يمكن النظر إلى دور ة المنتج على أنها اضطراب أو اختلال ينشأ بين وضعين توازنيين يتخللهما حدوث ظاهرة تخص دولة معينة في إنتاج سلعة معينة ولا يمكن تفسير التجارة الخارجية فيها من خلال الاعتماد على مبدأ اختلاف المزايا النسبية الطبيعية
فإذا حدث اختراع معين ينتج عنه استحداث سلعة جديدة فإن الوضع التوازني الأول للاقتصاد القومي يختل ويأخذ الاقتصاد القومي مسارا جديدا .
أما عن مكان هذا الاختراع فهو الدول الصناعية الأكثر تقدما وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية نظرا لتوافر المقومات الأساسية لهذه الاختراعات ممثلة في توافر الطلب الداخلي أو المعرفة التكنولوجية التي تبرر استحداث المنتج الجديد .
وفي بادىء الأمر تنشأ فجوة تكنولوجية بين الدول الصناعية الأقل تقدما ( مثل الكثير من دول أوروبا الغربية )
وفي خلال الفترة الزمنية التي تقضيها هذه الفجوة التكنولوجية يزداد نضج المنتج الجديد وتصبح الأساليب التكنولوجية المستحدثة أكثر استقرارا ، أما عن نهاية الفجوة التكنولوجية فتبدأ حينما تصبح الأساليب التكنولوجية شائعة ومعروفة الاستخدام ومتاحة في الأسواق الدولية .
وتشكل نهاية الفجوة التكنولوجية وضعا توازنيا جديدا تنتقل في ظله العملية الانتاجية إلى الدول الصناعية لتمتعها بميزة نسبية في إنتاجها
فدورة المنتج للمنتج الجديد أو الصناعة الجديدة طبقا للنظرية التكنولوجية تمر بمراحل ثلاثة رئيسية هي :
مرحلة المنتج الجديد
مرحلة المنتج الناضج
مرحلة المنتج النمطي
وأثناء مرور المنتج في مرحلة الاختراع إلى مرحلة التنميط فإن معدل نمو الطلب على المنتج الجديد يتفاوت صعودا أو هبوطا .
ففي المرحلة الأولى :
يتصف معدل النمو للطلب بالبطء
في مرحلة نضوج المنتج :
يزداد معدل النمو على الطلب
في مرحلة المنتج النمطي :
يعود معدل النمو على الطلب إلى الهبوط
ويصاحب هذه المراحل المختلفة لنمو الطلب تغيرات مناظرة في الأهمية النسبية لعناصر الإنتاج المختلفة :
الأرض
العمل الماهر
العمل غير الماهر
رأس المال المادي
التكنولوجيا
هذه التغيرات تنعكس بدورها على كل من الإنتاج وأنماط التجارة الخارجية .
مرحلة المنتج الجديد :
تحتل أنشطة التطور والبحوث في المرحلة الأولى لدورة المنتج مكانة مرموقة في إظهار المنتج الجديد إلى حيز الوجود .
وهذه الأنشطة تتوقف على توافر عدد من الشروط الأساسية التي تحكم قرارات المشروعات الإنتاجية الخاصة المتعلقة بتوجيه سياستها الاستثمارية في مجالات البحوث والتطور هذه الشروط يمكن إيجازها فيما يلي :
توافر سوق داخلي قادر على استيعاب المنتجات الجديدة وفتح الطريق أمام استخدام الطرق والوسائل الفنية الجديدة للإنتاج بحيث تدر الاستثمارات في مجالات البحوث والتطوير عائدا مجزيا يبرر حجم هذه الاستثمارات .
ضرورة توافر طاقة تكنولوجية تسمح بإيجاد منتجات جديدة أو تحسين جودة المنتجات القائمة . فضلا عن ذلك يجب اقتران هذه الطاقة التكنولوجية بوجود معامل للبحوث التي سيتم داخلها مزج جهد الباحثين المتخصصين بالامكانيات الفنية اللازمة من معدات وآلات لازمة لإجراء هذه التجارب مما يستتبع القيام باستثمارات ضخمة في مجالات تدريب الأيدي العاملة وإنتاج أو شراء الآلات المعملية المتقدمة حتى يمكن توجيه الطرق التكنولوجية التي تم التوصل إليها إلى منتجات جديدة محددة .
توافر القدرة التنافسية للمشروعات الإنتاجية صاحبة حق الاختراع في مواجهة المنافسين سواء تعلق الأمر بالأسواق الداخلية أو الأسواق الخارجية . فإذا ظهر منتج جديد إلى حيز الوجود نتيجة للاستثمارات الكبيرة التي قامت بها المشروعات الإنتاجية في حقل البحوث والتطور فإن الإنتاج ينحصر في البداية في أيدي عدد قليل من المنتجين ( وأيضا من الدول ) الأمر الذي يدفعهم إلى اختيار الأسلوب الأفضل للإنتاج والتسويق .
ولما كانت المرحلة الأولى عادة تمثل مرحلة تجارب فإن المعروض من المنتج الجديد يتم في حدود ضيقة وبكميات قليلة في كل من الأسواق الوطنية والأسواق الدولية لمعرفة حجم الطلب عليها واختبار ذوق المستهلكين نحو المنتجات الجديدة .
أما الشركات الإنتاجية فإنها تجد موطنا لها في الدول الصناعية الأكثر تقدما وهي الولايات المتحدة الأمريكية وحديثا ألمانيا واليابان .
وفي هذا المكان يجيب نموذج دورة المنتج على السؤال الأول الذي عجز نموذج الفجوة التكنولوجية عن الإجابة عليه والمتعلق بالعوامل المؤدية إلى توطين صناعات دورة المنتج في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان دون غيرها من الدول سواء كانت دولا صناعية متقدمة ( باقي دول أوروبا الغربية ) أو دول نامية ( دول العالم الثالث )
وفي هذا الصدد تقدم لنا نظرية ليندر في تشابه الدخل أو التفضيل إجابة جزئية على هذا السؤال .
فلقد رأينا عند استعراضنا لهذه النظرية أن توافر طلب كافي داخلي يعد شرطا ضروريا لإنتاج السلع الصناعية كثيفة التكنولوجيا ( سلع دورة المنتج ) فمنتجي هذه السلع مضطرين إلى توفير المعلومات الكافية عن الفرص المتاحة أمامهم لتصريف منتجاتهم الجديدة وعن المخاطر التي من المحتمل أن يتعرضوا لها سواء تعلق الأمر بالأسواق الداخلية أو الأسواق الخارجية .
فإذا سلمنا مع الاقتصادي ليندر بأن هيكل الطلب الداخلي يرتبط ارتباطا إيجابيا بدخل الفرد في المتوسط فإنه يمكن استنتاج أن الطلب على المنتجات الجديدة ذات الجودة المرتفعة والأسعار العالية نسبيا يجعل من الدول الصناعية المتقدمة ذات المستويات المرتفعة من دخل الفرد المتوسط موطنا لصناعات دورة المنتج
بالإضافة إلى التفسير الذي قدمته لنا نظرية ليندر عن أساليب توطين صناعات دورة المنتج في الدول الصناعية المتقدمة والذي سلمت به أيضا المناهج التكنولوجية في التجارة الدولية فإن هناك عددا آخر من العوامل التي تساهم في الإجابة على السؤال الذي طرحناه من قبل وعجز مذهب الفجوة التكنولوجية عن الإجابة عليه هذه العوامل الإضافية هي :
توافر عنصر رأس المال البشري ممثلا في العلماء والخبراء والمهندسين والفنيين والعمال المتخصصين في الدول الصناعية المتقدمة
ويشكل هذا العنصر حجر الزاوية في صناعات دورة المنتج القائمة على الاختراعات والتجديدات الحديثة .
الوفرة النسبية لعنصر رأس المال المادي في الدول الصناعية المتقدمة
حيث تعد شروطا أساسية لقيام أي دولة بالاستثمار في مجالات البحوث والتطوير بطريقة منظمة ومستمرة .
توافر القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية في الأسواق الداخلية للدول الصناعية المتقدمة
وهذا يشجع المستثمرين على القيام باستثمارات كبيرة في مجالات البحوث والتطوير
فالاستثمارات تفتح الباب أمام المنتجات الجديدة لخلق أسواق جديدة تتميز بضعف مرونة الطلب السعرية وهو أمر يتميز به قطاع السلع الكمالية .
مرحلة المنتج الناضج :
تشهد مرحلة نضوج سلع دورة المنتج العديد
من التطورات التي يمكن وصفها على النحو التالي :
اختفاء كثير من المنتجات من السوق إما لعدم توافقها مع تصورات المستثمرين أو لعدم تمشيها مع أذواق المستهلكين .
استقرار الطرق والوسائل الفنية للإنتاج مما كانت عليه في مرحلة المنتج الجديد
زيادة تطلعات المستهلكين نحو مستويات راقية من الجودة
قلة الطرق الفنية التجريبية مع زيادة درجة نمطية المنتج .
قلة المخاطر المصاحبة لعمليات الإنتاج والتسويق مع زيادة درجة نمطية المنتج .
التخفيف من الاستخدامات المكثفة لطاقات البحوث والمعامل والأيدي العاملة الماهرة مع زيادة استخدام العمل غير الماهر ورأس المال المادي حيث تلعب دورا متزايدا كمحددات هامة لاختلاف المزايا النسبية بين الدول .
زيادة المرونة السعرية للطلب نظرا لوجود منتجات شبيهة قادرة على المنافسة ورخيصة نسبيا مما يشجع المستهلكين على الاقبال عليها في حالة ارتفاع سعر المنتج الناضج .
تلعب ظاهرة الإنتاج الكبير وما ينشأ عنها من مزايا اقتصاديات الحجم دورا هاما في تخفيض نفقات الإنتاج وزيادة الطلب على المنتجات الناضجة .
وبجانب الخصائص السابقة للمرحلة الثانية لدورة المنتج والتي تميزها المرحلة الأولى تبدأ عدد من الظواهر الاقتصادية الهامة في شق طريقها إلى الخروج في مقدمتها :
الاستثمارات الأجنبية
الحركات الدولية لرؤوس الأموال
تزايد الدور الذي تلعبه الشركات متعددة الجنسية في تسويق المنتجات دوليا
فمع نهاية المرحلة الثانية لدورة المنتج تبدأ الشركات الأم في الدول الصناعية المتقدمة في إنشاء فروع لها في الدول المستوردة سواء أكانت صناعية متقدمة في أوروبا الغربية أو دولا نامية من بين دول العالم الثالث نتيجة للعوامل التالية :
إشباع الطلب الناشىء والمتزايد في دول الاستيراد
الاستفادة من نفقات الإنتاج الرخيصة الناشئة بسبب وفرة المواد الأولية أو وفرة العمل الرخيص لإعادة استيراد هذه المنتجات مرة أخرى من جانب الدولة الأم أو زيادة المركز التنافسي له في الأسواق الخارجية .
وتفسر المناهج التكنولوجية في التجارة الدولية ظاهرة الاستثمارات الأجنبية ودور الشركات متعددة الجنسية على النحو التالي
بعد مضي فترة زمنية قصيرة على ظهور المنتج الجديد في الدولة الأم موطن الاختراع ( الولايات المتحدة الأمريكية ) طبقا لنموذج دورة المنتج فإن قدرا متزايدا من الطلب يأخذ في الظهور في الدول الصناعية المتقدمة في أوروبا الغربية .
فإذا تميز المنتج بمرونة طلب داخلية عالية فإن نمو الطلب يكون سريعا في دول أوروبا الغربية مما يشجع الشركات الأم على إنشاء وحدات إنتاجية في هذه الدول رغبة في إشباع الطلب المتزايد على سلع دورة المنتج
والشرط الأساسي لوجود الاستثمارات الأجنبية في هذه المرحلة هو :
النفقة الحدية للإنتاج + نفقات النقل بين بلد التصدير إلى بلد الاستيراد > النفقة المتوسطة المتوقعة في بلد الاستيراد
هذه الفروق في نفقات الإنتاج بين بلد التصدير وبلد الاستيراد يمكن التغلب عليها من خلال مزايا اقتصاديات الحجم والأيدي العاملة الرخيصة في البلد الثاني عنه في البلد الأول .
أما إذا تعذر تغطية الفروق في نفقات الإنتاج بين بلد التصدير وبلد الاستيراد فإن الاستثمارات الجديدة في هذه الحالة تكون بهدف تغذية أسواق ثالثة
أما في دول أوروبا الغربية الأخرى التي لا توجد بها فروع للمشروعات الأمريكية الأم أو الأسواق الثالثة بالدول النامية وخير الأمثلة على هذه الحالة الأخيرة هو ما تقوم به صناعات السيارات الأمريكية مثل شركتي فورد وجنرال موتورز من إقامة وحدات إنتاجية فرعية لها في أوروبا الغربية وبعد سنوات من إقامتها أنشأت هذه الوحدات الفرعية فروعا لها في الدول النامية وذلك للأسباب التالية :
التغلب على ارتفاع نفقات الإنتاج الناشئة عن وجود عقبات جمركية تفرضها الدول النامية على وارداتها من السيارات الأمريكية .
اكتساب أسواق جديدة أو تأمين الأسواق الحالية تحت ضغط المنافسة الحادة في الأسواق العالمية للسيارات وخاصة تلك المنافسة الواردة من اليابان .
الاستفادة من نفقات الإنتاج المنخفضة في الدول النامية والناشئة عن رخص الأيدي العاملة والمواد الأولية المتوفرة بل إنه من المتصور طبقا للمناهج التكنولوجية أن تتحول الدولة الأم صاحبة الاختراع والمصدرة لسلع دورة المنتج والمقيمة للاستثمارت الأجنبية في الخارج من دولة تصدير إلى دولة استيراد إذا كان الانخفاض في نفقات الإنتاج أكبر من نفقات النقل من مواقع الإنتاج الجديدة إلى الدولة الأم وهي الولايات المتحدة الأمريكية .
مرحلة المنتج النمطي :
يرى مفكرو المناهج التكنولوجية في التجارة الدولية أن المرحلة الثالثة لدورة المنتج تشهد عددا من التطورات الهامة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تطابق خصائص سلعة دورة المنتج في مرحلتها النمطية مع خصائص سلع هكشر – أولين خاصة في النواحي التالية :
تماثل دوال الإنتاج بالنسبة للسلعة الواحدة بين دول العالم المختلفة وفي ظل هذه الشروط فإن التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج تصبح شائعة ومعروفة ويمكن الحصول عليها من الأسواق العالمية بلا مشاكل .
اختفاء ظاهرة اقتصاديات الحجم وخضوع الإنتاج لقانون الغلة الثابتة والغلة المتناقصة .
سيادة المنافسة الكاملة في أسواق السلع وخدمات عناصر الإنتاج لذلك يصبح السعر هو الأداة التنافسية الرئيسية .
تشابه ظروف الطلب نظرا لاتخاذ السلعة محل الدراسة لشكلها النهائي في جميع الدول .
يترتب على نمطية السلعة استبعاد إمكانية حدوث ظاهرة تبديل أو انعكاس كافة عناصر الإنتاج المستخدمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق