشركة ألا تستثمر في البلد موضع الدراسة ، وبذلك يخفى ملف البلد ، ربما إلى حين . أما إذا كان القرار هو الدخول في أعمال دولية في القطر موضوع الدراسة أو معه ، فهناك أيضا بعض السياسات التي يمكن أن تتبعها الشركة في تلك الحالة .
(ب) استراتيجيات تنفذ عند بدء العمليات :
قد تتغير النظرة الحكومية كما تتغير أسبقيات الحكومة وتتبدل الأوضاع التي تواجهها الشركة بأوضاع جديدة غير التي كانت سارية عند اتخاذ القرار ، والدخول في استثمارات داخل البلد . في هذه الحالة ، بمقدور الشركة أن تصر على تفسير الاتفاقيات كما تراها ( إن كانت هناك اتفاقية ) وتتمثل بالنص أو أن تحاول الشركة التكيف مع الوضع الجديد ، وذلك ما تفعله أغلب الشركات اتقاء تعقيدات أكبر ريمكن أن تنشأ أو اعترافا بصعوبة فرض وجهة نظرها على الحكومات . لكن خيار الإصرار على تنفيذ الاتفاقية وأخذ الدولة إلى المحاكم في أي البلدين كما فعلت شركة إنرون وربما قبول التحكيم أو التسوية ، كلها أشياء واردة ، وقد اختارت عديد من الشركات ذلك في حالات معينة . وحتى مع مواصلة الصراع والتقاضي تقوم الشركة بالتكيف الذي كما أوردنا ، يتطلب المقدرة على التنبؤ بالتغير في أسبقيات الدولة ، والعمل على جعل خدمات الشركة ضرورية للدولة ، وتحسين الموقف التفاوضي للشركات ، مما يستدعي النظر في السياسات الخاصة بالإنتاج والتسويق والتنظيم .
في مجال الإنتاج واللوجستية : قد تحاول الشركة الاستفادة من الإنتاج المحلي بقدر الإمكان فكلما زاد المحتوى المحلي للسلعة كلما قل انكشاف الشركة ، علما بأن ذلك قد يكون على حساب الجودة أو الانتظام في التسليم والشحن أو على حساب التكلفة عندما يكون في مقدور الشركة الشراء من زميلاتها في الخارج أو من مصدر خارجي آخر بتكلفة أقل . فيما يختص بالموقع ذلك أمر سابق الاختيار ، وعلى الشركة أن تختار الموقع في بلد مستقر ، لكن ذلك ليس دائما خيارا متاحا في الصناعات الاستخراجية المتصلة بالمعادن . تقنية الإنتاج نفسها قد تحمي الشركة إذا كانت الدولة المضيفة في حاجة إليها ولا تجدها عند غيرها بنفس الشروط . كذلك إذا كانت البلد من الموقعين على اتفاقيات حماية براءات الاختراع ، وحماية الملكية الصناعية ، فذلك يجعل الشركة أقل انكشافا .
في مجال التسويق ، يعطي وجود شبكات توزيع خارجية للشركة ميزة تفاوضية ، أما البلد المضيف الذي لا يملك مثل تلك الشركات لتوزيع صادراته كشركات البترول بمحطاتها الخدمية في كل بلد ، مما يجعل الدولة البترولية تسعى إلى التوسع " أسفل النهير " كما يقولون أو التكامل رأسيا بشراء شبكات ومحطات توزيع الوقود في الخارج . ومن ناحية تسويقية ، يعطى التحكم في الأسماء التجارية والعلامات المتصلة بها وزنا للشركة ، ويقلل من تعرضها للمخاطر ، حيث تكون محتكرة لذلك ، فمن يستطيع أن ينتج كوكا كولا أو فراخ كنتاكي بدون موافقة أي من الشركتين ؟
في المجال المالي تقل المخاطر بالاعتماد على التمويل المحلي بأكبر قد ممكن ، واختيار مشاركة شركاء محليين والاقتراض من أكثر من قطر ، فتبقى للدائنين في أكثر من بلد مصلحة في بقاء الشركة . كما يمكن التركيز على الأرباح والنظرة قصيرة الأجل لاسترداد رأس المال في أقصر فترة ممكنة .
من ناحية تنظيمية ، يجعل وجود الشريك الأجنبي الشركة أكثر قبولا في البلد المضيف ويحميها نوعا ما ، لكنه لا يخلو من مشاكل كالخلاف في الرأي والأهداف ، وكشف أسرار الشركة . كذلك يمكن للشركة أن تقلل من انكشافها بالاقتصار على عقود الإدارة ، ومنح التراخيص , وفي الحالة الأخيرة لن تقيم الشركة منشآت تذكر في البلد المضيف ، ولن تتحمل تكاليف إنشائية ، بل تقوم فقط بإرسال موظفيها مع تصميماتهم وأدوات الرسم والمحاسبة التابعة لهم ، ويدفع الطرف المحلي تكاليف أي معدات إنشائية واستثمارات مطلوبة .
(ج) التخطيط للطوارئ :
بعد أن تبدأ الشركة في العمل ، قد تجد طوارئ أخرى ، ولذا ينبغي على الشركة أن تكون لديها خطة تحدد ما ستفعله إذا ما حدثت اضطرابات في البلد الذي تعمل فيه . ويفرض ذلك على الشركة أن تعرف مواطن ضعفها وإجراءاتها العادية ، وتطرح أسئلة على نفسها مثل : كيف تحمي الشركة ممتلكاتها ومنشآتها عند حدوث اضطرابات ؟ هل الإجراءات الحالية مناسبة ؟ أي المديرين سيكون في خطر ؟ يتطلب ذلك استقراء الأوضاع ، ومعرفة ما سيحدث قبل وقوعه ، وعلى كل شركة أن تكون لها مصادرها الخاصة عن الأوضاع في كل بلد كالسفارات والغرف التجارية والجماعات الأجنبية والتجمعات المهنية ، كما يمكن استخدام أساليب مختلفة للتوصل إلى ذلك ، مثل الاستعانة ببيوت الخبرة والعصف الذهني مع كبار المديرين والاستفادة من خبرة الموظفين المحليين . الخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق