منذ أن ظهرت
المشتقات ف الغرب قبل 150 عاما تقريبا أثارت ولا تزال الكثير من الجدل حول
مشروعيتها ، سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية .
فبحسب القانون فإن العقود
المؤجلة التي لا يراد منها التسليم وإنما التسوية على فروق الأسعار تعد من الرهان
والقمار الذي لا يعترف به القانون العام .
ومن الناحية الاقتصادية فإن هذا التعامل
لا يختلف عن القمار لأنه لا يولد قيمة مضافة بل مجرد مبادلة يربح منها طرف ويخسر
الآخر ، بل قد يكون أسوأ أثرا من القمار ، لأنه يتعلق بسلع وأصول مهمة ومؤثرة في
النشاط الاقتصادي ويتضرر من جراء تقلباتها الكثير من الناس . ولهذا لم يكن غريبا
أن أكثر مجموعات الضغط نشاطا في السابق ضد المشتقات هم المزارعين ، إذا كانوا أكثر
الفئات تضررا من هذه التقلبات .
وقد جرت في الماضي عدة محاولات في الكونجرس
الأمريكي لمنع مستقبليات خاصة على السلع الزراعية وأخفقت كلها عدا المستقبليات على
منتجات البصل والتي لا تزال ممنوعة حتى اليوم .
المدافعون عن
المشتقات يرون أنها أدوات لنقل المخاطر من الأسعار إلى الوحدات القادرة على تحمل
هذه المخاطر ، وهي المؤسسات المالية وبيوت السمسرة الكبيرة ، وبذلك ترتفع إنتاجية
الوحدات الاقتصادية ومن ثم مستوى الرخاء الاقتصادي . وهذه العملية هي ما تسمى
بالتحوط ، أي تقي الشركات والمؤسسات من المخاطر وتتجنبها . لكن المعارضين يقولون
إن المشتقات هي نفسها أدوات المجازفة والرهان على تقلبات الأسعار والاسترباح من ذلك
. وواقع الأمر أن المجازفة وفق الإحصائيات الرسمية أكثر من 97% من إجمالي العقود ،
بينما تقتصر أغراض التحوط على أقل من 3% . فالمشتقات أدوات للمجازفة والرهان أكثر
منها أدوات للتحوط
كما أن تبادل
المخاطر يعني أن العملية تصبح مبادلة صفرية ، لأنه إذا تحقق الخطر كسب أحد الطرفين
وخسر الآخر ، وإن لم يتحقق انعكس الوضع وهذا هو ما يجعل المشتقات من أهم واجبات
المجازفة والرهان على الأسعار لأن المقصود ليس تبادل الملكية وإنما مجرد المخاطرة
.
ولا خلاف على أن
المشتقات مبادلات صفرية ، حيث أنها وإن كانت صفرية على مستوى العقد لكنها على
المستوى الكلي إيجابية لأنها ترفع مستوى الإنتاجية للاقتصاد عموما ومن ثم ينتفع
جميع الأطراف .
وهذه الحجة يمكن
أن تكون صحيحة لو كانت المشتقات تسير جنبا إلى جنب مع النشاط الحقيقي المنتج .
ولكن وقع الأمر أن أسواق المشتقات تسير في اتجاه بعيد عن النشاط الحقيقي . في
السنوات الماضية تضاعف حجم المشتقات أكثر من ثلاث مرات بحيث تجاوز حجمها الآن 330
تريليون دولار وهو نمو غير مشهور في أي قطاع من قطاعات الاقتصاد الأخرى .
والسبب
هو أن المشتقات لا ترتبط تعاقديا بالنشاط الحقيقي بل تقتصر على تبادل المخاطر .
وحيث أن تداول المخاطر لا يخضع لضوابط النشاط الحقيقي المولد للثروة ، فيصبح نمو
المشتقات أسهل بكثير من نمو الاقتصاد الحقيقي ، وهذا هو الحاصل بالضبط ويترتب على
ذلك تدفق رؤوس الأموال إلى المجازفات غير المنتجة على حساب الاقتصاد الحقيقي
المنتج مما يعرض الاقتصاد للخسارة مرتين : مرة يجب رؤوس الأموال عن النشاط الحقيقي
ابتداء ، ومرة أخرى عند انهيار السوق وانفجار فقاعة المجازفات غير المسئولة وضياع
الثروة تبعا لذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق