تستهدف هذه الدراسة عرض وتحليل المناهج والاتجاهات الفكرية الحديثة في الفكر الاقتصادي المرتبط بالتجارة الدولية وصولا إلى تفسير متكامل لمبدأ التخصص وتقسيم العمل الدولي واستطلاعا لإمكانية إيجاد تفسير لنمط وشورط التجارة الخارجية بين الدول الصناعية المتقدمة ودول العالم الثالث .
وتأتي أهمية هذه المحاولة في ضوء ما هو معروف من قصور النظريات الكلاسيكية في التجارة الدولية عن الوفاء باحتياجات التحليل المتكامل والمنطقي لقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب العالم الثالث خصوصا في الوقت الراهن بعد أن أصبح متفقا عليه بين المفكرين والساسة أن لقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بعدا دوليا يتطلب تكاتف جميع الدول أطراف الاقتصاد العالمي من أجل تحقيق معدلات عالية وسريعة للنمو الاقتصادي لدول الجنوب المتخلف .
وانطلاقا من هذا المفهوم يتضح عجز الفكر الكلاسيكي عن تقديم تفسير مقنع لمواطن الميزة النسبية الفعلية والكامنة للدول النامية .
وينبع هذا العجز من افتراض الفكر الكلاسيكي لتشابه الفنون والمعرفة التكنولوجية كأحد الشروط الأساسية لصحة وقدرة قانون النفقات النسبية على تفسير نمط وشروط التجارة الدولية .
ولقد كان ذلك واضحا لدى كتاب كل من الجيل الأول والجيل الثاني للنظرية الكلاسيكية في التجارة الدولية حيث افترضوا جميعا تشابه دول الإنتاج وتجانسها للسلعة الواحدة بين دول العالم المختلفة وتباينها وعدم تجانسها إذا تطرق الحديث لأكثر من سلعة .
ومؤدى هذا الفرض الكلاسيكي أن التكنولوجيا المستخدمة معروفة وشائعة ومتاحة في الأسواق الدولية ويمكن الحصول عليها دون قيود لمن يرغب في شرائها من هذه الأسواق .
لهذا كان طبيعيا أن تتوصل هذه النظريات إلى أن نمط التجارة الدولية يتحدد على أساس تخصص كل دولة في إنتاج السلع التي تنتجها بنفقة نسبية أقل وتستورد السلع التي تنتجها بنفقة نسبية أعلى وهذا هو منطوق الصياغة الريكاردية لقانون النفقات النسبية .
وغني عن البيان فإن قانون النفقات النسبية طبقاللصياغة الريكاردية ينصرف إلى تباين النفقات النسبية الطبيعية ويتجاهل النفقات النسبية المكتسبة نظرا لاعتماده على فرض تشابه دوال الإنتاج وتجانسها وأغفل بالتالي أحد المصادر الرئيسية لتنوع النفقات النسبية وتباينها وبالتالي لقيام التجارة الخارجية .
وتستهدف هذه الدراسة من خلال اسقاطها لعدد من الفروض الأساسية للنظريات الكلاسيكية في التجارة الدولية اثبات صحة النتائج التالية :-
أن قانون النفقات النسبية يظل هو الأساس السليم لتفسير نمط وشروط التجارة الدولية في ظل إطار من التحليل الاقتصادي العيني القائم على حياد النقود .
أن قانون النفقات النسبية يشتمل على شقين رئيسيين هما :
أ- مبدأ النفقات النسبية الطبيعية :
وهذه هي الصياغة الريكاردية التي اعتمدت عليها النظرية الكلاسيكية والكلاسيكية الحديثة وينطلق هذا المعنى من تفسير أساسي مؤداه أن عامل الوفرة أو الندرة النسبية لعناصر الإنتاج يؤدي إلى تباين النفقات النسبية طبقا لمفهوم نظرية هكشر أولين في نسب عناصر الانتاج وبالتالي قيام التجارة .
ب- مبدأ النفقات النسبية المكتسبة :
وهو المبدأ الذي يعتمد في وجوده على معالجة التكنولوجيا وإدخالها في إطار التحليل الاقتصادي واعتبارها أحد عناصر الإنتاج الهامة بجانب كل من الأرض والعمل الماهر والعمل غير الماهر ورأس المال المادي .
وحتى يتسنى لهذه الدراسة تحقيق الهدف الذي تصبو غليه فإنها تبدأ بتقييم مختصر للمناهج الكلاسيكية في التجارة الدولية وكيف أدى اعتمادها على كثير من الفروض المبسطة وغير الواقعية على تجاهلها للآثار الممكنة للتباين التكنولوجي على قيام التجارة الخارجية بين الدول ونشوء أنماط جديدة للتجارة الخارجية لم تأخذها هذه المذاهب التقليدية في الحسبان ثم نعرض بعدها للمناهج الحديثة البديلة ونتائج الدراسات التطبيقية التي تصدت بالدراسة والتحليل لإيجاد مخرج وتفسير مقبول للغز ليونتيف في أدبيات التجارة الدولية ثم ننتقل بعدها إلى تقديم تحليل مفصل للمناهج التكنولوجية في التجارة الدولية بإعتبارها أكثر هذه المناهج شهرة واتساقا مع الواقع ثم نلقي الضوء على موقع المناهج التكنولوجية من الدراسات التطبيقية ثم علاقة هذه المذاهب بالدول النامية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق