لقد أصبحت قضايا
ومشاكل البيئة وحمايتها من أهم الموضوعات التي توليها جميع دول العالم اهتماما
متزايدا منذ النصف الثاني من الستينيات حيث حدث خلل في الموازين الدقيقة للبنية
الطبيعية للكرة الأرضية وأصبح التلوث يهدد حاضر الأجيال ومستقبلهم لما له من آثار
سيئة على جميع الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات . وقد انحصر هذا الاهتمام
لزمن طويل حول القضايا البيئية المحلية ، ولكن مع قدرة التلوث على التنقل من مكان
لآخر ومن بلد لآخر تغيرت النظرة فأصبح الاهتمام بالقضايا البيئية على المستوى
الدولي كالاحتباس الحراري وتآكل طبقة الأوزون .. وقد تجسد هذا الاهتمام البيئي
العالمي في صور شتى على المستويين المحلي والدولي في عقد المؤتمرات المختلفة
كمؤتمر البيئة الإنسانية الذي عقد في استكهولم في يونيو 1972 ثم مؤتمر قمة الأرض
في ريودي جانيرو بالبرازيل عام 1992 .
ويمكننا النظر إلى
المفهوم البيئي من منظورين أحدهما ضيق ونجده يدرس العلاقة بين الإنسان والموارد
الطبيعية المتاحة بالمجتمع وكفاءة استغلاله لهذه الموارد . أما المنظور الواسع
للبيئة فيشمل جميع العناصر اللازمة للوجود الإنساني وتلك التي تحدد الشروط
والعلاقات التي تساعد على تحقيق الرفاهية . ويعني ذلك أنه لا يمكن النظر إلى
المشكلة البيئية على أنها فرع علمي خاص معين الحدود ، وإنما لابد من النظر لها على
أنها دراسة شاملة لفروع علمية عديدة حيث تهتم بها كثير من المجالات كالصحة
والهندسة والعلوم والكيمياء ، ومن بين هذه المجالات نجد أن الدراسات الاقتصادية
تركز أيضا على المتغيرات البيئية والتي تؤثر على الإنسان بصورة مباشرة أو غير
مباشرة . وفي هذا المجال كشف E.Haeckel في 1869 أن كلمة اقتصاد وكلمة بيئة مشتقان
من الكلمة الإغريقية Oikos أي أن أصلها اللغوي واحد تقريبا . وهذا يعني
أنه بالنظر إلى المشكلة البيئية نجدها مشكلة اقتصادية في المقام الأول لأن التلوث
يعتبر في جوهره نتيجة مباشرة للنشاط الاقتصادي وما ينشأ عنه من آثار جانبية ، كما
ترتب طرق معالجته آثارا هامة على الأنشطة الاقتصادية .
وتبدو علاقة
المشاكل البيئية بالاقتصاد من خلال مفهوم الآثار الخارجية المتعدية والتي يطلق
عليها تعبير النفقات الخارجية أو التكلفة الاجتماعية . ويمكن تعريف هذه النفقات
الخارجية بأنه " التكاليف الإضافية للموارد التي استنفذت أو تم تدميرها
بواسطة أنشطة المشروع ، ويتم سداد قيمتها عن طريق الآخرين أو المجتمع ككل " .
أو هي " تلك
الخسائر التي يتحملها أفراد أو مجموعات نتيجة لتصرفات بدأها منتجون أو مستهلكون
غيرهم دون الأخذ في الاعتبار دفع تعويض لذلك " .
ومن
هذين التعريفين للتكلفة الاجتماعية يتضح لنا :
* أن النفقات
الخارجية لا تدخل في حسابات الوحدات المسببة لها ؛ حيث أن هذه الحسابات تهمل
بطبيعتها حصر الظواهر غير النقدية رغم أنه قد يترتب عليها أضرار جسيمة تمس أشخاص
أو منشآت أخرى أو حتى البيئة بشكل عام ، فهذه النفقات تظل خارجية لا تدخل ضمن
نفقات الإنتاج ، فلا يوجد إلى جانب بند الأجور أو الريع أو الفائدة أو الربح بند
التعويضات الناتجة عن التلوث البيئي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق