نود هنا دراسة أثر تغير سعر الصرف كأحد الوسائل التي تنتهجها السلطات المهيمنة على دقة الأمور الاقتصادية كوسيلة لعلاج الخلل المزمن في ميزان المدفوعات . ويطلق على ذلك كيفية معالجة الخلل في ميزان المدفوعات في الأجل الطويل . وفي هذا المقام يفرق الفرد بين نوعين من التغيير في سعر الصرف الأجنبي :
تخفيض قيمة العملة أي ارتفاع سعر الصرف الأجنبي ويحدث ذلك حينما تزداد المدفوعات المستقلة عن المتحصلات المستقلة لميزان المدفوعات أي حينما يزداد الطلب على الصرف الأجنبي عن عرض الصرف الأجنبي من هنا فإن تخفيض قيمة العملة يعتبر من الإجراءات المصاحبة لحدوث العجز في ميزان المدفوعات . ويأخذ تخفيض قيمة لعملة بدوره أحد معنيين : الحصول على وحدات أقل من الصرف الأجنبي في مقابل الحصول على وحدة واحدة من الصرف الوطني أو دفع وحدات أكثر من النقد المحلي لنفس الوحدة .
رفع قيمة العملة أي انخفاض سعر الصرف الأجنبي ويتأتى ذلك في حالة زيادة المتحصلات المستقلة عن المدفوعات المستقلة لميزان المدفوعات أي حينما يزداد عرض الصرف الأجنبي عن الطلب على الصرف الأجنبي . من هنا يعتبر رفع قيمة العملة من الإجراءات الهادمة إلى تخفيض قيمة الفائض في ميزان المدفوعات . ويأخذ قيمة العملة بدوره أحد المعنيين : الحصول على وحدات أعلى من الصرف الأجنبي في مقابل الحصول على وحدة واحدة من النقد الوطني أو دفع وحدات أقل من النقد الوطني للحصول على وحدة واحدة من الصرف الأجنبي .
وكقاعدة عامة يمكن القول أن تخفيض العجز وزيادة أو خلق فائض في ميزان المدفوعات يعتبر تحسنا في ميزان المدفوعات في حين يعتبر زيادة العجز أو انخفاض أو تلاشي الفائض تدهورا في ميزان المدفوعات . ويستهدف تخفيض بل والقضاء ( ارتفاع سعر الصرف ) تحسين حالة ميزان المدفوعات من خلال تخفيض بل والقضاء على العجز في ميزان المدفوعات فإنه يقال أن ميزان المدفوعات قد تجاوب تجاوبا طبيعيا – مع إغراء تخفيض قيمة العملة – إذا حدث انخفاض أو تلاشي العجز فيه أي إذا ترتب على هذا الإغراء زيادة عرض الصرف الأجنبي ( المتحصلات المستقلة ) وانخفاض الطلب على الصرف الأجنبي ( المدفوعات المستقلة ) .
أما رفع قيمة العملة ( انخفاض سعر الصرف ) فإنه يستهدف إحداث تدهور في ميزان المدفوعات من خلال إنقاص أو القضاء على الفائض المتواجد في ميزان المدفوعات . ويقال في هذه الحالة وأن ميزان المدفوعات قد تجاوب تجاوبا طبيعيا مع إجراء رفع قيمة العملة إذا ترتب عليه حدوث تخفيض أو القضاء على حجم الفائض في هذا الميزان . أي إذا ترتب عليه زيادة الطلب على الصرف الأجنبي ( انخفاض المتحصلات المستقلة ) . ويحدث التجاوب الطبيعي في حالة كل من رفع أو خفض قيمة العملة إذا أخذ كل من منحنى قيمة الطلب على الصرف الأجنبي ومنحنى عرضه الشكل الطبيعي . ويتحقق ذلك عندما يميل جدول الطلب إلى التغيير في اتجاه عكسي مع سعر الصرف وجدول العرض إلى التغيير في اتجاه طردي مع سعر الصرف . غير أنه تجب الإشارة إلى أن منحنيات الطلب على الصرف الأجنبي وعرضه تنصبان على كل من الطلب الكلي والعرض الكلي في سوق الصرف الأجنبي ولقد سبقت الإشارة إلى أن هذين المتغيرين يضمان الكثير من المعاملات اقتصادية التي لكل منها على حدة طلب وعرض مستقل . لذلك فإن التحليل الدقيق لمعرفة تجاوب ميزان المدفوعات للتغيرات الحادثة في سعر الصرف يتطلب بدوره تحليلا دقيقا لسوق الصرف الأجنبي لكل من هذه المعاملات الاقتصادية على حدة . غير أنه يمكن الاعتماد على التقسيم الثابت لميزان المدفوعات إلى كل من " الحساب الجاري " حساب التحويلات من جانب واحد وحساب رؤوس الأموال والاكتفاء بدراسة سوق الصرف الأجنبي لهذه التقسيمات الثلاثة من المعاملات الاقتصادية . معنى ذلك أن كل من منحنيي الطلب الكلي على الصرف الأجنبي ومنحنى العرض منه يتم تقسيمه إلى ثلاثة منحنيات مستقلة يعبر الأول عن سوق الصرف الأجنبي للمعاملات الاقتصادية الجارية والثاني عن سوق الصرف الأجنبي للمعاملات الاقتصادية من جانب واحد والثالث عن سوق الصرف الأجنبي لحركات رؤوس الأموال .
وبالرغم من أهمية هذا التقسيم إلا أننا سوف نقتصر في تحليلنا لأثر تغيرات سعر الصرف على بنود ميزان المدفوعات على سوق الصرف الأجنبي للمعاملات الاقتصادية الجارية . بعبارة أخرى فإن هذا التحليل سوف ينصب فقط على معرفة أثر تخفيض أو رفع قيمة العملة على حركة الصادرات والواردات .
ويمكن القول بداءة أن مقدار استجابة الميزان التجاري للتغيرات الحادثة في سعر الصرف تتوقف على متغيرين رئيسيين هما : قيمة الصادرات أو قيمة الواردات . غير أن مقدار التغير في أي من هذين المتغيرين يتوقف بدوره على محصلة التعبير الحادث في عنصرين آخرين هما :
سعر كل من سلع التصدير وسلع الاستيراد .
كمية كل من الصادرات والواردات .
ويستهدف التحليل المتبع في الصفحات القادمة معرفة أثر التغيرات الحادية في سعر الصرف ( رفع أو خفض قيمة العملة ) على كل من قيمة الصادرات والواردات وبالتالي في كيفية التأثير على العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات . وفي هذا الصدد يتم التفرقة عند دراسة آثار تغيرات سعر الصرف على الميزان التجاري بين حالتين هما :
الحالة الأولى : إذا كانت قيم كل من الصادرات والواردات مقومة بالعملة الوطنية :
وفي هذه الحالة فإن التغير في سعر الصرف يمارس تأثيره على كل من مستويات الدخل القومي والتشغيل من خلال التأثير على بنود الميزان التجاري . فإذا كان الدافع من وراء تخفيض قيمة العملة على سبيل المثال هو محاولة رفع مستويات التشغيل والدخل فإن نصيب الميزان التجاري لابد وأن يقاس بالعملة الوطنية لا رصيد هذا الميزان هو الذي يدخل في حسابات الدخل القومي .
الحالة الثانية : إذا كانت قيم كل من الصادرات والواردات مقومة على أساس العملة الأجنبية ففي هذه الحالة يكون الهدف من التحليل هو معرفة تأثير تخفيض قيمة العملة على مركز الدولة من الاحتياطيات الأجنبية من الذهب والعملات الأجنبية . بعبارة أخرى يكون الهدف هو معرفة أثر انخفاض قيمة العملة على حجم العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات تفاديا لمزيد من الخسائر وإيقاف نزيف الموارد الأجنبية للدولة .
ويقتصر التحليل التالي في الحالة الثانية أي معرفة أثر تغيرات سعر الصرف على حجم العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات من خلال تأثيراتها على حركة الصادرات والواردات .
ويقتضي الأمر الإشارة إلى هذه العلاقة التأثيرية التي تمارسها تغيرات سعر الصرف على عناصر الميزان التجاري تتوقف على مرونات العرض والطلب للصادرات في كل دولة أي تتوقف على :
مرونة الطلب الخارجي على الصادرات .
مرونة العرض المحلي للصادرات .
مرونة الطلب المحلية للواردات .
مرونة العرض الأجنبي للواردات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق