free counters

تكلفة العمالة : الأجور والمكافآت في المشروعات الدولية

| |

تختلف أسس تحديد الأجور بين البلدان وتعتمد على عدة عوامل أهمها الإنتاجية : حيث ترتفع الأجور مع ارتفاع إنتاجية العمال . بالإضافة إلى ذلك . تؤثر عوامل الطلب والعرض على مستوى الأجور والبدلات . ثم هناك القوانين حيث تضع بعض الدول حدا قانونيا أدنى لا تنخفض دونه الأجور . وأخيرا هناك المفاوضات بين العاملين والشركة أو الصناعة . تتباين أيضا أساليب الدفع ما بين أجر مقطوع أو تجزأ لتشمل حوافز وبدلات .
لا تستطيع الشركة ( م . ج ) أن تدفع أجور أقل من الأجور السائدة في البلد المضيف بل إنها عادة تدفع أجور أعلى من الأجور السائدة في البلدان منخفضة الأجور لأن الشركة ( م . ج ) عادة أقل إنتاجية وفلسفتها هي اجتذاب أعلى الكفاءات . عموما على الشركة أن تحدد سياسة واضحة في هذا المجال وهل ستدفع نفس الأجور في كل بلد أم ستتخذ جدولا لكل بلد وما هي العوامل المعتبرة في كل حالة ؟
البدلات أيضا تتباين من بلد لآخر وهبي مهمة لأن الأجر وحده لا يكفي وهي تختص بالسكن والمواصلات والأطفال في البلدان التي تشتد فيها المنافسة أو توجد بها أزمة سكن أو مواصلات تضطر الشركة ( م . ج ) بتقديم تلك البدلات لعمالها. هناك أيضا البدلات والتعويضات التي يفرضها القانون لبعض ظروف العمل الشاقة أو الخطرة التي تستدعي تقديم بدل تعرض للعمال لتعويضهم عن خطر الإصابة والحوادث . ثم هناك بدلات الاستغناء والفصل التعسفي وبدلات نهاية الخدمة . وللشركات عادة أساليبها في تخفيض عدد العاملين بسبب ركود النشاط الاقتصادي بينما تجعل قوانين بعض البلدان الاستغناء عن العمال أمرا صعبا وكثيرا ما تعامله على أنه فصل تعسفي تدفع فيه الشركات غرامات كبيرة أو تضطر لإعادة العاملين . وفي ندوة لمشاكل الاستثمارات العربية البينية قامت بها المؤسسة العربية لقيام الاستثمار في الأردن عام 1989 أشار بعض المستثمرين إلى قوانين العمل في بعض البلاد العربية يوصفها عائقا كبيرا يلغي ميزة الأجور المنخفضة فيها . ويقول أولئك المستثمرون : أن الأجور فعلا منخفضة في بعض البلدان إلا أن إجراءات التقاضي في المحاكم والتعامل مع دعاوى الفصل التعسفي أمام القضاء تكلف كثيرا من الجهد والوقت والمال . في الولايات المتحدة الاستغناء عن العاملين ليس أمرا صعبا وهو من الممارسات المقبولة علما بأن الدولة تدفع تعويضات للعاملين كما تساعدهم نقاباتهم إلى حين .
أما في دول أوروبة الغربية فتكلفة العاملين عالية وفصلهم صعب كما يدفع لهم للتأمين الاجتماعي نسبة كبيرة من الراتب (65%) عند فقدان الوظيفة وأجازات العاملين مدفوعة الأجر أطول كثيرا عند الأوروبي مقارنة بالأمريكي وتتحمل الشركة نسبة كبيرة من تكلفة التأمين الصحي . لذا يدعو البعض إلى تحرير سوق العمل وتشجيع التعاقد الحر بعيدا عن النقابة وتسهيل إجراءات الفصل وقد خطت أسبانيا تحت الحكومة المحافظة السابقة خطوات في هذا الاتجاه مما أنعش الاقتصاد وقلل العطالة .
في اليابان فصل العمال والاستغناء عنهم أمر غير معروف خلافا للممارسات في الدول الغربية . فالعامل والموظف الياباني يبقى مع الشركة اليابانية إلى أن يتقاعد . أما في الدول العربية الإسلامية فتسعى الدولة لحماية العاملين من مخاطر الفصل لعدم وجود تعويضات أو بدل شهري يدفع للعاطلين لكن كما أشرنا البعض يرى أن القانون في بعض هذه الدول ينحاز ضد صاحب العمل بأكثر مما يجب .
وفيما يختص بالمقارنة في تكلفة العمالة بين البلدان فإن المقارنة ذات شقين إذ أنها تأخذ الأجور والبدلات من جانب ثم تأخذ الإنتاجية في الاعتبار من الجانب الآخر . ولذا قد تبدو الأجور والبدلات عالية إذا أخذنا أجر العامل الأمريكي عند مقارنته بأجر العامل الهندي مثلا لكن عندما نتذكر الإنتاجية وأن إنتاج الأول في اليوم أو الساعة أضعاف إنتاج الثاني في نفس المدة لا تبدو تكلفة العمالة الأمريكية عالية . وتكلفة العمالة ذات طابع ديناميكي لأن الأجور والبدلات تتغير كما تتغير الإنتاجية مما يؤثر على الميزة التنافسية .
انتهى منذ مدة الجدل الدائر بين الصناعيين اليابانيين والأمريكيين حول تدهور إنتاجية العامل الأمريكي لأن تلك الإنتاجية متزايدة . من الجانب الآخر يدخل في الحسبان التغير في أسعار العملات الذي قد يلغي أو يزيد من الفوارق في ميزة تكلفة العمال . إذا زادت الأجور والبدلات بـ 10% مثلا وارتفعت الإنتاجية بـ3% في ألمانيا نقول إن التكلفة زادت بنسبة : 
110   
103 - 100 = 7% تقريبا . وعند مقارنة ذلك فرضا بإنجلترا مثلا نجد أن الأجور والبدلات ارتفعت بـ15% بينما
ارتفعت الإنتاجية بـ 5% وبذا تكون التكلفة ارتفعت بـ    115 
105– 100 = 9.5% في نفس العام أي أن التكلفة في إنجلترا ارتفعت بأكثر مما في ألمانيا . لكن إذا انخفضت قيمة الجنيه الإسترليني أمام المارك الألماني فإن ذلك سيقلل الفارق في التكلفة وقد يلغي تغير سعر العملة ذلك الفارق إذا كان الانخفاض في قيمة الجنية الإسترليني يقارب 3% أمام المارك الألماني .
العلاقات الصناعية المقارنة :
تؤثر البيئة السياسية والاجتماعية في طبيعة العلاقة بين الإدارة والعاملين . في بريطانيا أخذت العلاقة منحنى طبقيا ودخلت طور المواجهة في بعض الحالات بل إن لها تعبيرا سياسيا في شكل الأحزاب الرئيسية إلى أن قامت حكومة المحافظين في أوائل الثمانينيات بكسر شوكة النقابات وقوتها السياسية وقللت من حدة المواجهة بتلك المواجهة الشهيرة مع عمال المناجم وحاليا يحكم العلاقة القانون . وفي الولايات المتحدة الصلة ضعيفة بين عضوية النقابة والتوجه السياسي والنقابات أساسا نقابات مطلبية . لكن يمكن القول أن العلاقة بين الإدارة والعاملين في الدول ألانجلوساكسونية علاقة عدائية وينظر الطرفان إليها ( كمباراة مجموعها صفر ) أي أن ما يكسبه طرف يكون دائما على حساب الطرف الثاني لذا نجد المفاوضات عادة تستغرق شهورا قبل تجديد العقد والاضطرابات تتكرر وتضيع على الجانبين أموال كثيرة , واتحاد نقابات العمال الأمريكي قوي من حيث حجم العضوية كما أن له دورا سياسيا فهو يدعم الحزب الديمقراطي غير أن القوانين تعطي أصحاب رأس المال حق التخلص من العاملين .
في بعض الدول الأخرى تتدخل الجماعات العمالية في السياسة وتسعى لتغيير القوانين بتلك الطريقة بدلا من التفاوض ويمثل العاملون قوة ضاغطة في أوروبا الغربية النقابات قوية أيضا ومنظمة على مستوى القطر وتتبع كثير من دول أوروبا الغربية ما يسمى ( بالديمقراطية الصناعية ) حيث يحق للعاملين قانونا المشاركة في بعض القرارات إدارية المهمة مثل تحديد الأجور والمشاركة في الأرباح والحوافز ووضع قواعد العمل والفصل بل حتى التوسع أو قفل المصانع . لذا نجد العمال ممثلين في مجالس الإدارات بما يصل نسبة الثلث في النمسا وهولندا والسويد . كذلك هناك مجالس العمل المكونة من ممثلي العمال والإدارة والتي تنظر في أمور كتحسين أداء الشركة وظروف العمل والضمان الوظيفي . وتختلف قوة هذه المجالس فهي قوية في إيطاليا وهولندا وألمانيا وضعيفة في إنجلترا وفرنسا والدول الإسكندنافية أما في اليابان تتعاون الإدارة مع العاملين والكل يعتبر نفسه جزءا من مؤسسة واحدة وذلك من أسباب النجاح التجاري لليابان في بلدتنا المجال مفتوح أمام العامل ليصبح رب عمل وليست هناك قيود طبقية تمنع العامل من الانتقال إلى فئة أصحاب الأعمال كما تنظم القوانين العلاقة بين الإدارة والعاملين وتحفظ حق الطرفين مع بعض الانحياز إلى جانب العمال في بعضها . وتسمح القوانين بالتفاوض حول الأجور في بعض البلدان بالإضافة إلى وجود التحكيم في حالة الفشل في الوصول إلى اتفاق بين الطرفين .
هناك كما رأينا اتجاه في بعض البلدان لإشراف العمال في الإدارة ومجالس الإدارات في الشركات كما نجد في ألمانيا التي تعطي العاملين نصف المقاعد على أن يكون ممثلو الإدارة ضمن العاملين وبذلك يكون للإدارة والمالكين الأغلبية . تدخل العمال في الإدارة يضمن تعاملهم لكنه أحيانا يمنع الإدارة من اتخاذ قرارات في صالح المالكين لاعتراض العمال مثل وقوف العمال ضد قفل مصنع غير اقتصادي أو ضد الاستثمار في الخارج أو شراء أو بيع أصول . هذا الوضع يضير بحق المساهمين في التصرف في أصولهم . ولا تتبع البلدان الرئيسية الأخرى هذا الأسلوب .
من الجانب الآخر تعمل بعض الشركات في بعض الدول لكسب تعاون العاملين بطرق أخرى مثل قيام الشركات الأجنبية بإشراق العمال فيما يسمى دوائر الجودة تقوم فيها مجموعات صغيرة من العمال بمناقشة مشاكل العمل في اجتماعات صغيرة واقتراح أساليب لتحسينها في تلك الدوائر الصغيرة . وبذلك يتماسك العمال مع شركاتهم . وفي الولايات المتحدة نجد نظام فرق الأداء الشبيه بدوائر الجودة وهناك أيضا المشاركة في الأرباح للعاملين وبتلك الطريق يزيد عطاؤهم .
إصلاحات عالمية :
في عام 1919 تم تأسيس منظمة العمل الدولية التي تعمل لتحسين أوضاع العاملين في الدول المختلفة من خلال نشاطاتها المتنوعة ونشر الوعي العام وتركيز الأنظار على الدول التي بها ممارسات تهدر حقوق العاملين وبذلك تخلق المنظمة ضغوطا للإصلاح . وخير مثال لذلك كانت تركيز الأنظار على جنوب أفريقيا قبل التحرير وقيام المنظمة الدولية بإصدار إرشادات تطوعية للشركات الأجنبية العاملة في جنوب أفريقيا وذلك لحماية العمال في ذلك البلد . كذلك تصدر كل من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والسوق الأوروبية والأمم المتحدة إرشادات للسلوك ليسترشد بها مديرو الشركات (م.ج) وتسعى النقابات العمالية لتجعلها سارية المفعول وكل هذه التوصيات والإرشادات هي مجرد إرشادات ليست لها صفة الإلزام لأن هذه المنظمات مثل كثير من المنظمات العالمية ليست وراءها قوة تفرض توصيتها .
الشركات متعددة الجنسية والنقابات :
هناك صراع بين الفريقين حيث تتهم النقابات الشركات ( م . ج ) بأنها لاستثمارها في الخارج تأخذ معها وظائف العاملين من بلدها الأصلي وتتسبب في العطالة . كذلك يزعم البعض أن الشركات ( م . ج ) أضعفت موقف العمال التفاوضي لأنها تستطيع الاستيراد من مصانعها في الخارج إذا ما توقف العمال عن العمل في المصنع المحلي . إذ أنه عادة واحد من عدة مصادر تملكها الشركة . وقد تستطيع الشركة ذلك فعلا لكنها لا تستطيع الاستمرار في ذلك مدة طويلة فالمصنع الأجنبي عليه التزامات تموينية أيضا وإنتاجه قد يكون محجوزا لأسواق أخرى . وقد تهدد الشركات بالانتقال إلى بلد آخر لكن الانتقال ليس قرارا سهلا . تشير الشركات أيضا إلى الاستثمار المعاكس بوصفه مصدرا للعمل والتوظيف يعوض عن أثر الاستثمار في الخارج . قيام الشركات الأمريكية بالاستثمار في ألمانيا مثلا بدلا من الإنتاج في أمريكا والتصدير إلى ألمانيا قد يقلل فرص العمل المتاحة في أمريكا لكن من الجانب الآخر هناك استثمار ألماني معاكس ينشأ في أمريكا ويعوض عن الفقد الأول .

وأخيرا يشقى العمال في البلد المضيف بأن التفاوض صعب مع الشركة الأجنبية التابعة لأن القرارات الإنتاجية تتخذ في الرئاسة علما بأن المعلومات لا تتوافر للعاملين في الشركة التابعة عن عمليات الشركة الأم الأخرى ووضعها المالي وهل هي قادرة على إجابة مطالبهم . ولا يخلو ذلك من صواب . وكرد فعل لذلك تقوم بعض النقابات في البلدان المختلفة بتبادل المعلومات عن الأرباح والإيرادات والسياسات لنفس الشركة التي تعمل بها النقابات المختلفة في أكثر من بلد
. بل كانت هناك دعوات للتضامن فيما بينها كأن يرفض العمال في الشركة (م . ج) في بلد ما العمل ساعات إضافية للتعويض عن نقص الإنتاج الحادث في فرع نفس الشركة في بلد آخر بسبب إضراب عمالها أو إرسال مساعدة مالية لهم . لكن التجارب أوضحت فشل محاولات التعاون العمالي عبر البلدان وهي قليلة الحدوث . كذلك فشلت المفاوضات أو المحاولات للتفاوض على أساس عالمي بين العاملين في الشركة (م . ج) في جميع البلدان التي تعمل فيها وبين إدارة تلك الشركة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ خدمات وحلول متكاملة للاعمال 2013 ©