ظهر موضوع الخصخصة أو التخصيصية في العالم كرد فعل للمنهج الاشتراكي الذي أثبت عدم صلاحيته لعلاج المشاكل الاقتصادية في الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء . ففي خلال الخمسين عام الماضية اضطلعت معظم الحكومات بدور أكبر في السوق الاقتصادية . وكان هناك اهتماما بتخبيط الاقتصاد الكلي وإرادته وبالتالي نمت ميزانيات القطاع العام وزاد عدد الدول التي تحاول تحقيق التنمية إما عن طريق إدارة مشروعات الأعمال المملوكة ملكية عامة أو عن طريق التدخل بشدة في أنشطة المشروعات الخاصة .
ولقد شهدت فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الحالي اتساعا في نطاق تدخل الدولة في شتى المجالات الاقتصادية مما ينتج عنه تغيرا جذريا في بيئة الاقتصاد الكلي في معظم دول العالم . وتشير أرقام صندوق النقد الدولي إلى أنه في المدة من 1960 إلى 1975 ارتفعت المصروفات العامة لأغلب الدول بمعدل 3.2% . وفي أوائل السبعينيات كانت هناك 13 دولة تقوم بإنفاق ما يقرب من 30% من إجمالي الناتج القومي في إطار القطاع العام . ففي المكسيك على سبيل المثال كان هناك مشروعا واحدا فقط مملوكا للدولة في بداية الستينيات وبحلول عام 1980 ارتفع هذا الرقم ليبلغ 40 مشروعا على الأقل . أما في البرازيل فقد تزايد عدد المشروعات العامة خلال نفس الفترة من 150 مشروعا إلى حوالي 700 مشروع . ولقد أدى هذا الاتجاه إلى نمو حجم القطاع العام وتزايد سيطرته على النشاط الاقتصادي حيث كان ينظر إليه باعتباره الوسيلة الفعالة التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق التنمية الاقتصادية وتدعيم الاستقلال الاقتصادي للدولة .
ولقد اعتمدت الدول النامية أكثر من الدول المتقدمة على المشروعات المملوكة ملكية عامة لتحل محل شركات القطاع الخاص المفوضة من جانب المجتمع إما لأسباب أيديولوجية أو نتيجة لدورها المحدود في التنمية وذلك على أمل أن تؤدي هذه السياسة إلى تحقيق كافة الأهداف التي كانت تحلم بتحقيقها .وفي أوائل الثمانينيات بلغ متوسط إسهام مشروعات القطاع العام ما يعادل 10% تقريبا من إجمالي الناتج القومي في متوسط في بعض دول أفريقيا و12% في دول أسيا ( باستثناء الهند والصين 90% في دول أوروبا الشرقية ) أما في الدول الصناعية الكبرى فقد سادت هذه المشروعات بما يعادل 17% من إجمالي الناتج المحلي . يمكن القول إذن بأن مشروعات القطاع العام لعبت دورا رئيسيا في اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة على حد سواء حيث تراوح عددها ما بين 100 مشروع عام تقريبا في دول مثل الأرجنتين وبيرو وجاميكا وسيريلنكا وباكستان إلى 400 مشروع تقريبا في كل من ألمانيا الغربية وكندا وتركيا والمكسيك وتنزانيا وفنزويلا .
وعلى عكس الاعتقاد السائد فإن الأيديولوجيات والمبادئ السياسية لم تكن المحرك الرئيسي لنمو المشروعات العامة حيث ظهرت هذه المشروعات في دول ذات اتجاهات سياسية متباينة وإنما كان إنشاء هذا النوع من المشروعات لمواجهة بعض المشاكل أو الاحتياجات الاقتصادية نذكر منها على سبيل المثال :
لجأت بعض الدول إلى إقامة المشروعات المملوكة ملكية عامة في المجالات التي كان يعتقد بأهميتها في التنمية وهي المجالات التي أحجم القطاع الخاص عن الدخول فيها إما لارتفاع درجة المخاطر المرتبطة بها أو لانخفاض العوائد المتوقعة منها أو لأنها تحتاج إلى استثمارات ضخمة يعجز هذا القطاع عن توفيرها في معظم الأحيان .
كان إنشاء المشروع العام في بعض الحالات ناتجا عن رغبة الحكومات في الاستحواذ على عوائد المشروعات الأجنبية الكبرى القائمة داخل أراضيها .
استخدمت المشروعات العامة في بعض الأحيان كأداة لإحكام سيطرة الحكومات على الحياة السياسية والاقتصادية من خلال زادة نفوذ طبقة البيروقراطيين وتقليص دور القطاع الخاص ورجال الأعمال .
كان الغرض من إنشاء الشركات العامة في حالات أخرى نابعا من رغبة الدولة في تقديم بعض الخدمات أو السلع بأسعار زهيدة لتكون في متناول الطبقات منخفضة الدخل وذلك تحقيقا لبعض الأهداف الاجتماعية .
يمكن القول إذن بأن تدعيم دور القطاع العام أصبح في الستينيات الأداة الرئيسية المستخدمة لتحقيق التنمية الاقتصادية جنبا إلى جنب مع بعض الأهداف السياسية والاجتماعية .
ولكن بمرور الزمن عجزت العديد من الشركات المملوكة ملكية عامة عن تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أنشئت من أجلها بل أصبحت عبئا على الدولة حيث تبين انخفاض معدلات ربحيتها واختلال هياكلها المالية واعتمادها على الإعانات الحكومية إلى جانب انخفاض مستويات الكفاءة الإنتاجية فيها . فقد أظهرت إحصاءات البنك الدولي أن عظم الشركات العامة تميزت بانخفاض مستوى أداؤها الاقتصادي حيث قدرت خسائرها في الفترة ما بين 1989 و 1991 بما يعادل 9% من إجمالي الناتج المحلي في الأرجنتين و8% في يوغسلافيا . أما في تركيا فقد كان معدل العائد على الاستثمار في المشروعات العامة 12% مقابل 20% للقطاع الخاص وإنتاجية العمالة أقل بمقدار 38% عنها في المشروعات المملوكة ملكية خاصة .
ولقد ساعد المناخ العام الذي ساد في منتصف السبعينيات على زيادة حدة المشاكل الناتجة عن تدني مستويات أداء الشركات المملوكة ملكية عامة . فقد سادت في هذه الفترة موجة من الكساد العالم صاحبها ارتفاع في أعباء خدمة الديون الخارجية وزيادة في عجز ميزانيات معظم الدول وبصفة خاصة الدول النامية التي تعرضت للعديد من المشاكل والاضطرابات المالية كنتيجة لقيام القطاع العام باستهلاك نسبة كبيرة من موازنات هذه الدول في شكل إعانات لسد العجز وضمانات مقابل القروض التي حصل عليها بالإضافة إلى تدفق مستمر من الاستثمارات الرأسمالية التي لا يقابلها أي عوائد مما مثل نزيفا مستمرا للموارد المحدودة لهذه الدولة . وكان من نتيجة ذلك أن امتصت تلك الشركات من الموازنات العامة للدول النامية نسبة كبيرة تقدر بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي في المكسيك و4% من إجمالي الناتج القومي ف تركيا و9% من الناتج المحلي الإجمالي في بولندا على سبيل المثال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق