يركز نموذج الفجوة التكنولوجية في تفسيره لنمط التجارة الخارجية بين الدول على إمكانية حيازة إحدى الدول على طرق فنية متقدمة للإنتاج تمكنها من إنتاج سلع جديدة أو منتجات ذات جودة أفضل أو منتجات بنفقات إنتاجية أقل ، مما يؤهل هذه الدول إلى اكتساب مزايا نسبية مستقلة عن غيرها من الدول . فالاختلافات الدولية في المستويات التكنولوجية تحقق اختلافا مناظرا في المزايا النسبية المكتسبة ، وتؤدي بالتالي إلى قيام التجارة الخارجية بين الدول عن طريق :
زيادة الكفاءة النسبية لإحدى الدول في إنتاج السلع التي تنتج في جميع الدول أطراف التبادل الدولي . ويترتب على ذلك اكتساب هذه الدولة لميزة نسبية دون غيرها من الدول . هذه الاختلافات الدولية في المزايا النسبية بين الدول تمكن الدولة ذات التفوق التكنولوجي من تصدير السلع التي تتمتع فيها بميزة نسبية إلى غيرها من الدول التي لم تشهد تغيرا في مستويات التكنولوجيا المستخدمة بها .
د إحدى الدول بمنتجات جديدة ذات مستويات تكنولوجية متقدمة إلى الأسواق الدولية ، في الوقت الذي لا تستطيع الدول الأخرى – على الأقل في البداية – إنتاجها داخليا أو تقليدها لأنها لا تحوز الوسائل التكنولوجية اللازمة لإنتاج هذه السلع ، أو لا تستطيع الحصول عليها من الدول موطن الاختراع .
وكنتيجة لذلك تتمتع الدولة المخترعة بميزة نسبية وطنية ذات طبيعة وقتية مرتبطة بطول الفترة الزمنية التي تحتفظ فيها الدولة المخترعة بتفوقها النسبي في نطاق المعرفة الفنية . فالدول صاحبة الاختراع تمثل في هذه الحالة المصدر الوحيد للسلع كثيفة التكنولوجيا في جميع الأسواق الدولية ، إلى أن تستطيع الدول الأخرى تحقيق نجاح في مجال نقل أو تقليد التكنولوجيات المتكافئة . فمنطوق نموذج الفجوة التكنولوجية يحتوي إذن على أن الدولة صاحبة الاختراع تتمتع باحتكار مؤقت موروث المنبع في إنتاج وتصدير السلعة ذات التقدم التكنولوجي ، ويزول هذا الاحتكار المؤقت بزوال التفوق التكنولوجي لهذه الدولة ، وتتم هذه الحالة الأخيرة عندما تأخذ العملية الإنتاجية شكلها النمطي ، وتتشابه دوال الإنتاج للسلعة محل الدراسة بين الدول ، وتفقد العوامل التكنولوجية – نتيجة لهذا التطور – دورها الهام كعامل مفسر لنمط التجارة الخارجية بين الدول في هذا النوع من المنتجات ، ولقد أطلق الاقتصادي بوزنر وهو مؤسس نموذج الفجوة التكنولوجية ويمكن الاعتماد على تحديد الفجوة التكنولوجية بيانيا باستخدام الرسم البياني ، باستخدام المصطلحات " فجوة الطلب " " وفجوة التقليد " . وفيما يلي نقوم بتعريف المصطلحين .
يقصد بفجوة الطلب تلك الفترة الزمنية بين ظهور إنتاج سلعة دورة المنتج في الدولة موطن الاختراع ( ت 1 ) وبداية استهلاك السلعة في الخارج ( ت 2 ) وفي ضوء هذين الاصطلاحين يعرف بوزنر تجارة الفجوة التكنولوجية على أنها دالة في الفترة الزمنية المحصورة بين فجوة الطلب ( ت 1 – ت 2 ) وفجوة التقليد ( ت 1 – ت 3 ) . وبتعبير متكافئ تعرف تجارة الفجوة التكنولوجية بأنها تلك التجارة التي تحدث خلال الفترة الزمنية التي تبدأ بقيام الدولة المخترعة بتصدير المنتج أو السلعة الجديدة ، وبداية الإنتاج لهذه السلعة في الدول المقلدة . وفي حالة ظهور الإنتاج في الدولة المقلدة للسلعة محل الاهتمام ، تبدأ العوامل التكنولوجية في فقدان الدور الذي لعبته كعامل مفسر لنمط التجارة الخارجية بين الدول في المنتجات الصناعية كثيفة التكنولوجيا ، ويحل محلها عامل الوفرة أو الندرة النسبية لعناصر الإنتاج في كلا الدولتين باعتباره العامل الرئيسي لاختلاف المزايا النسبية الطبيعية وقيام التجارة الخارجية ، وتنطبق القواعد المعمول بها في ظل نظرية هكشر – أولين لنسب عناصر الإنتاج.
غير أن التحليل الذي قدمه بوزنر لتجارة الفجوة التكنولوجية قد شهد تطورا هاما على يد كل من الاقتصاديين هوفباور وفريمان كلا منهما مستقلا عن الآخر . فلقد توصلا من دراستهما التطبيقية لاختبار مدى صحة هذا النموذج ومدى ملاءمته لحقائق العالم الاقتصادي الواقعي إلى نتيجتين هامتين :
تعتبر الاختلافات بين مستويات الأجور الدولية محددا هاما لطول الفترة الزمنية التي تستغرقها الفجوة التكنولوجية ولتحديد اتجاه التجارة الخارجية الناشئة عنها . وفي ضوء هذه النتيجة فإن التطورات التكنولوجية في صورة الاختراعات أو التجديدات قد تنتقل بسرعة من الدول موطن الاختراع أو التجديد إلى دول أخرى في حالة وجود مستويات منخفضة للأجور بهذه الدولة تسح بإنتاج سلعة دورة المنتج بنفقات إنتاجية أقل من نفقات إنتاجها في الدولة الأم . ولقد ساعدت هذه النتيجة – بالإضافة إلى ذلك – في إظهار الدور الهام الذي تقوم به الشركات متعددة الجنسية في تنمية التجارة الخارجية بين الدول ، والاستثمارات التي تقوم بها خارج الدولة الأم . فهذه الشركات تقوم بالعديد من الاستثمارات الأجنبية في الدول ذات مستويات الأجور المنخفضة سعيا إلى تخفيض نفقات إنتاجها ، وبالتالي زيادة قدرتها التنافسية . خاصة إذا كانت الأجور تلعب دورا هاما في تحديد نفقات الإنتاج . ولعل ذلك يلقي ضوءا على الدوافع وراء قيام كثير من الشركات متعددة الجنسية في استثمار جزء من رؤوس أموالها في الدول النامية رغبة في استغلال الأيدي العاملة الرخيصة والمتوافرة في هذه الدول .
دلت نتائج الدراسات التطبيقية التي قام بها هوفباور وفريمان أيضا على مقدرة نموذج الفجوة التكنولوجية على تفسير التجارة الخارجية بين الدول في تلك المجموعات السلعية التي تنتمي إلى سلع دورة المنتج . ولقد كان لهذه النتائج دلالة كبرى على صحة الفرض الذي اعتمدت عليه النظرية التكنولوجية والخاص بعدم تشابه دوال الإنتاج للسلعة الواحدة بين الدول خلال فترة سريان الفجوة التكنولوجية على يد كل من هوفباور وفريمان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق