لقد أثبت دراسات تطوير أو إتقان النموذج البيروقراطي أن تصميم التنظيم على أساس رشيد ومطالبة الفرد أن يتصرف طبقا للمتطلبات الرشيدة غير كاف لتحقيق تصرف رشيد، وأن فاعلية المنظمات لا يمكن تحقيقها من خلال تجميع للخبرات وللمعرفة وتوفير للتصرفات غير الشخصية (غير المبنية على حب أو كراهية)
بل بالعكس فإن تنميط التصرفات يشجع على خلق اتجاهات طقوسية عند المسئولين والموظفين في التنظيم البيروقراطي. إن هذه الاتجاهات الطقوسية والتركيز على استيفاء الشكل بطريقة احتفالية نتيجة طبيعة(لإحلال أهداف) التنظيم البيروقراطي. حيث يصبح من الضروري للمسئولين والعاملين أن يحددوا أهدافا لأنفسهم لتحمى بقاءهم في التنظيم البيروقراطي الذي يتصف بالقواعد العقابية. إن الأهداف التي يضعها المسئولون لأنفسهم داخل التنظيم البيروقراطي تصبح هي- من ناحية عملية- أهداف التنظيم البيروقراطي وهذه الظاهرة هي ما تعرف (بإحلال الأهداف).
إن التنظيم البيروقراطي الذي يعتمد على التخصص الدقيق وتوزيع الأدوار بحيث يكون الأشخاص محايدين ومعتمدين على بعضهم البعض غالبا ما يؤدى إلى خلق نوع من الدفع بعدم الاختصاص والاعتماد الزائد على اللوائح وتفسرانها. إن زيادة الاعتماد على اللوائح التي تتطلب تصرفات نمطية يؤدى إلى جمود الذي يؤدى بالتالي إلى كسل وزيادة في الصراع. إن عدم إتمام الأعمال وزيادة الصراع تخلق بدورها الحاجة إلى عمل لوائح جديدة. ومن هنا تخلق الدائرة المفرغة البيروقراطية على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي الشهير ميشيل كر وزييه.
إن نقطة القوة التي يتميز بها التنظيم البيروقراطي تمثل في الواقع العملي والممارسة أكبر معوق لكي يكون التنظيم البيروقراطي فعالا. خذ مثلا التخصص والتحديد الدقيق للاختصاصات ففي الوقت الذي نجد فيه أن التخصص مفيد لتحقيق السرعة والكفاءة والتحديد الدقيق في الاختصاصات من شأنه تحديد المسئولية وبالتالي المساءلة نجد أن هذه الميزة نفسها تكون أحد نقاط الضعف القوية. فالدفع بعدم الاختصاص ظاهرة واضحة في أي تنظيم بيروقراطي.
وحتى الإجراءات الروتينية المفروض فيها أن تؤدى إلى تنقيذ1 العمل بسهولة ويسر نجدها في الممارسة العملية انقلبت وأصبحت روتينا جامدا سنحيفا حيث يدعم هذا الروتين بالأربعة عوامل السابق شرحها( القواعد الرسمية وتركيز القرارات والفصل بين المستويات الهيراركية).
خذ مثلا القواعد الرسمية والمفروض فيها أن تحقق العدالة والنظرة غير الشخصية تؤدى في الممارسة العملية إلى الالتزام بحرفياتها وتشجع كما ذكرنا على الطقوس الاحتفالية (استيفاء الشكل) واستيفاء الشكل معناه في الممارسة تعطيل الأعمال أو فشل التنظيم وعلى ذلك فالرئاسات العليا تتدخل للإصلاح عن طريق عمل قواعد جديدة أكثر إحكاما من القواعد القديمة وغالبا ما تكون قواعد عقابية. والنتيجة الطبيعية أن يلتف الأفراد في مجموعات للدفاع عن مصالحهم المهددة ويكون دفاعهم بشكل غير واضح وغير معلن مما يؤدى إلا تأخر الأعمال الذي يؤخذ من جانب الرئاسات العليا على انه فشل ويتدخلون بقواعد ردعية وهكذا تعمل الحلقة المفرغة.
حتى الأفكار الجديدة تستوعبها أهداف الأفراد وأهداف المجموعات وتلفظ الأفكار الجديدة باسم المحافظة على مصلحة المنظمة ولكن الواقع هو المحافظة على أهداف الناس التي تعمل في التنظيم وهو ما أشرنا إليه عن ظاهرة إحلال الأهداف.
إن أي محاولة للتصحيح في التنظيم البيروقراطي مصيرها الفشل حيث تعمل( الحلقة المفرغة) بطريقة فعالة.
وفى رأينا أن (التنظيم البيروقراطي) في الواقع العملي والممارسة العملية هو التنظيم غير القادر على تصحيح أخطائه في الوقت المناسب.
فى الوقت الذي يكون من المفروض فيه أن يتعاون أفراد المنظمة فإنهم يتنافسون وإذا تعاونوا فإنهم يتعاونون على تحقيق مصالحهم المستقرة. والشخصية ليس لها اعتبار. والنتائج ليس لها الاعتبار فالذي له اعتبار هو عدم مخالفة اللوائح وتحدد اللوائح كل شئ فعلاقة الرئيس برئيسه محددة باللوائح ولا يستطيع الرئيس أن يفصل الموظف غير الكفء إلا من خلال الإخلال بالشرف أما سوء العمل فليس مبررا كل فرد إذن محمى من رئيسه وغير مطالب بالابتكار وخاضع كلية للوائح للإقلال من المخاطرة والقرارات تتخذ في أعلى مستوى.
وروح الفريق الطقوسية وقرارات الإصلاح الصادرة من الرئاسة الأعلى مصيرها أن تكون حبرا على ورق لكل الأسباب المتقدمة متفاعلة مع بعضها ولا يمكن تحقيق إصلاح في أي جهاز بيروقراطي إلا من خلال أزمة تهدد كيان الجهاز كله ففي حالات الأزمة تهدد المصالح بشكل قوى ويمكن حينئذ الإصلاح.
ولقد توصل ميشيل كر وزييه (الفرنسي الأصل) في كتابه؛: الظاهرة البيروقراطية إلى أن التنظيم البيروقراطي هو التنظيم ليس فقط غير القادر على تصحيح أخطائه في الوقت المناسب بل أيضا التنظيم الجامد جدا الذي لا يمكن إحداث تغيير فيه إلا بناء على أزمة وهذا هو اقتناعنا للأسباب السابقة وبطبيعة السؤال سيبقى السؤال: ما العمل؟ إن قضية جمود التنظيم البيروقراطية سيتم معالجتها في الفصل القادم عندما نتكلم عن الابتكار ومتطلباته التنظيمية لنعرف الإجابة عن السؤال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق