في البداية ، يجب أن نقول إن صفة " أوروبي " هنا ، هي إلى حد ما اسم على غير مسمى . حيث لفظة "يورو" الإنجليزية تستخدم مع العملات لتشير أساسا إلى أنها معاملة تمت بعملة معينة خارج بلد تلك العملة . وديعة اليورو دولار ، أو الدولار الأوروبي ، هي وديعة لأجل مقومة بالدولار ، لكنها في بنك خارج الولايات المتحدة ، والذي قد يكون مصرفا أجنبيا أو فرعا لبنك أمريكي خارج أمريكا . تتفاوت آجال وديعة الدولار الأوروبي من ليلة واحدة أو " عند الطلب " إلى عدة شهور . ولا تقتصر هذه الخاصية على الدولار ، فهناك وديعة اليورو مارك ، وهي وديعة مقومة بالمارك الألماني ومودوعة خارج ألمانيا ، وبالمثل نجد ما يعرف باليوروين واليوروسترليني . كذلك يسمى أي بنك يتعامل أساسا في عملات غير عملة البلد الذي يوجد فيه " يوروبانك " ، ويمكن أن يكون ذلك المصرف وحدة أو قسما في بنك تجاري ، وليس من الضروري أن يكون مقره أوروبا .
سوق النقد الأوروبي مصدر مهم للسيولة والتمويل أمام الشركات العالمية ، فهو بذلك مصدر رئيسي للإقراض قصير الأجل لتمويل احتياجات رأس المال العامل لتلك الشركات . وبالإضافة إلى أسواق لندن وباريس وزيورخ توجد أسواق نقد " يورو " في البهاما وسنغافورة وطوكيو ، كما توجد وحدات مصرفية " يوروية " داخل البنوك الأمريكية بعد أن سمحت لها السلطات الأمريكية النقدية بذلك .
تطورت هذه الأسواق في البداية من ودائع بالدولار مملوكة للدول الاشتراكية التي رأت بعد الحرب أن تودعها في أوروبا خوفا من المطالبات الأمريكية إن هي أودعتها في أمريكا . تبع ذلك البنوك المركزية الغربية التي بدأت تحتفظ بجزء من أرصدتها مقومة بالدولار للاستفادة من العوائد العالية على الودائع الدولارية ، وفعلت البنوك التجارية وشركات التأمين نفس الشيء . كذلك جاءت دفعة قوية لتطور السوق في الخمسينيات ، حينما قامت السلطات البريطانية بمنع البنوك البريطانية من إقراض الإسترليني لغير المقيمين ، فلجأت البنوك إلى إقراضهم بالدولار . عززت من ذلك السياسة الأمريكية في الستينيات التي كانت تفرض ضرائب إضافية على الفوائد المجنية في الخارج ، مما حجز الدولارات خارجيا وقفل السوق الأمريكي أمام المستثمرين الأجانب . ومع أن أغلب هذه القيود البريطانية والأمريكية زالت ، إلا أن السوق بقي وتوسع أكثر .
غير أن هذا الوصف " اليوروي " بدأ يفقد معناه الأصلي ، ولم تعد كلمة " يورو " تستخدم بذلك المعنى فقط . في البداية كانت الدولارات الأمريكية في أوروبا هي النواة لسوق مالي عالمي رائد وضخم ، ثم توسع الأمر ليشمل تعاملات العملات الرئيسية الأخرى الموجودة خارج بلدها . أما اليوم ومع انفتاح الأسواق وتعويم العملات، فقد أصبح العامل الدولي في العملات المختلفة يتم داخل وخارج بلدها ، مما أفقد الكلمة معناها الأصلي . بل إن كلمة " يورو " صارت اليوم تطلق على عملة الاتحاد الأوروبي المشتركة التي تبنتها 16 دولة حتى اليوم (2009) ، وتعادل وحدة اليورو حوالي 1.4 دولار أمريكي .
أسواق الصرف الأجنبي : قدرت مجلة يورموني حجم التداول اليومي في أسواق الصرف في كل أسواق العالم ، بما يعادل واحد تريليون دولار يوميا ( مليون مليون ) وذلك في منتصف عام 1992م ، ارتفعت إلى 1.23 تريليون دولار عام 1995م . أما أحدث تقرير متاح فيضع حجم التعامل اليومي بما يعادل 3.6 تريليون دولار يوميا . فالمبلغ ليس ضخما فحسب ، وإنما صار ثلاثة أضعاف حجمه في عقد ونيف .
ويتركز التعامل في ثلاثة أسواق رئيسية هي لندن ونيويورك وطوكيو . وأكبر هذه الأسواق على الإطلاق ، هو سوق لندن الذي بلغ حجم التداول العالمي فيه عام 2007م حوالي 33% من حجم السوق العالمي وتأتي نيويورك خلف لندن بنسبة 17% ثم طوكيو بنسبة 8% وألمانيا 5% كذلك نلاحظ أهمية سوقي هونج كونج وسنغافورة ( 6% لكل منهما ) اللذين فاقا أسواق أوروبا القارية في الأهمية .
يوضح ذلك الأهمية المتزايدة لأسواق شرق آسيا خاصة سوق الصين العظيم ، الذي يمر عبر هونج كونج . كذلك لا يعني صغر حجم التداول النسبي في أسواق أوروبا القارية قلة أهمية المارك الألماني أو الفرنك ( سويسري أو فرنسي ) ، لأن جزءا معتبرا من المعاملات في كل الأسواق الرئيسية يختص بهذه العملات ، بالإضافة إلى العملات الأخرى .
في أبريل 2007 مثلا كانت المعاملات المتعلقة بالدولار تمثل 86% من التبادل اليومي ، بينما تمثل معاملات اليورو 37% ثم ألين ( 17% والإسترليني 15% والفرنك السويسري 7% ) أما في نيويورك فتتعلق المعاملات بالدولار مقابل عملات أخرى ، والربع المتبقي لا يختص بالدولار وإنما بمعاملات بين العملات الأخرى.
وفي السوق الياباني تأتي المبادلات المتعلقة بالين والعملات الأخرى الثانية في الحجم بعد المبادلات بين المارك والدولار ، ويبقى الدولار الأمريكي الأكثر نشاطا ضمن العملات الرئيسية .
النمو السريع في هذه الأسواق هو السمة المميزة لها . ففي الفترة الأولى (89-1992م) نما حجم التداول بما يقارب 40% ثم بمعدل 26% في الفترة (1998-1999م) علما بأن الزيادة المطلقة أكبر في الفترة الأخيرة (1998-2007م) لأنها تعطي فترة أطول . كذلك يلاحظ أن نسبة المعاملات الفورية ضخمة ،÷ لكنها قلت في السنوات الأخيرة ، وزادت المعاملات المستقبلية التي تتم لحماية الصفقات التجارية من تقلبات سعر العملة . وعموما هذا الحجم الكبير والنامي يؤكد ما ذهبنا إليه مسبقا من ازدياد حركة العولمة . وحتى بداية التسعينات كان جزء كبير من التداول يتم بواسطة الهاتف ، لكن حاليا 60% من المعاملات تتم الكترونيا ، ويتوقع أن ترتفع النسبة إلى 80% عام 2010م .
بالإضافة إلى السوق المستقبلي ، يزيد دور الخيارات والتوسع فيها للحماية من التقلبات . والخيارات ، تعني ببساطة حق شراء وبيع عملة يمكن استغلاله أو تركه ، وتقوم نظرية الخيارات على افتراض أن تحركات أسعار العملات متدرجة بدرجة معقولة ، لكن إذا كانت التحركات متقطعة سيصعب على التجار تحديد سعر يعكس المخاطر ، وقد أدت تلك التقويمات إلى تقسيم السوق إلى قسمين ، عملات ذات سيولة عالمية بمعنى أن الطلبات الكبيرة منها في السوق الآني والمستقبلي يمكن تنفيذها بسرعة ويسر بواسطة كبار البنوك المشاركة ولذا فهي تتداول بهوامش قليلة . أما العملات غير السائلة فتطلب البنوك المشاركة ولذا فهي تتداول بهوامش قليلة . أما العملات غير السائلة فتطلب البنوك والمؤسسات هوامش أكبر لتنفيذها .
في عام 1979م استقدمت المجموعة الأوروبية ، نظام النقد الأوروبي بهدف تقليل الاعتماد على الدولار كمرجع لمعادلة العملات ولربط العملات الأوروبية ببعضها ، وخلقت وحدة النقد الأوروبية أو الأيكو كمحور لها ، لكن طغى عليها المارك الألماني بسرعة . ثم استقدمت المجموعة نظام آلية معدلات الصرف كجزء من نظام النقد الأوروبي ، ويفترض في هذا النظام أن يحافظ الأعضاء فيه على أسعار عملاتهم فيما بينها داخل حدود معينة ، وأن تتبع كل دولة السياسات الملائمة لذلك . وينبع الإشكال من التعارض الذي يمكن أن ينشأ بين هدف المحافظة على سعر العملة مقابل الأخريات ، وهدف السياسة الاقتصادية الداخلية ، فبينما يتطلب هدف تنشيط الاقتصاد المحلي مثلا سياسة نقدية متساهلة ، قد يتطلب الحفاظ على سعر العملة سياسة نقدية صارمة . الأول يتطلب تخفيض أسعار الفوائد ، بينما يتطلب الثاني العكس .
هذا التعارض وهدف البقاء داخل نظام عالمي أو إقليمي ، يقلل من أهمية السياسة النقدية الداخلية ودورها كأداة لتنشيط الاقتصاد الشيء الذي بدأ يحدث فعلا في اليابان التي انخفضت فيها الفوائد إلى درجة يصعب معها تخفيضها بأكثر من ذلك في السنوات الأخيرة . ومع ذلك لم يتحسن أداء الاقتصاد كما ينبغي . ويمكن قول الشيء نفسه عن الولايات المتحدة . ولربما عني ذلك أن مفعول السياسة النقدية صار يقتضي فترة أطول قبل أن يحقق هدفه .
مع بداية 1999م ، ظهرت إلى الوجود عملة اليورو ، والتي هي عملة الاتحاد الأوروبي ، تبنتها نصف دوله حتى اليوم والبقية في طريقها لذلك . ويصدر العملة بنك أوروبي مركزي يعمل باستقلالية . هذا نظام جديد جب ما قبله ، وسلفا أصبح له أثر كبير على الاقتصاد العالمي وعلى الاقتصاديات الأوروبية . وبالنسبة للأخيرة يؤدي توحيد العملة إلى ازدياد المنافسة وتوحيد الأسعار ، كما يضع ضغوطا من أجل تماثل قوانين الضرائب ، وكذلك قوانين العمل داخل الدول . وبدلا من تنسيق السياسات ، ستكون هناك سياسة نقدية واحدة . وسيؤثر اليورو على استراتيجيات الشركات ويدفعها إلى ترشيد و " هندرة " عملياتها . وستصبح أوروبا اقتصادا واحدا وندا للولايات المتحدة .
هذا فيما يختص بالأسواق الرئيسية ، ومن الطبيعي أن هناك أسواق عملات في كل قطر ، لكن حجم التداول اليومي لا يصل إلى هذه المستويات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق