إدارة مخاطر التضخم :
ليس هناك قطرا لا يعاني من تضخم في الأسعار الداخلية مهما كانت درجة التضخم بل إن استقرار الأسعار صار يعرف بأنه تضخم طفيف ( أقل من 2% في العام ) . ينخر التضخم في قيمة الأصول المالية في نفس الوقت الذي يقلل فيه من عبء الخصوم وبذلك يشجع الاقتراض إذا لم تكن الفوائد عالية بدرجة تلغي جاذبيته . والأقطار التي تعاني من معدلات تضخم عالية هي في العادة أيضا صاحبة عملة متدهورة لأن تدهور قوة العملة الشرائية في الداخل يقود طبيعيا إلى تدهور قوتها الشرائية في الخارج وبالتالي يتدهور سعر صرف تلك العملة . لذا كثيرا ما تتشابه استراتيجيات محاربة مخاطر التضخم واستراتيجيات محاربة مخاطر التقلب في أسعار العملات والتي ستناقشها بعد حين .
رد الفعل الطبيعي في حالة التضخم يتمثل في إخراج الأموال بسرعة من القطر صاحب معدل التضخم العالي أو استثمارها داخله لكن في أصول عينية لا تتأثر سلبا بالتضخم كعقار وما شابه إذا كان إخراج الأموال صعبا . هناك أيضا اللجوء إلى رفع أسعار المنتجات عند ارتفاع أسعار المدخلات . أما إذا كانت قوانين الأسعار تجعل رفع أسعار المنتجات غير ممكن أو محكوما بحدود غير كافية لا يعد ذلك خيارا متاحا وعلى الشركة أن تبحث عن وسائل أخرى بعمل تعديلات في السلعة كتغيير نوعية مكوناتها أو حجم العبوة أو التغليف أو حتى تغيير الاسم أو الماركة التجارية ومن ثم بيعها بأسعار مختلفة .
محاربة آثار التضخم تقتضي المقدرة على التنبؤ بمعدلاته وذلك جزء من الإدارة والتخطيط في مجالات كثيرة .
عموما التضخم لم يعد أمرا خطيرا كما كان في السابق إذ قلت معدلاته بدرجة كبيرة وصارت من رقم واحد بل أن معدله قارب الواحد في المائة في بعض الدول الغربية مما دفع أحد الكتاب ليجعل " موت التضخم " عنوانا لكتابه 1997 . حقيقة ما يخاف الكثيرون من حدوثه اليوم هبوط الأسعار لا تضخمها لأن هبوط الأسعار يؤدي إلى انخفاض الأرباح وقفل المصانع والعطالة .
مخاطر تقلب أسعار صرف العملات :
انتهى عهد العملات ذات أسعار الصرف الثابتة وأصبحت أسعار كثير من العملات تتغير من يوم ليوم وبينما تسعى السلطات لتطبيق سياسات تجعل عملتها مستقرة يبقى خطر التقلب قائما . ويؤدي احتمال التغير في سعر العملات إلى ثلاثة أنواع من الانكشافات ذكرناها عند الحديث عن البيئة المالية هي : هي الانكشاف المحاسبي انكشاف التبادل والانكشاف الاقتصادي .
الانكشاف المحاسبي هو :
ما يحدث عند ترجمة البيانات المالية ( الحسابات الختامية ) من عملة البلد المضيف إلى عملة المقر أو أي عملة أخرى في الوقت الذي يتكون فيه قيمة هذه العملات أمام بعضها البعض قد تغيرت .
أما انكشاف التبادل هو : التغير في قيمة الحسابات الدائنة أو المدينة والذي فيه يتغير المبلغ المدفوع أو المستلم عندما تحين ساعة السداد بسبب تغير سعر العملة ما بين وقت الالتزام ووقت السداد .
وفي الانكشاف الاقتصادي : تتغير قيمة الشركة ككل عندما يؤثر التغير في سعر العملة على عمليات الشركة المستقبلية كأن يصبح الذي تعتمد عليه الشركة غير مجد لارتفاع أسعار السلعة المصدرة في سوقها بأن يرتفع سعر الدولار مثلا وتجد الشركات الأمريكية المصدرة أنها ميزتها التنافسية إذا كانت تلك الشركات تصدر من داخل الولايات المتحدة . بذلك تقل قيمة الشركة المستقبلية .
انكشاف الترجمة :
عندما يتغير سعر الصرف ما بين عملتين تقود ترجمة البيانات المالية من عملة البلد المضيف مثلا إلى عملة البلد الأم عند تغيير سعر الصرف فيها تقود الترجمة إلى ربح أو خسارة عند قيام الشركة الأم بإعداد بياناتها الختامية الموحدة في نهاية السنة المالية أو حتى قبل ذلك . خسائر وأرباح الترجمة لا تعني نقصانا أو زيادة في التدفق النقدي الفعلي وإنما هي خسارة أو زيادة على الورق لا تتحقق إلى عندما يتم البيع فعلا .
عندما يقوم مستثمر سعودي مثلا بتجميع حساباته في الخارج وتقويمها ( ترجمتها ) بالريال السعودي بدلا من العملات المختلفة ستظهر له هذه الأرباح أو الخسائر على ما حدث لأسعار هذه العملات مقابل الريال منذ أن بدأ الاستثمار أو منذ آخر مرة دققه فيها .
واعتمادا على الطريقة المحاسبية المتبعة يمكن ترحيل الأرباح أو الخسائر الناتجة من الترجمة إما إلى حساب الأرباح والخسائر أو إلى حساب خاص وفي كلتا الحالتين يجب أن نتذكر أنها ليست تدفقا نقديا فعليا .
أما وقع تغير أسعار العملة على التبادل ( انكشاف التبادل ) فهذا يحدث إذا كان للشركة حسابات تحت التحصيل بعملة أجنبية نشأت عن تبادل تجاري أو معاملات في الخارج . أما أثر الانكشاف الاقتصادي فقد يعني فقدان أسواق تقليدية أو زوال ميزة تنافسية وقد يقود ذلك الشركة المصدرة مثلا التي فقدت سوقها بسبب ارتفاع عملتها إلى القيام باستثمار مباشر في البلد الذي أدى الانخفاض في سعر عملته الخارجي إلى ارتفاع أسعار صادرات الشركة بصورة أفقدتها السوق . لهذا السبب تتدخل البنوك المركزية في أسواق الصرف لتمنع سعر عملة بلدها من الارتفاع فوق حد معين حتى لا تتآكل ميزة البلد التنافسية .
إدارة مخاطر أسعار العملات : تتضمن إدارة مخاطر تقلب أسعار العملات أربعة بنود رئيسية هي :
تحديد وقياس حجم الانكشاف .
تصميم وتنفيذ نظام معلومات يرصد ويتابع الانكشاف وأسعار العملات .
وضع استراتيجية للحماية من الانكشاف .
تحديد من المسئول عن تنفيذ الاستراتيجية .
ونبدأ أولا بمناقشة قياس انكشاف الترجمة
هو سهل القياس فهو لا يتضمن أكثر من حساب القيمة من القوائم المالية التي لدينا باستخدام سعر الصرف الجديد . لكن التنبؤ بحجم انكشاف الترجمة صعب . ويمكننا أن نقول نفس الشيء نفسه عن انكشاف التبادل فهو سهل القياس صعب التنبؤ . أما الانكشاف الاقتصادي فهو صعب القياس وصعب التنبؤ لأن القيمة الصافية لأي شركة عاملة تعتمد على التوقعات المستقبلية وشكل مبيعاتها لعشر سنوات قادمة مثلا وعلى التكلفة والأرباح المستقبلية .
أما تصميم نظام يرصد التحركات الحالية والمستقبلية فهو ليس بسهل خاصة فيما يتعلق بالتنبؤ عن ماذا سيحدث لسعر هذه العملة أو تلك في المديين القصير والمتوسط ويتطلب دراسة الأوضاع الاقتصادية في كل قطر والقوة الفاعلة فيه بما يشمل ذلك مستوى النشاط الاقتصادي المتوقع والطلب على الواردات والطلب على الصادرات والأوضاع السياسية وقائمة طويلة من المتغيرات . لكن هناك بيوت خبرة وشركات متخصصة ترصد هذه العوامل وتصدر تنبؤات وتوقعات عما سيحدث لأسعار العملات الرئيسية بالإضافة إلى وجود اقتصاديين وخبراء داخل كثير من الشركات يتابعون ويرصدون . وفيما يختص بتصميم نظام للمعلومات فلا تذكر أنه يشمل الرئاسة والشركات المنتسبة مما يتطلب المشاركة من الخارج مع تحكم الرئاسة ويتطلب قدرات وكفاءات . التخحكم المركزي من الرئاسة ضروري لمينع مديري الشركات المنتسبة من تغليب أهدافهم المحلية على حساب أهداف الشركة الأم .
عموما كلما كان نظام المعلومات موحدة من حيث المعلومات المطلوبة وطالما كان النظام يوضح ما هي الحسابات المكشوفة التي يجب مراقبتها وما هو وضع كل حساب في كل لحظة ( وأنها تراجع دوريا ) وطالما كان يفرق كذلك بين أنواع الانكشاف كلما كان النظام أكثر فائدة والتقارير أبلغ عندما ترفع للمستويات العليا الشيء الذي يجب أن يحدث بانتظام .
استراتيجيات الحماية : بعد تحديد حجم الانكشاف وتصميم نظام المعلومات يرصد تحركات العملات وآثارها على العمليات المختلفة يبقى السؤال حول ما تفعله الشركة ( م . ج ) لحماية نفسها من مخاطر الانكشاف . وهناك العديد من الاستراتيجيات كل بتكاليفها ومنافعها وبعض هذه الاستراتيجيات يطرح نفسه بنفسه . في حالة العملات الضعيفة مثلا يصبح التعجيل بالتحصيل من المدينين شيئا أوليا وكذلك إعادة استثمار النقد في شكل عيني بسرعة والعمل على تأجيل سداد الحسابات الدائنة على قدر الإمكان . كذلك عليك تحديد حجم رأس المال العامل في كل وقت . في حالة المخزون السلعي مثلا إذا كان المخزون مكشوفا خفض حجمه لكن وبما أن سعره يزيد عادة فهو مصدر حماية لك . أما إذا كنت تستورده وتخشى انخفاض سعر عملة الاستيراد فمن المستحسن استيراد أكبر كمية ممكنة منه .
الموازنة بحيث قيمة الأصول المكشوفة مساوية لقيمة الخصوم المكشوفة من استراتيجيات الحماية أيضا بحيث إن الترجمة عندما تتم تخفض قيمة أصولك الخارجية لكنها أيضا تخفض قيمة خصومك المستحقة عليك في الخارج . كما يمثل سوق العملات المستقبلي بديلا آخر للحماية مثلما رأينا في عمليات التبادل حيث يقوم المستورد بحجز كمية أو مبالغ من العملات الأجنبية بالسعر المستقبلي لاستخدامها في عمليات مستقبلية إذا كان يتوقع انخفاض سعر عملته مقارنة بالعملات الخارجية . هناك أيضا سياسات خاصة بالحسابات الدائنة والمدينة فيما بين الشركات التابعة نفسها كالتحصيل قبل المواعيد وتأجيل الدفع عند توقع انخفاض سعر العملة . الخ .
من الناحية العملية تجد كثير من الشركات أن حصة كبيرة من إيراداتها تكون بعملات خارجية : حوالي 50% من دخل شركات مثل ثري ام (3m) وهوني ول وقد وجدت الدراسة حديثة غطت 400 شركة أن حوالي ثلث الشركات يحتاط لتقلبات العملات بشراء عقود آجلة أو خيارات آجلة لمبادلة عملات . شركة كوكاكولا مثلا تتبع تلك السياسة في معظم عملياتها وتكون أنها بذلك خفضت خسائر تقلبات العملات إلى 3% فقط في السنة أما شركة ( كوداك ) فتتبع تلك السياسة انتقائيا أي في بعض عملياتها فقط . وشركة ( آي بي ام ) تقييم المصانع في الخارج لتصبح التكلفة والدخل بعملة واحدة شركة ( ميرك ) للأدوية تشتري خيارات من سنة إلى خمس سنوات . أما شركة ثري ام فلا تحطاط إطلاقا . وترى الشركات التي لا تؤمن أن التقلبات تعمل في الاتجاهين وتتوازن في النهاية بينما التكلفة عادة عالية وتصل إلى 5.% من الإيرادات في السنة للعقد الآجل البسيط وتزيد في حالة الخيارات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق