عند الحديث عن الاستراتيجية الجغرافية ناقشنا عوامل المناخ الاستثماري ودورها في اختيار موقع وسوق الاستثمار وكيفية اختيار بلد ما . وكذلك تعرضنا لكيفية اختيار مشروع معين والمفاضلة بين المشاريع ( بمقارنة معدل العائد الداخلي وربما فترة الاسترداد ) وهي القيام بدراسة جدوى واستخدام المؤشرات المالية في الاختيار بين المشاريع . بالإضافة إلى ذلك نود هنا أن نذكر اعتبارات مالية أخرى أهمها جانب التمويل وإلى أي درجة سنعتمد على الاستدانة وإلى أي درجة نعتمد على رأس المال أو حقوق الملكية وذلك ما يسمى درجة الرفع المالي والتي ندرك الاعتبارات المهمة عادة في تحديد نسبة الرفع المالية الملائمة كون ارتفاع حجم الدين يفقد الإدارة قدرا من التحكم كما أن له تكلفة بينما يقلل الدين من مخاطر فقدان رأس المال وذلك بتخفيض نسبة الملكية . بالإضافة إلى تلك الاعتبارات يجب أولا الفصل بين درجة الرفع المالي للشركة الأم ودرجة الرفع المالي للشركة أو الشركات المنتسبة في الخارج . فليس من الضروري أن يتشابها حيث لكل قطر أوضاعه .
بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المختلفة ووجود كل منهما في سوق رأسمالي مختلف من حيث توفر التمويل هناك أيضا الممارسات السائدة واختلاف النظرة نحو الدين في كل بلد . في اليابان وألمانيا مثلا تستخدم الشركالت درجات عالية من الرفع المالي ولا ينظر إلى الشركة وكأنها في خطر إذا اعتمدت على الدين بنسبة 80% لتمويل أصولها كما سيكون عليه الحال لو قامت شركة أمريكية في الولايات المتحدة بذلك .
مقارنة لدرجة الرفع المالي في أربع دول رئيسية ويظهر فيه أن الشركات اليابانية هي الأكثر اعتمادا على التمويل بالاقتراض بينما الأمريكية الأقل وبريطانيا هي الأقرب لها بينما ألمانيا شبيهة باليابان . ولذلك صلة بالأنظمة المصرفية في كل بلد .
حقيقة الأمر يجب أخذ الممارسات والنظرة إلى الأمور في كل بلد عند تحليل وتفسير النسب المالية . الرفع المالي العالي في اليابان لا يهدد الشركة اليابانية لأن الشركات اليابانية في العادة ترتبط كل شركة منها بشركات في مجالات مختلفة حيث تكون للشركة الصناعية ارتباطات بمجموعة شركات أخرى واحدة أو اثنتين في مجال التمويل والبنوك وأخرى في تجارة التجزئة وتسمى هذه المجموعات " كيرستو " وهي متشابكة وتتداخل فيها الملكية وتتعاون الشركات فيها مع بعضها . ارتفاع ديون الشركة الحاد إذن لا يعني بالضرورة أن الدائنين سيتدخلون لحماية حقوقهم في مثل هذا الوضع لأنهم قد يكونون أعضاء في المجموعة . كذلك السيولة مرتبطة بأسعار الفائدة المنخفضة في اليابان وسهولة الحصول على تسهيلات ولذا السيولة ليست مشكلة كبيرة هناك . وفيما يتعلق بالربحية فلنتذكر أن اليابانيين يهتمون بالأرباح في المدى الطويل وذلك على العكس من المديرين الأمريكيين الذين تطغى على أفكارهم البورصة وسعر أسهم الشركة وشراء الشركات الأخرى وهي أشياء مرتبطة بالربح في المدى القصير . معنى هذا أن استثمارا في اليابان لا يجب أن يقارن مع استثمار في دولة أخرى دون هذه الاعتبارات.
هناك اعتبارات مالية أخرى مهمة تؤخذ في الحسبان في القرار الاستثماري مثل الضرائب وتحوبل الأرباح . وقد ناقشنا الضرائب وأثرها في الجزء الفائت وتعرضنا كذلك إلى أهمية موضوع التحويل . والسؤال الآن : هو كيفية إدخال بعض هذه الأشياء عند المفاضلة بين البلدان والمشاريع ؟ أحسن وسيلة لذلك هي وضع سيناريوهات متعددة في كل واحد منها افتراضات مختلفة عن المخاطر السياسية والمالية ومن ثم حساب التدفق النقدي تحت كل سيناريو وكذلك حساب القيمة الحاضرة ومعدل العائد الداخلي ويمكن كما أوضحنا اللجوء إلى نظرية القرار وحساب القيمة وكذلك استعمال الفطنة في حسم الأمر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق