free counters

الأزمة المالية الآسيوية

| |

كان النصف الأول من عقد التسعينيات فترة تدفق أموال غزيرة إلى دول آسيا والأسواق الصاعدة والدول النامية عموما . معدلات النمو العالية والعمالة المتعلمة المدربة والإدارة الحصيفة ، جذبت الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ، وأتى زمن كان يكفي فيه كما قال أحدهم أن تقول إنك من هونج كونج ، قبل أن تدفق عليك القروض الميسرة من أسواق لندن . تدفق الأموال هذا قاد إلى فورة استثمارية في الصناعة والعقار ، وكل مجال فاقت الحد ، وقادت إلى قيام طاقة فائضة : فنادق خالية الغرف ، ومخازن ملأى بالسلع . الخ ، مما أضعف بالسيولة لدى الشركات .فجأة وضعت حادثة منعزلة فيما يبدو في أسواق بانكوك ، هزت ثقة المستثمرين الأجانب في قدرة الشركات والبنوك التايلندية على الإيفاء بديونها ، فانخفضت أسعار الأسهم بحدة مما فاقم المشكلة ، وهرع المستثمرون إلى تسييل أصولهم باحثين عن الملاذ في العملات الأخرى ، مما شكل ضغطا على البهت ( العملة التايلندية ) . ونسبة لارتباط اقتصاديات المنطقة ببعض ، بدأ المستثمرون الأجانب يعيدون حساباتهم ، وبدأ يتضح لهم أن البنوك والشركات في الدول الآسيوية غارقة في الديون . في يناير 1998م ، قدر حجم الديون التجارية في كوريا بـ 155 بليون دولار ، في إندونيسيا بـ 135 بليون دولار ، 110 بلايين في تايلندا و60 بليون في الفلبين و40 بليون دولار في ماليزيا (28/1/98) .
والأسواق المالية تقوم عادة على الثقة التي إن اهتزت تؤدي إلى سلسلة ردود فعل سلبية حتى وإن كانت الحقائق الموضوعية لا تبرر ذلك . والأزمة المالية حتى إن بدأت بسبب موضوعي ، لكنها كالنار تتغذى على نفسها وتنتشر انتشار النار في الهشيم وهذا ما حدث . من جهة ، بدأ هروب الأموال من الأسواق الأسيوية ، ومن الجهة الأخرى ، قل ضخ أي أموال جديدة من الخارج . وبينما تدفقت 93 بليون دولار رأسمال خاص إلى الدول الخمس أعلاه خلال عام 1996 ، خرجت منها 12 بليونا صافية عام 1997 .,
هروب رأس المال الكبير كانت نتيجته الطبيعية هي تدهور أسعار الأسهم في البورصات ، وانخفاض قيمة العملات . هبطت مؤشرات البورصات ما بين سبتمبر 1997م وسبتمبر 1998 ، بما يأتي على سبيل المثال :
بورصة إندونيسيا من 550 نقطة إلى 250 نقطة .
بورصة ماليزيا من 800 نقطة إلى 400 نقطة .
بورصة كوريا من 600 نقطة إلى 300 نقطة .
أي أن الأسهم في هذه البورصات ، فقدت نصف قيمتها تقريبا كمتوسط . حقيقة قدرت خسائر البورصات في بعض هذه الأسواق بـ 75 بليون دولار في بورصة هونج كونج ، 60بليون دولار في كوريا و45 بليون دولار في اندونيسيا خلال الفترة 30/6 إلى 31/12/1997 أما العملات فهي أيضا فقدت أكثر من نصف قيمتها . ويوضح الجدول 3-4 الصورة .
جدول رقم 3-4 أسعار عملات الدول الآسيوية المتأثرة بالأزمة 
( عدد وحدات العملة المعادل للدولار الأمريكي )
الدولة                   
عملة الدولة
     1994
      1995
  1996
   1997     
1998
اندونيسيا
كوريا
ماليزيا
الفلبين
تايلاند
روبية                  
ون
رنجت
بيزو
بهت
2200
789
2.62
24.24
25.09
2308
775
2.50
26.21
25.19
2383
844
2.52
26.29
25.61
4650
1695
3.89
40.00
42.24
10306
1098
3.83
40.77
39.00

فبعد أن كانت العملات مستقرة في النصف الأول التسعينيات ، فقدت العملات أكثر من نصف قيمتها تقريبا خلال عامي 1997-1998 . من الطبيعي والأمر كذلك أن حلت بالمنطقة أزمة سيولة ، ووجدت الشركات نفسها عاجزة عن تمويل عملياتها ، وتحول النمو العالي إلى نمو سالب في أغلب الدول . انخفض الإنتاج لدى الشركات طاقة فائضة كبيرة ، ووصل حجم العطالة درجات لم تكن معروفة في تلك المناطق . وبدأ ذلك التدهور يؤثر على اقتصاديات دول العالم ، فانخفضت أسعار المواد الأولية ، وتأثرت الصادرات الأمريكية والأوروبية أيضا .
تدخل صندوق النقد المالي فارضا سياساته الداعية إلى الانفتاح ، ورفع القيود ، وإلى التقشف مقدرا أن مائة بليون دولار ستكون كافية لإنقاذ المنطقة لو اتبعت السياسة التي يدعو لها . لكن وبعد أكثر من عام ، لم تحل المشكلة تماما ، ويوجز الكثيرون أسباب المشكلة الحقيقية فيما يلي : 
توسع الشركات بالاستملاكات داخل وخارج مجالها ، وزيادة الطاقة الإنتاجية غير المدروسة .
يرى البعض أن أحد أهم أسباب المشكلة ، هو استجابة الدول الآسيوية للضغوط الغربية بإزالة القيود على رأس المال قبل خلق المؤسسات الكفيلة بتنظيم الأسواق والتعامل مع هروب رأس المال . وأن التحول السريع من اقتصاد مقفول في بعض الأسواق الصاعدة إلى اقتصاد مفتوح ، وتوفر الإقراض هو الذي قاد إلى الديون والطاقة الفائضة والمبيعات الخاسرة .
الفساد ، حيث تتم كثير من القروض والدعم على أسس سياسية لمصلحة متنفذين في النظام أو أقرباء القادة .
ويرى آخرون أن حلول صندوق النقد الدولي عاجزة عن حل المشكلة ، بل هي متهمة بأنها فاقت المشكلة ، وزادت الانكماش ( 2003 ) . فقد قامت الدول الآسيوية المتأثرة بإتباع السياسات التي أوصى بها الصندوق ، كإقفال البنوك الخاسرة ، ودمج المؤسسات المتعثرة ، وكسر الاحتكارات الحكومية ، ورفع الدعم الحكومي للصناعة ، وتقليل وزيادة الشفافية ، وإصدار القوانين المنظمة الخ . وفعلا تحسن الوضع في بعض الدول مثل كوريا والفلبين ، لكن مازال هنالك الكثير المطلوب ، ويدعو المتخصصون إلى :
إزاحة البيروقراطية الحكومية من على رقبة الاقتصاد .
تدريب المحاسبين والصيارفة ومديري المؤسسات المالية على الوسائل الغربية في مجالهم .
زيادة الشفافية في الأسواق .
تصميم شبكات الضمان الاجتماعي و / أو التوسع فيها .
إيجاد وسيلة للتحكم في تحركات رأس المال كفرض ضرائب على دخل الأموال " الساخنة " ، ترد إذا بقيت الأموال داخل القطر لمدة سنة كما فعلت حكومة تشيلي سابقا .
حقيقة إيجاد نوع من التحكم في تحركات رأس المال بات يلقي تأييدا وحتى صندوق النقد والبنك الدوليان لم يعودا يعارضان ذلك بشدة .
تبني وانين إفلاس مشابهة للقانون الأمريكي الذي يعطي الشركة المدينة المعسرة حماية من الدائنين لفترة ، حتى تعيد ترتيب أوضاعها ، وحينها تبدأ السداد . هنا يمكن حماية الدولة من الدائنين في حالة الإعسار والمطلوب منها إتباع سياسات ملائمة ، تمكنها من السداد بعد ذلك ، ويشرف صندوق النقد على الأمر ، الشيء الذي سيجعل المستثمرين حريصين من البداية ، فلا يدعمون مشاريع قبل التأكد من جداولها .
قيام الصندوق النقد الدولي بدور البنك المركزي للعالم ، ليهيئ سيولة للدولة المعسرة ، بل يفترض أن يتدارك الصندوق الأمور قبل أن تستفحل . وحاليا يقوم الصندوق بدور شبيه ، لكنه غير مقنن ، ولذا تنقصه الموارد والشرعية .
عموما تتعلم الدول والشركات الكثير من هذه الأزمة ، وسيكون الجميع أكثر حرصا مقرضين ومقترضين ، وستتطور النظم النقدية في هذه الدول ، لتصبح أكثر شفافية ، وتتدارك الأوضاع ، وستعدل القوانين لتعطي حماية أكثر للدائن .
ستتخلص الشركات من الشحم الزائد ، وتعيد هيكلة أنفسها لتعود وتنافس ، والدول الآسيوية ستسترد عافيتها ولم ى ؟ فهي " ليست بيوتا من ورق " في قول جاري بيكر الاقتصادي الأمريكي حامل جائزة نوبل ، بل هي دول كان نموها في السابق حقيقيا ، ومازالت لديها المقومات المطلوبة : عمالة متعلمة ومدربة وجادة ، مستهلكون مدبرون يدخرون كثيرا ، ومديرون ورجال أعمال نشطون مثابرون .

أغلب هذه الدول استردت عافيتها ، ليست بسبب سياسات صندوق النقد ، وإنما بالرغم منها . ماليزيا رفضت وصفة الصندوق الدولي واستعاد اقتصادها عافيته بسبب سياستها . كوريا الجنوبية استعاد اقتصادها عافيته ، لأنها تولت أمورها بنفسها بعد أن استسلمت لصندوق النقد في البداية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©