العمل في بيئة غريبة فيه ما فيه من ضغوط نفسية واجتماعية قد تجعل المدير الأجنبي أحيانا يشعر وكأنه منفي من بلده ويعاني من القلق ومن صدمة حضارية ( عكسية أحيانا ) ويحس وكأنما أقتلع من بيئته وموطنه . وقد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يعودوا إلة أوطانهم قبل انتهاء مدتهم . المدير الأجنبي يجد نفسه أمام بيئة سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة تماما عما عهده . ليس ذلك فحسب بل عليه مع كل ذلك أن ينشئ علاقات جديدة مهنية وغير مهنية علاقات اجتماعية وعلاقات عمل مع مرؤوسين وزملاء وعملاء وسلطات حكومية . الخ . ويتوقع منه أن يكون واسطة ومنسقا لشركته في الخارج والسلطات الحكومية كما عليه أن يحافظ على علاقته الأسرية كذلك على أفراد أسرته أنفسهم مهمة تأقلم وتكيف .
ويمكن أن نجمل هذه التحديات تحت العناوين التالية :
تحديات البيئة الفيزيقية المحلية : بالإضافة إلى الطقس والمناخ الذي غالبا ما يختلف عن الطقس والمناخ في وطنه هناك مستوى الحياة والمعيشة الذي غالبا ما يقل عن المستوى الذي ألفه المدير الأجنبي طوال حياته . هناك أيضا جانب العناية الصحية وهل في مستوى الخدمات الصحية الكافي والتطيب وتعليم الأطفال ومدارسهم . هناك طبعا موضوع البعد عن الأهل والأصحاب الذي هم صمام الأمان النفسي للفرد في كل مجتمع . ويمكن أن نضيف هنا افتقاده لمجالات الترفيه والرياضة والاهتمامات والهوايات الشخصية وهل يستطيع المدير الأجنبي متابعتها . بلا شك لن يستطيع متابعتها بنفس الانتظام السابق وحتى بعض الأشياء العادية – كالتسويق في محلاته التجارية المفضلة – لن تكون متاحة .
تحديات البيئة الاجتماعية : هناك أشياء خاصة بالسلوك المتوقع من المدير الأجنبي ومن أفراد أسرته عليه أن يرعاها . وما يجعل الأمر صعبا هو أن معرفة القواعد الخاصة بالسلوك وما هو متوقع منه تقتضي وتستغرق وقتا فماذا يفعل إلى أن يكتشفها ؟ وحتى بعد معرفتها إلى أي درجة يستطيع التكيف معها ؟ يحضر المدير الأجنبي وفي ذهنه وعقله غير الواعي قواعد وقيم ومرجعيات مختلفة يحكم بها على الأشياء ويحدد بها سلوكه وهي التي تحكم أفعاله وتحركاته . هنا عليه أن يكون حريصا حتى في أبسط الأشياء في الحياة اليومية مثل الخروج للتسوق والزيارات هو وأفراد أسرته . وفي تلك الطلعات قد لا تسعفه قيمه الأصلية . ومع جهله باللغة المسموعة والصامتة لأهل البلد قد يؤدي كل ذلك الحرص والقلق إلى تشويش في تفكيره وبما صدمة ثقافية إذا لم يكن واسع الأفق وذا تجارب . وكل ذلك يؤثر على مقدرته على التعامل والتفاهم مع الآخرين بدءا من العاملين معه في المنشأة ومرورا بالشركاء المحليين والعملاء الخارجيين والمسئولين الحكوميين وقد تتطلب منه وظيفته أن تكون له علاقات اجتماعية مع كل هؤلاء .
تحديات فنية ومهنية : في العادة لا يرتقي حجم العمل في الشركة التابعة داخل البلد المضيف إلى حجم العمل في الرئاسة فالوحدات الصناعية تكون أصغر والأقسام الإدارية أصغر . ليس ذلك فحسب قد تكون أقل حداثة وأساليب التسويق والتمويل المحلية مختلفة وهذه أشياء صعبة القبول وتحد يفشل فيه الكثيرون وهو المقدرة على التفكير بطريقة مختلفة وطريقة " أصغر " إذا كان لنا أن نستخدم هذه الكلمة .
تحديات من العلاقة مع الحكومات والرئاسة : على المدير الأجنبي للشركة المنتسبة لشركة ( م . ج ) . واجبات إضافية لا يقوم بها وهو في الرئاسة لكنه في الخارج مسئول عن " تسويق " شركته واسمها وهذه من المهام التي تقوم بها عادة الإدارة العليا في بلده . وبتلك الصفة يجد المدير الأجنبي أن عليه أن يقود حياة اجتماعية نشطة بصفته رسول شركته . وفي جانب العمل عليه أن يشترك في مفاوضات واجتماعات مع مسئولين حكوميين ورؤساء دول أحيانا . في بعض الصناعات والأقطار يكون على المدير التعاون مع السلطات الحكومية بكثرة إما مباشرة فقد تتدخل الحكومة مباشرة أو تلقي بظلها في مفاوضات للشركة مع عامليها وقد تكون هناك شركة حكومية أو مؤسسة تزوده أو يزودها بالسلع والمواد أو قد تنفسه شركات القطاع العام واعتمادا على الأيدلوجية السائدة قد يكتسب عداء من ذلك .
المدير الأجنبي بمثابة حلقة وصل ما بين شركته الأم في الخارج والحكومات ( حكومة البلد المضيف وحكومة البلد الأم ) . وقد يتلقى تعليمات عليه تنفيذها بينما هو غير مقتنع بها خاصة إذا كانت هناك مركزية شديدة من الرئاسة وفيها يفت في عضده عندما يكتشف ألا سلطة له ففي بعض الأحيان تعزله الشركة الأم عما يجري ولا يدري المدير الأجنبي ( المحلي ) لم اتخذت الشركة الأم ذلك القرار خاصة إذا كانت الصورة الكاملة غير متوافرة مما يستدعي وجود حوار بينه وبين رئاسة حتى يتمكن المدير الأجنبي من تنفيذ تلك القرارات بفاعلية .
تحديات العودة : قد يستغرب البعض كيف تغدو العودة إلى الوطن تحديا أمام المدير الأجنبي العائد إلى رئاسة شركته وموطنه . هذه أيضا نظرة عديد من الشركات العالمية التي لا تعطي الموضوع حقه من الأهمية تاركة مديريها العائدين في صمت . يتعدى هذه التحدي مجرد التكلفة أو إعادة التأقلم حيث يفترض أنهم لن يلاقوا مشاكل في ذلك لكنهم يلاقون . هناك أولا المشكلة المالية عندما يكتشف المدير العائد أن ارتفاع تكاليف الحياة الجامح في بلده قد جعل شراء منزل وتأثيثه وشراء عربة ومتطلبات أخرى فوق حجم مدخراته . هناك ثانيا الوضع المميز الذي فقده فبعد أن كان " الرجل الأول " في الخارج يجد أنه مجرد واحد من عشرات . وأكثر من ذلك قد يجد نفسه خارج مجرى الأمور فالشركة لا تشركه في القرارات ولا تستفيد من خبراته والفرص قد فاتته وأقرانه قد تخطوه بمراحل لأنهم لم يغادروا أبدا بينما تلاشت الأهمية الاجتماعية التي كان يلقاها في الخارج وتلاشي معها الوهج والأضواء التي كانت مركزة عليه . أحيانا بل من الطبيعي أن يعود متأثرا بالثقافة التي عرفها في الخارج وأن يظهر أثر ذلك في نظرته للأمور بل قد يحمل معه بعض تقاليدها وذلك قد ينفر منه زملاءه . وبعض العائدين يظلون يعانون صدمة حضارية عكسية لفترة ليست بقصيرة .
ويوضح الجدول التالي أهم أسباب فشل المدير المغترب :
جدول أهم أسباب فشل المدير المغترب
عدم قدرة الشريك على التأقلم . 7- العجز عن التعامل مع المسئوليات الخارجية الجسمية .
عدم قدرة المدير على التأقلم . 8- ضعف المعدلات الفنية .
مشاكل متعلقة بالأسرة . 9- عدم الحماس للعمل في الخارج .
سوء اختيار المدير . 10- عدم الرضا عن نوعية الحياة في الخارج .
شخصية وعدم نضج المدير . 11- رواتب ومكافآت غير مجزية .
ضعف اللغة والجاهزية الثقافية . 12- مساندة ضعيفة من الشركة للأسرة والممتلكات المتخلفة.
|
الفشل هنا معرف على أنه العودة قبل إكمال المهمة أو الإعفاء منها . ويلاحظ هنا أن الأسباب تختلف حسب الجنسيات فبينما كان عدم قدرة الشريك ( الزوج أو الزوجة ) هو أهم سبب للفشل عند الأمريكيين كان ذلك أقل الأسباب عند اليابانيين . كذلك كان العجز عن التعامل مع المسئوليات الخارجية هو أهم سبب للفشل عند اليابانيين وأقل سبب عند الأمريكيين .
مزايا تعيين مدير من البلد المضيف :
إذا كان تعيين أو اختيار مدير أجنبي أمر تحيطه مثل هذه الصعوبات فماذا عن البديل الوطني وما هي مزاياه ؟
في البداية أمامنا معرفة المدير الوطني ببيئة وثقافة البلد المضيف والتي أشرنا إليها سابقا وكلما زاد اختلاف البيئة المحلية عن بيئة البلد الأم كلما اكتسب ذلك الأمر أهمية أكثر وكلما كان من الأفضل اختيار بديل محلي . من الجانب الآخر هناك ثقافة الشركة الأم وأساليبها في العمل ومعرفة أهدافها وأساليب عملها الشيء الذي سيفتقده المدير الوطني . ويصبح الأمر في النهاية موضوع موازنات وتبادلات بين معرفة ثقافة البلد المضيف وثقافة الشركة وأيهما نركز عليه وما مقدار أثر كل منهما في العمليات .
اختيار مدير وطني قد يساعد المبيعات والمعنويات بالإضافة إلى أن ذلك يساعد في تحفيز العاملين المحليين ويمكنك من الحصول على كفاءات محلية مقتدرة لأن مثل تلك الكفاءات لن تتقدم إلى العمل في شركة أجنبية إذا شعرت أن طريق الترقي مسدود أمامها .
المدير الوطني أقل تكلفة سواء أكان في راتبه الأساسي أو تكاليف الترحيل أو بدلات السكن والمواصلات والمشقة.
أحيانا يتطلب قانون البلد المضيف إشراك المحليين في الإدارة وتجعل القوانين تعيين الأجانب صعبا مع ما يصاحب ذلك من علاقات عامة سيئة إذا لم يشارك مواطنون في الإدارة .
الأجنبي قد يكون قصير النظر لعلمه إنه لن يبقى طويلا ولذا قد يختار مشاريع قصير المدى .
تعيين مديرين من بلد ثالث : في بعض الحالات مع تكلفة المدير الأجنبي وصعوبة توافر عدد كافي من المديرين الوطنيين تلجأ بعض الشركات ( م . ج ) إلى اختيار إداريين من بلد ثالث خلاف بلد الشركة الأم والبلد المضيف والذي عادة يكونون من نفس منطقة البلد المضيف حيث البيئة متشابهة كأن تختار شركة أمريكية مديرا من بيرو ليدير عملياتها في المكسيك أو شركة بريطانية تختار مديرا ليدير عملياتها في قطر خاصة إذا كانوا يعملون في نفس الشركة ( م . ج ) في بلدهم الأصلي في مجال مشابه . وإذا وجد مثل ذلك الشخص وإذا كانت لديه الخبرات المطلوبة حتما سيكون ذلك أفيد من المدير الأجنبي من حيث التكلفة والفعالية ومعرفة البيئة الجديدة . هذا لا يعني أن القادمين من بلد ثالث سيتأقلمون بدون صعوبة أو أن مجتمع البلد المضيف سيتقبلهم بسهولة لكن تأقلمهم حتما سيكون أسهل من الأجنبي البعيد . حقيقة الأمر إذا كانت الشركة الأم تدار كمناطق جغرافية قد يقتصر التعيين على مواطني المنطقة الجغرافية كسياسة متبعة مما يعني استخدام تلك السياسة بكثرة .
تستخدم الشركات الأمريكية أحيانا مديرين من بلد نام لإدارة عملياتها في بلد نام آخر على أساس أنهم قد يكونون أكثر فهما لثقافة البلد . أما المرحلة المتقدمة في العولمة عندما تختار الشركة مديريها من أي بلد كان دون اعتبار لجنسيتهم الأصيلة فهذه مرحلة بلغتها شركات قليلة ونجد اليوم من بين أكبر مائة شركة أمريكية خمس عشرة منها أكبر مديريها من أصول غير أمريكية فبعضهم من مصر والمغرب والهند .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق