تتفاوت الاستراتيجيات التي يمكن بها للمنشأة أن تستغل السوق ، وذلك التفاوت مصدره حجم الاستثمارات التي تخصصها لذلك السوق ، ومدى تحكمها في العمليات فيه وقربها ومباشرتها للعمليات بنفسها ، أو خلال آخرين ، ونستطيع هنا أن نتعرف على عدة خيارات على المنشأة أن تختار ما يناسب كل قطر أو منطقة لها فيها أعمال .
التصدير للسوق الخارجي :
يمثل هذا أقل قدر من الاستثمارات التي تقوم بها الشركة للاستغلال السوق ، حيث لا تكون لديها عادة في ذلك البلد أي إنشاءات في المصانع والأساطيل ، كما تقل الإدارات ، أو على الأقل لديها أقل قدر ممكن . كل ما تعمله الشركة هنا هو شحن البضاعة بالمواصفات المطلوبة لوكيل أو مستورد في البلد الخارجي ، وينتهي بالتزامها بوصول الشحنة المتفق عليها في المكان المتفق عليه . والمنشأة غير ملزمة بتكرار العملية وخروجها من ذلك السوق أقل تكلفة نسبيا . من وجهة نظر المنشأة هذا عادة أحسن خيار لأنه قليل المخاطر لقلة الاستثمار ، وكلما صارت العمليات جيدا تظل الشركة راضية عن تلك الترتيبات . يتم هذا في بداية عهد المنشأة بالأعمال الخارجية أو بالسوق المعني ، ومع مرور الزمن وتغيير السياسة المحلية أو تغيير اقتصاديات الموقع أو ازدياد التنافس ، قد تجد المنشأة أن عليها أن تعدل استراتيجيتها لدرء أي تهديد لسوقها في البلد المستورد ، وربما نتبنى استراتيجية من الاستراتيجيات أدناها .
استغلال السوق بدون تملك حصة ( علاقات تعاقدية ) :
الترخيص لمنتج محلي :
هذه الاستراتيجية قد تسبق أو تعقد استراتيجية التصدير ، والمهم أيضا أنها تمثل التزاما واستثمارا أقل من جانب الشركة في البلد الخارجي . هنا تسمح الشركة الأجنبية لمنتج محلي بإنتاج سلعة طورتها الشركة الأجنبية وتمده بمواصفات السلعة وتقنية إنتاجها ، وربما تهيئ له فنيين لتدريب العمال أو الإشراف على العمليات . وتتلقى الشركة مطورة السلعة الأجنبية إتاوة أو مبلغا سنويا أو نسبة من الأرباح .
الترخيص يمكن الشركة صاحبة المنتج الأصلي من الاستفادة مما طورته بدون استثمار إضافي ، وبذلك تستطيع أن تجني عائدا ، وتستغل سوقا ليست لديها المواد أو الخبرة لاستغلاله بطريقة أكبر . بذلك تتمكن الشركة الأصلية من التوسع في أعمالها بدون بذل مال إضافي . ويستفيد الجانب الآخر ( المرخص له ) باستغلال تقنية لا يستطيع أن يطورها بنفسه ، والجانبان محكومان بالعقد . لذا على الجانبين قبل الدخول في مثل هذه العلاقة ، التأكد من أنها تناسبهم حاليا ومستقبليا . فكم من شركة طورت سلعة أو تقنية وقدمتها كترخيص رخيص ، وفي المستقبل أرادت دخول ذلك السوق بنفسها فمنعها الترخيص .
كما أن للترخيص مخاطر أخرى ، حيث قد يفقد المرخص تحكمه في التقنية التي طورها ، وربما أساء المرخص له استعمالها أو قد يقلدها آخرون إذا لم تكن هناك حماية كافية للملكة الفكرية ، وبذا يفقد المرخص ميزته التنافسية وتنتهك أسراره التجارية .
(ب) عقود الامتياز :
بينما الترخيص مجاله الصناعة فمجال عقود الامتياز هو الخدمات . وعقد الامتياز هو اتفاق تعاقدي بدأ في أسواق الدول المتقدمة وبدأ ينتشر منها في أسواق الدول الأخرى متقدمة ونامية . وهنا يدفع المرخص له مبلغا مقدما ، ويلتزم باستثمار مبالغ معينة في ترويج وتوزيع سلعة أو خدمة محددة تحمل اسم وعلامة أو نظام الشركة الأصلية . وهو أيضا أسلوب تستغل به الشركة المطورة ما طورته بدون اتفاق إضافي ، وبدون المغامرة بأموالها هي . فصاحب الامتياز رجل أعمال مستقل ، يخاطر بأمواله ،م لكن المطور الأصلي يظل مالكا للاسم أو السلع ، وهو بذلك يتحكم في الأول . نما هذا الأسلوب ليشمل الوجبات السريعة والفنادق والسيارات . الخ . وحاليا لشركة مظركير البريطانية مثلا 116 محلا تملك حق امتيازها وتديرها مجموعة الشايع الكويتية ( القبس 5/7/2008 ) بيمنا لا يكاد يخلو قطر من فنادق شيرتون .
أهم مشكلة في إدارة الامتياز هي التحقق في الجودة ، لأنه إذا تدهورت الخدمات المقدمة فسيلحق ذلك ضررا باسم الشركة الأصلية ويكلفها الكثير ، وعلى ذلك يجب أن تكون الرقابة لصيقة من تكلفة خاصة مع البعد والانتشار .
(ج) عقود الإدارة :
تباع هنا الخدمات الفنية والإدارية ، حيث تقوم شركة باستئجار خدمة شركة أجنبية متخصصة في الإدرة ، أو في تشغيل منشآت صناعية ، أو تدريب الآخرين . وعادة تكون الشركة المديرة هي شركة طورت هذه الخدمة أو السلعة ، وتنتجها بنفسها في بلدها أو حتى في بلدان أخرى ، وتديرها لمصلحة آخرين في بلاد ثالثة . من الجانب الآخر ، قد تكون الشركة الأجنبية شركة متخصصة في الإدارة ، كإدارة المستشفيات ، مثلما نجد في بعض دول الخليج .
حقيقة هناك اتجاه نحو تقديم خدمات الإدارة والتدريب والصيانة بواسطة شركات كان ينظر إليها تقليديا كشركات صناعية ، بدأت الآن تقوم بصيانة منتجاتها لدى الشركات الأخرى ، أو حتى تقدم خدمات إدارية .أكبر مثال هنا هو شركة جي إي الأمريكية التي أصبحت الخدمات داخليا وخارجيا تمثل حصة مهمة في مبيعاتها .
كذلك قد تقدم بعض الشركات امتيازا لشركة محليا ، ثم ترتبط معها بعقد إدارة منفصلة .
ومن المتوقع في المستقبل ، أن يزيد دور هذه الترتيبات ( عقود الإدارة ) ، حيث تقوم كثير من الدولة بتخصيص خدماتها الطبية والاجتماعية جزئيا ، وترك إدارتها في يد القطاع الخاص . كذلك تسعى بعض الدول النامية لتطوير اقتصادها بدون اللجوء إلى الاستثمار الأجنبي ، ليتعلم أبناؤها الإدارة بالعمل مع الشركة المديرة .
(د) مشاريع تسليم المفتاح :
هنا تقوم شركة أجنبية بإنشاء تشييد مرفق ما أو مشروع معين من الألف إلى الياء . والشركة عادة هي تعمل في مجال الإنشاءات والتشييد ، وقد تشيد مطار أو طريقا أو جسرا أو محطة كهرباء . الخ . وميزة هذا النوع هو أن الشركة لا تستثمر أموالها فالمخاطرة إذن قليلة والتزامها لا يتعدى فترة إكمال المشروع وتشغيله . غير أن التحدي هنا هو كيف تصمم مشروعا مختلفا كل مرة ليناسب عميلا مختلفا وكيف تتحصل على الأعمال . وعلى منهاج مماثل تقوم الشركات الأجنبية بترتيب تمويل المشروع ، وربما المساهمة فيه وبعد تشغيله تعرض حصتها للبيع . وأحيانا تبقى الشركة لإدارة المشروع باتفاق مع الدولة صاحبته .
هناك أساليب أخرى لاستغلال الأسواق كالمقايضة التي تتلقى فيها الشركة سلعا من البلد المضيف مقابل خدماتها أو منتجاتها أو ما شيدته إذا كانت الدولة المضيفة تعاني من شبكات توزيع الشركات الأجنبية .
في جميع هذه الأساليب المذكورة في هذا الجزء هناك شيء مشترك هو أن الشركة الأجنبية تجد طريقة للاستفادة من الفرص في الأسواق الخارجية مع التحكم في تلك العمليات ، لكن بدون أن تدفع من مواردها المالية .
غزو الأسواق بمساهمة :
في هذه الحالة ، تدخل الشركة الأجنبية كمستثمرة وصاحبة حصة في رأسمالها الشركة أو المشروع . وهي بذلك تخاطر بمالها ، وقد تجد الشركة نفسها مضطرة إلى ذلك .
والخيارات أمام الشركة الأجنبية في هذه الحالة هي ك
المشاركة ( المشاريع المشتركة ) :
تتخذ الشركة في هذه الحالة شريكا قد يكون شريكا محليا أو أجنبيا ، وبهذه الطريقة ، تقلل الشركة من مخاطر فقدان مساهمة كبيرة إذا دخلت لوحدها أو كانت المالك الوحيد .
للمشاريع المشتركة مزايا أخرى بالإضافة إلى تقليل المخاطر ، حيث تستفيد الشركة من معرفة الشريك الآخر للسوق المحلي أو من علاقاته في بلده ، مما يحسن صورة الشركة ، كما قد تتهيأ للشركة بهذه الطريقة مزايا تقنوية أو إدارية موجودة لدى الشريك . من الجانب الآخر لهذا النوع من الاستراتيجية مساوئه ، إذ يفقد شيئا من التحكم من حيث يطلع الشريك على أسراره التجارية أو قد تتعرض تقنيته أو ممتلكاته الفكرية للتسريب ، وقد حدث ذلك لشركات أمريكية تمتلك تقنية عالية قي الصين . بسبب هذه المخاطر ، نجد أن بعض الشركات متعددة الجنسية ترفض من حيث المبدأ الدخول في شراكات ، حتى لو اضطرت إلى هجر سوق البلد كلية لأنها لا تريد أن تخاطر بفقدان تحكمها في مواردها . ومع ذلك تفضل البلدان المضيفة الشركة ، بل إن بعضها يصر عليها بطرق مختلفة كما تفعل الصين وبعض الدول الآسيوية . لكنها ستبقى أسلوبا له ما يبرره في كثير من الحالات غير أن من المهم هو التأكد من الشريك المناسب الذي يكون مكملا للشركة .
(ب) الملكية الكاملة :
كبديل للشراكة أو من حيث المبدأ ، تجد بعض الشركات أنه من الأفيد لها في حالة بعض البلدان أن تمتلك المشروع الأجنبي امتلاكا كاملا حتى تستطيع استغلال وتنمية السوق المحلي تنمية كاملة ، إما لأنها ترى أن بإمكانها أن تكمل المشوار لوحدها أو لأنها لا تستطيع تحمل مساوئ المشاركة المذكورة سابقا إذ قد تخشى تسرب أسرارها التجارية أو قد تختلف استراتيجيتها في ذلك السوق مع استراتيجية الشريك ، فقد تكون الشركة تسعى إلى تعظيم المبيعات والتضحية بالأرباح في المدى القصير ، بينما يكون الشريك متعجلا للربح أو قد لا تجد الشركة الشريك المناسب . من الجانب الآخر الملكية الكاملة لها مخاطرها ويبقى على الشركة أن توازن بين الاثنين . بعض الشركات مثل آي بي أم وكوكاكولا لا يدخلون في شراكة كمسألة مبدأ استراتيجي .
التحالفات الاستراتيجية :
التحالف الاستراتيجي هو اتفاق بين شركتين متعددتي الجنسية أو أكثر ، لخدمة السوق الدولي . وعلى خلاف الشراكة دائما ما تكون الشركات من نفس الصناعة . قد تتعاون الشركتان في مشروع ما في بلد ثالث لتطوير تقنية معينة ، أو كأن تقوم الشركات برعاية مصالح بعضها البعض في البلد الذي لا يوجد فيه كلاهما ، أو تتفقان على أن تحمل كل واحدة سلع أخرى في أسواقها . حاليا نجد هذا في مجال صناعة السيارات خاصة بين الشركات اليابانية والشركات الأمريكية مثل شركة مازدا مع فورد وشركة جنرال موترز مع تويوتا في أمريكا . وقد يأخذ التحالف شكل تبادل امتلاك الأسهم ، كأن تملك فورد حصة في مازدا ، وبذلك تروج مازدا لسيارات فورد في اليابان والعكس . كذلك قد نجد شركات في مجال الكمبيوتر تتبادلان المكونات كأن تكون واحدة متقدمة في عمل الرقائق والأخرى متقدمة في المعالجات الصغيرة .
شراء شركة جاهزة أم البدء من الصفر :
هذا أيضا خيار استراتيجي أمام الشركات ، وهي تفكر في الاستثمار في بلد آخر .
قادت أزمة ديون العالم الثالث إلى أن تقبل بعض البنوك الأجنبية أسهما في شركات مدينة ، أو تأخذ شركات مدينة بكاملها ثم تعرضها على شركات أخرى تنوي دخول ذلك البلد . كما أدت أزمة آسيا المالية إلى أن تبيع كثير من الشركات المدينة بعضا من أصولها كشركات صغيرة أو متوسطة لمستثمرين من شركات متعددة الجنسية . وحتى بدون هذه الأوضاع قد تجد شركة أجنبية أن من الخير لها أن تدخل السوق الأجنبي من خلال شراء شركة عاملة .
بدون شك شراء شركة قائمة له مميزاته كشراء بيت جاهز بدلا من تشييده ، فلن يضيع وقت في الحصول على التراخيص أو تشييد المباني واستيراد الآليات وتجنيد العاملين ، كما قد يستفيد المشتري من اسم الشركة وعلاقاتها الحالية . لكن من الجانب الآخر ، شراء شركة جاهزة يعني تبني ديونها والالتزام نحو العاملين فيها وتصبح مشاكلها مشاكل المستثمر الجديد . كذلك شراء شركة جاهزة لا يعني أن المستثمر الجديد لن ينفق شيئا إضافيا ، بل قد يجد نفسه ينفق مبالغ أضعاف ثمن الشراء في الترميمات والتجديدات وإعادة تدريب العاملين وإعادة توجهات الشركة كلية .
في النهاية ، أي استراتيجية تختار الشركة تعتمد كما أوضحنا منذ البداية على العوامل البيئية السياسية والاقتصادية وعلى موارد الشركة . على الشركة أن تقارن اقتصاديات كل بديل من حيث التكلفة والمنافع وتحدد أي استراتيجية أحسن لها ، وأي استراتيجية تناسب قدراتها وتوجهاتها . هل من المستحسن استغلال السوق بالتصدير له أم بالإنتاج فيه ؟ هل لدى الشركة موارد كافية للاستثمار في السوق أم هل من الخير لها أن تتعاقد مع منتج محلي ترخص له اسمها وتقنيتها . هل الشراء من الخارج أحسن أم الإنتاج بنفسك .
تطبيق الاستراتيجية :
يقتضي تطبيق الاستراتيجية تقسيمها إلى أجزاء تقوم بها جماعات معينة وحتى داخل هذه الجماعات هنالك تقسيم إضافي . وإذا كانت الشركة أساسا محلية لها أعمال خارجية ، فهي قد تخطط لكل واحد منفردا . وهناك مستويات مختلفة من التخطيط الاستراتيجي يمكن إجمالها فيما يلي :
مستوى رئاسة الشركة .
مستوى الصناعة عالميا أو المستوى الإقليمي .
مستوى الشركة التابعة .
مستوى الوحدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق